تعدّ الحدائق النباتية الملكية في كيو جنوب غربي لندن، والتي يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 1759، من الحدائق التي ساهمت في إدخال الكثير من النباتات إلى المملكة المتحدة، وتضم ما لا يقل عن 27000 نوع مختلف، وفي الوقت الحالي، تشارك في مواجهة تغير المناخ. وتشير صحيفة "ذي غارديان" البريطانية إلى حصول حدائق كيو على ملايين الجنيهات الإسترلينية للمساعدة في تسويق أبحاثها حول النباتات المقاومة لتغير المناخ، والأسمدة الخالية من الكربون، واللحوم النباتية ومنتجات الألبان.
وبدأت شركة Greensphere (تعمل على إيجاد حلول تكنولوجية اعتماداً على الطبيعة لحل بعض أكبر المخاطر التي تواجه جيلنا، وتركز على الاستدامة والتنمية الزراعية)، في استثمار ما يصل إلى مائة مليون جنيه إسترليني في إطار الأبحاث التي تقوم بها الحدائق، في ظل أكبر التحديات إلحاحاً التي تواجه العالم اليوم، وكيفية تأمين الطعام لعدد سكان العالم الذي يزداد في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتأثيرات تغير المناخ لناحية الظواهر الجوية المتطرفة. وتقول نائبة مدير العلوم في "كيو" البروفيسورة مونيك سيموندز إن التمويل يعدّ بمثابة فرصة كبيرة لزيادة تأثير العمل على التنوع البيولوجي، ويطرح علامات استفهام عديدة حول ماهية الحدائق النباتية، ودورها، وتأثيراتها في مواجهة التغيرات المناخية.
ويُساهم إنشاء الحدائق النباتية في الحفاظ على أنواع النباتات النادرة التي تتميز بها هذه الدول. وبحسب دراسة صادرة عن المكتبة الوطنية للطب التي تديرها الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة، وهي تابعة لمعاهد الصحة الوطنية الأميركية، يزداد الاهتمام دولياً بإنشاء حدائق نباتية نظراً لفقدان العديد من النباتات، الأمر الذي يؤثر على المناخ والأمن الغذائي.
وبحسب الدراسة، فإن فقدان النباتات بمعدل غير مسبوق يؤدي إلى انخفاض خدمات النظام البيئي. ويواجه حوالي ثلث أنواع النباتات في العالم خطر الانقراض بسبب مجموعة من الأنشطة المدمرة، بما في ذلك الإفراط في الحصاد والاستغلال والممارسات الزراعية السيئة، بالإضافة إلى التوسع الحضري والتلوث البيئي. وتشير إلى أن إنشاء حدائق نباتية يساهم في تلبية احتياجات الإنسان. وانقرضت أنواع مختلفة من النباتات كانت موجودة قبل مائة عام. وبحسب الدراسة، فإنّ الاهتمام بإنشاء مزارع وحدائق نباتية يساهم في الحفاظ على أنواع النباتات المختلفة، سواء بهدف الحصول على البذور لتأمين الغذاء العالمي، أو حتى توفير العلاجات الطبية في المستقبل، والتي يعتمد جزء كبير منها على النباتات.
ويؤدّي فقدان النباتات وغياب الغذاء أو الدواء إلى حصول مشكلة بيئية قد تكون لها انعكاسات على مستقبل الأفراد تتعلق بندرة المياه أو ما يسمى "عطش المستقبل". وبحسب دراسة نشرها موقع "Nature Geoscience" (يغطي مختلف جوانب علوم الأرض)، قد يشهد العالم ندرة في المياه نهاية القرن الحاري. بالتالي، فإن النباتات مسؤولة بشكل رئيسي عن تنظيم الدورة المائية في الطبيعة من خلال عملية التمثيل الضوئي.
ويقول عالم المناخ جاستن مانكين، من كلية دارتموث الأميركية، والمؤلف الرئيسي للدراسة: "النباتات تشبه قش الغلاف الجوي، وتهيمن على كيفية تدفق المياه من الأرض إلى الغلاف الجوي. وفي ظل زيادة انقراض النباتات، ستتأثر معدلات تدفق المياه. كما أن ندرة النباتات وفقدانها يزيدان من معدلات ارتفاع درجة حرارة الأرض".
من جهة أخرى، ربطت الدراسة ما بين ارتفاع درجات الحرارة ونمو النباتات. ففي بعض المناطق الساخنة، قد تنمو النباتات بشكل عشوائي، ما يزيد الضغط على دورة الطبيعة، إذ ستحتاج النباتات حينها إلى زيادة في استهلاك المياه بواسطة الغطاء النباتي، الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع كمية المياه في الأنهار والجداول في خطوط العرض الوسطى، بما في ذلك أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا الوسطى.
وتسعى كيو إلى التأكيد على أهمية الحفاظ على البيئة. وتعمد من خلال المقاهي المنتشرة داخل الحديقة إلى تعريف الزوار على أدوات الطعام الصديقة للبيئة، إذ إن جميع عبوات الطعام والأكواب والأطباق قابلة لإعادة التدوير. كما يمكن للزوار تناول الأطباق النباتية التي تُزرع في الحدائق بدلاً من اللحوم. من جهة أخرى، تساعد الحديقة في مواجهة التغيرات المناخية من خلال الحفاظ على بذور النباتات في أماكن محمية، بالإضافة إلى زراعة المزيد من النباتات والأعشاب النادرة.
وبحسب الموقع الإلكتروني الخاص بالحديقة، تساهم الزراعة العضوية في الحفاظ على مستويات منخفضة من ثاني أكسيد الكربون، وتسعى من خلال نجاح تجربتها إلى تعميمها على كافة المزارع في المملكة المتحدة، كنوع من الاستجابة للاتفاقيات الدولية الخاصة بخفض درجة حرارة الأرض ومكافحة التغيرات المناخية.