"شعورنا بالرعب والحزن من حجم الدمار الكبير لا يمكن وصفه. ضاعت أملاكنا ومصادر رزقنا، لكن ماذا عسانا نفعل؟". هكذا يصف محمد الجبلي الصدمة التي عاشها وهول الكارثة التي حلّت بغابة بني يسف آل سريف في منطقة بوجديان بإقليم العرائش شمال غربي المغرب، بسبب الحرائق التي اندلعت فيها الخميس الماضي.
يقول لـ"العربي الجديد": "لم أرَ حرائق مماثلة في حياتي. اقتربت النيران بسرعة والتهمت البيوت والمزارع والمواشي، فسارعنا إلى إنقاذ ما يمكن قبل أن تصل السلطات التي نقلتنا بعيداً من الخطر". يتابع: "من المؤلم ترك مئات من القرويين ممتلكاتهم وأراضيهم التي يرتبطون بها بشدة، وفقدانهم مواشيهم، وتحوّل الغابة التي كانت مصدر عيشهم إلى رماد برمشة عين. وبعد إخماد النيران سيحتاج المتضررون إلى الدعم والتضامن".
حالياً، تتسابق فرق الإطفاء والإنقاذ مع الزمن لاحتواء وتطويق النيران في غابات أقاليم العرائش وتطوان وشفشاون، بعدما كانت نجحت ليل أول من أمس الأحد، في إخماد 3 حرائق في أقاليم تازة والعرائش ووزان. وعلى امتداد الأيام الستة الماضية، عملت فرق التدخل دون توقف أو راحة لتفادي وصول ألسنة اللهب إلى الدواوير (الأرياف) والمنازل القروية القريبة من الغابات التي تقع على سفوح جبال الريف الغربي. ولم تكن هذه المهمات يسيرة بسبب وعورة تضاريس المنطقة والظروف المناخية غير الملائمة.
وأوضحت وزارة الزراعة المغربية أن الجهود الميدانية لفرق التدخل ركزت في البداية على تأمين سلامة القرى المجاورة للحرائق، والحفاظ على الممتلكات، ما حتم اتخاذ إجراءات استباقية شملت إخلاء 20 قرية، في حين جرت تعبئة حوالي ألفي عنصر من وحدة المياه والغابات والوقاية المدنية في الدفاع المدني، والقوات المسلّحة الملكية، والدرك الملكي والقوات المساعدة والسلطات المحلية، الذين استخدموا شاحنات الإطفاء وسيارات التدخل السريع، ودعمتهم 13 طائرة خاصة بإطفاء الحرائق، وكذلك طائرة مسيّرة بلا طيار استخدمت للمرة الأولى لرصد وتتبع بؤر الحرائق، من أجل تحديد أولويات التدخلات الجوية والبرية.
حرفية وسرعة
تقول الباحثة في قضايا التغيّرات المناخية والكوارث الطبيعية إلهام بلفحيلي لـ"العربي الجديد": "تعاملت السلطات المختصة بحرفية وسرعة مع الصعوبات التي اعترضتها والمرتبطة بوعورة المنطقة، واستخدمت كل الوسائل والإمكانات المتوفرة بالتعاون مع الدرك الملكي والجيش والقوات المساعدة والسلطات المحلية والوقاية المدنية، للحد من امتداد الحرائق، وتقليص الخسائر البشرية الذي ارتبط أيضاً بقرار إجلاء السكان بعيداً من أماكن الخطر".
ومنذ بداية العام الحالي، شهد المغرب نحو 165 حريقاً غطت أضرارها مساحة ناهزت 1800 هكتار، علماً أن العام الماضي شهد 285 حريقاً على امتداد 1487 هكتاراً شملت أكثرها مناطق الريف في شفشاون والعرائش وطنجة اصيلة والفحص أنجرة والمضيق – الفنيدق وتطوان ووزان، لكنها كانت أقل بنسبة 47 في المائة من عام 2020، و11 في المائة مقارنة بمتوسط السنوات العشر الأخيرة.
وكانت الوكالة الوطنية للمياه والغابات رصدت موازنة مقدارها 133 مليون درهم (12.5 مليون دولار) لبرنامج عام 2022 الخاص بتأمين مستلزمات الوقاية من حرائق الغابات ومكافحتها، وبينها صيانة معدات التصدي للحرائق، وتجهيز نقاط للتزود بالماء، وفتح وإعادة تأهيل مسارات الغابات، وإنشاء أبراج مراقبة وصيانتها، وتعزيز التوعية والكشف المسبق لمخاطر الحرائق.
تحذيرات واقتراحات
يرى متخصصون أن قوة رياح "الشركي" الجافة والحارة، التي تهبّ من الصحراء وتفوق سرعتها 20 كيلومتراً في الساعة في بعض المناطق، والحرارة المرتفعة ساهمتا في زيادة سرعة انتشار النيران وانتقالها من مكان إلى آخر، ما عقّد مهمات تدخل الفرق البرية.
ويتعرض المغرب منذ أيام لموجة حرّ شديدة تراوحت بين 40 و48 درجة مئوية في بعض المناطق، في وقت تعاني البلاد من جفاف استثنائي ونقص في موارد المياه. لكن رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان عبد الإله الحضري لا يستبعد ارتباط بعض الحرائق بأفعال جرمية، ويطالب في حديثه لـ"العربي الجديد" بفتح تحقيق في أسباب نشوب الحرائق التي أضرّت، في محصلة مؤقتة، بـ6600 هكتار من الغابات.
وكانت لافتةً مطالبة الكتلة النيابية لحزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" المعارض، الحكومة بإعادة تشجير الغابات التي تعرضت لحرائق، "كي لا تستولي جهات معينة عليها تمهيداً لنهبها".
وتزامن ذلك مع بدء وزارة الزراعة عبر الوكالة الوطنية للمياه والغابات في تحديد الوضع السائد، والإجراءات المطلوبة لإعادة تأهيل الأضرار، وتحديد أصناف مزروعات الغابات التي تستطيع التأقلم مع الخصوصيات الطبيعية لكلّ منطقة خلال موسم التشجير المقبل.
وتؤكد بلفحيلي ضرورة وضع استراتيجية واضحة للعناية بثروات الغابات من خلال معالجة الأشجار اليابسة، ووضع ممرات فارغة للحد من انتشار الحرائق وتسهيل الوصول إلى الغابات من أجل تنفيذ عمليات الإطفاء في حال وقوعها، وكذلك أهمية توعية المواطنين في شأن ضرورة العناية بثروات الغابات، والمخاطر المرتبطة بتصرفات غير مناسبة، من خلال تنظيم حملات إعلامية وقائية، وتوفير مراقبة دائمة للغابات من خلال الأقمار الاصطناعية، وكلّ وسائل التكنولوجيا المتاحة لمعرفة ما يجري داخلها، وتتبع أوضاعها.
هبّة تضامنية
وأمام هول الكارثة، أطلق المغاربة منذ الساعات الأولى لاندلاع الحرائق حملات تضامن هدفت إلى تقديم يد العون للمتضررين، ومؤازرة الجهود الوطنية المبذولة لإخماد النيران.
وساعد المتضررون طواقم الإطفاء في إخماد الحرائق، كما قدم متطوعون من أبناء القرى والمدن المجاورة يد العون من خلال تنفيذ مهمات لمراقبة المناطق التي أخمدت النيران فيها، أو جلب مياه شرب وغذاء لعناصر فرق التدخل.
كما نشطت مساعدات محلية من خلال هبّات تضامنية، كما حصل في مدينة القصر الكبير، حيث أطلق صيادلة بالتنسيق مع السلطات المحلية، حملة للتبرع بأدوية ومعدات طبية وأغذية لصالح الضحايا.
وأنشأت وزارة الزراعة خلية تعمل على المستويين المركزي والمحلي وبالتنسيق مع كلّ الفاعلين، لتحديد التدابير اللازمة والعاجلة لمواكبة احتياجات السكان المتضررين، وتنفيذ مشاريع لتنمية المناطق المتضررة.