لم تتوقف أعمال التحطيب الجائر عند حدود الأشجار الحرجية في سورية، بل تعدتها إلى الأشجار المثمرة، مثل الزيتون واللوز والرمان والتفاح، في مناطق عدة. ويتحجج مرتكبو هذه الجرائم بنقص الوقود، وانعدام سبل الإنتاج، والحاجة إلى تدفئة الأطفال، لكنها أدت إلى فقدان جزء كبير من الثروة الحرجية، خاصة في المناطق التي يطاولها البرد والصقيع خلال فصل الشتاء، مثل تلك في الجنوب.
يقول ممدوح البربور (ناشط الإعلامي في جنوب سورية) لـ"العربي الجديد": "فُقد مشروع حراج أم الرمان الذي يقع أقصى الجنوب بالكامل نتيجة التحطيب والتواطؤ مع الحطابين، علماً أنه كان يضم أكثر من مليون شجرة تتنوع بين الصنوبر المثمر والسرو. ولم يكترث أحد لعواقب هذه الجرائم المتلاحقة بحق الأحراج الطبيعية في السويداء، مثل تلك في الكفر ووادي المظلم وظهر الجبل".
ونقل موقع محلي عن خبير زراعي قوله إن "أكثر من مليون شجرة تعرضت للتحطيب بين بلدات أم الرمان وحوط والمنيذرة في الجنوب، والجزء الأكبر منها خلال العامين الأخيرين. ومعظم هذه الأشجار مثمرة، بينها الصنوبر والسرو واللوزيات". أيضاً تحدث الموقع نفسه عن أعمال تحطيب لأشجار زيتون عمرها أكثر من 40 عاماً في بلدة سليم شمالي السويداء.
في درعا القريبة من السويداء، يقول مزارع لـ"العربي الجديد": "تستمر أعمال قطع الأشجار الحرجية وتزداد انتشاراً، خاصة في مناطق حوض اليرموك التي تبدو حالياً خالية من الأشجار بعد سنوات من التحطيب المستمر، فيما بدأت أحراج أخرى تتلقى المصير نفسه في تل شهاب وزيزون وغيرها. واللافت في هذه الأعمال أنها منظمة وتنفذها مجموعات مسلحة بهدف التجارة، وليس أصحاب الحاجة غير القادرين على شراء مازوت التدفئة أو الحطب".
وشهدت أسعار الحطب المُعد للتدفئة ارتفاعاً غير مسبوق في محافظتي درعا والسويداء هذا العام. وزاد سعر الطن الواحد من الحطب عن 4.5 ملايين ليرة سورية (300 دولار)، فيما بلغ سعر ليتر المازوت الحر قبل بداية فصل الشتاء 20 ألف ليرة سورية (1.35 دولار)، وسط توقعات بارتفاعات أخرى نتيجة نقص التوريد في المحافظتين. ودفع ذلك بأشخاص كثيرين إلى اعتماد التدفئة على الحطب، باعتبارها الأقل تكلفة، فيما ارتفعت أسعار المدافئ إلى أكثر من الضعف، وتجاوز سعر تلك الصغيرة 800 ألف ليرة (54 دولاراً) والكبيرة بين 1.5 مليون (102 دولار) و5 ملايين ليرة (340 دولاراً).
ويعتبر موظف في دائرة الزراعة بالسويداء، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "لم يعد مبرراً ارتكاب جرائم التحطيب في حق الطبيعة والبيئة، وأصبح من واجب الجميع والأهالي قبل الدوائر الحكومية التصدي لها، خاصة بعدما طاولت الأشجار المثمرة. والأكيد أن تقصير الحكومة وحاجة الناس للتدفئة من بين أسباب الظاهرة، لكن حماية الأملاك العامة واجب الجميع".
يضيف: "استبشرنا خيراً بتولي مجموعات أهلية حراسة مناطق في ظهر الجبل، لكن هذا الإجراء غير كافٍ ويحتاج إلى مؤازرة الجميع، إذ أصبحت السويداء مناطق قاحلة، وحُرم الناس من أي مكان للتنزه. ويُهدد الوضع السيئ السائد الجميع بمخاطر بيئية وأمراض لم تكن في الحسبان".
إلى ذلك، أخذت أعمال التحطيب الجائر منحى آخر في الساحل السوري الذي يشهد مناخاً أكثر اعتدالاً ودفئاً خلال فصل الشتاء، باستثناء مناطق بعيدة عن الساحل. ووجد الحطابون أن فرص التجارة والربح كبيرة في أعمال التفحيم، فجهزوا عشرات الأماكن لنشر الأخشاب المحطبة وتفحيمها وضغطها بمكابس خاصة، ثم تغليفها وبيعها إلى أصحاب محلات النرجيلة أو الشواء. وبلغ سعر الكيلوغرام الواحد نحو 25 ألف ليرة (1.7 دولار)، ما يعني أن مبيعات أي مركز تفحيم بعشرات الملايين يومياً.
يؤكد رئيس دائرة الأحراج في طرطوس (غرب)، فادي ديوب، عدم منح أي ترخيص لمزاولة التحطيب، وأن الدائرة تلاحق المخالفين، وأصدرت 218 محضر ضبط بمخالفات حرجية منذ بداية العام، من بينها 10 محاضر خاصة بالتفحيم و37 خاصة بالحرق، كما صادرت أكثر من 17 سيارة لنقل حطب.
ويشير أيضاً إلى أن الحرائق التي طاولت المحافظة خلال العام الحالي أتت على 170 دونماً، وأن بعضها كانت مقصودة.
ويقول علي الكردي لـ"العربي الجديد": "يعتقد أبناء منطقة الساحل بأن وراء كل حريق صاحب معمل فحم. وهم يشاهدون نقل أعداد كبيرة من السيارات خشب الأشجار المحروقة بعد إطفاء الحرائق من دون أن تتعرض لمساءلة أو ملاحقة. وبالطبع يعرف من ينفذون مهمات التفحيم كيفية استغلال جذور الأشجار وأغصانها، خاصة تلك التي لم تحترق بالكامل في صناعة الفحم".
عموماً تتباين الآراء بين من يرون أن أعمال التحطيب جرائم في حق الطبيعة والبيئة ستنعكس سلباً على الصحة العامة والمناخ، ومن يتحدثون عن تقصير الدولة في تأمين وقود التدفئة وحماية الأحراج، في وقت يحتاج فيه الناس إلى التدفئة، وأيضاً إلى توفير متطلبات العمل والإنتاج على حساب الطبيعة والصحة العامة طالما أن النتائج واحدة، ولا آمال قريبة في إصلاح ما جرى هدمه.