تسعى السلطات الروسية إلى تقديم مختلف المغريات للملتحقين بصفوف قواتها على الجبهة، وصولاً إلى حدّ قبول الإفراج عن السجناء مقابل مشاركتهم في عمليات القتال، وذلك في ظل مواجهتها صعوبات في حسم الوضع الميداني للحرب على أوكرانيا التي تشنها منذ فبراير/ شباط 2022. وبين المبادرات الأخيرة مصادقة مجلس الاتحاد (الشيوخ) على مشروع قانون يمنح المتعاقدين الذين يؤدون الخدمة العسكرية في الجيش الروسي خلال فترة التعبئة، أو في حالة الحرب، ضمانات حقوقية ومسوغات للإعفاء من المسؤولية الجنائية. وجاء ذلك بعدما صادق البرلمان الروسي بمجلسيه، الدوما (النواب) والاتحاد (الشيوخ)، على مشروع القانون في النصف الثاني من يونيو/حزيران الماضي.
وباعتبار أن النسخة الجديدة للقانون تحصر تطبيق بنوده بالملتحقين بالجيش الروسي، فهو لا يمت بأي صلة لمرتزقة شركة "فاغنر" العسكرية الخاصة الذين صدرت في حقهم أحكام بالسجن فترات طويلة، وقاتلوا في أوكرانيا لدوافع مادية ومن أجل الإفراج عنهم، وباتوا يواجهون مصيراً مجهولاً اليوم بعد واقعة التمرد الفاشل لقائد المجموعة يفغيني بريغوجين مؤخراً.
لكن ذلك لن يزيل الشكوك في شأن إقبال من صدرت أحكام بسجنهم فترات قصيرة نسبياً على الذهاب إلى أوكرانيا للقتال، بعدما ذاع في العالم صيت تجنيد "فاغنر" مدانين بتهم بالغة الخطورة، بينها القتل.
ويعتبر الخبير القانوني والحقوقي بافيل ماروشاك، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "المدانين بالسجن في القضايا منخفضة ومتوسطة الخطورة لا دافع لهم للذهاب للقتال في أوكرانيا، بدلاً من استكمال تنفيذ فترات العقوبات. وباعتبار أن القانون الذي جرى تمريره خاص بالجرائم منخفضة ومتوسطة الخطورة، أي تلك التي تتراوح عقوبتها بين السجن ثلاث أو خمس سنوات، ينفذها هؤلاء السجناء من خلال نظام اعتقال غير مشدد، علماً أن عدداً ضئيلاً منهم سبق أن ذهب إلى الجبهة".
يتابع: "إذا حُكم على المدان بالسجن ثلاث سنوات، فهو يستطيع من وجهة النظر القانونية تقديم طلب للإفراج المبكر المشروط عنه، أو الانتقال إلى مركز إصلاحي بعد انقضاء عام ونصف العام، لذا لا يحتاج إلى المخاطرة بروحه من أجل الذهاب إلى ما يشبه مذبحة في أوكرانيا بهدف تقليص فترة العقوبة عاماً أو عامين".
ويشير إلى أن غالبية السجناء الذين التحقوا بشركات عسكرية خاصة، وفي مقدمها "فاغنر"، هم مدانون بارتكاب جرائم بالغة الخطورة لا تقل فترات سجنهم عن عشر سنوات، وقد تصل إلى حد المؤبد.
في غضون ذلك، استكمل عدد متزايد من السجناء الملتحقين بـ"فاغنر" مدة الأشهر الستة التي يجب أن يمضوها في الجبهة من أجل الحصول على حريتهم. وأعلن بريغوجين قبيل تمرده في يونيو/ حزيران الماضي عودة 32 ألف سجين قاتلوا في أوكرانيا إلى منازلهم، لكن ماروشاك يشكك في دقة هذا الرقم، ويقول: "لا أعلم كحقوقي بالإفراج عن عدد كبير من المشاركين في العمليات العسكرية الخاصة، لكنني متأكد من أن نسبة الخسائر في صفوف قوات فاغنر عالية للغاية، على الأقل بين مقاتلي سجنين اطلعت على وضعهما بشكل دقيق، إذ لم يتجاوز عدد السجناء الذين عادوا أحياء أصابع اليد الواحدة".
وكان مشروع القانون الجديد غير المتعلق بـ"فاغنر" أحيل إلى مجلس الدوما في منتصف يونيو/ حزيران الماضي، من أجل تنظيم تشريعات المسؤولية الجنائية للمشاركين في الحرب في أوكرانيا، وتحديد إمكان إعفاء من جرت تعبئتهم أو تعاقدوا لأداء الخدمة في منطقة "العملية العسكرية الخاصة" بأوكرانيا من المسؤولية الجنائية لارتكاب جرائم غير خطرة في عدد من الحالات.
ومعدّو مشروع القانون هم عضو مجلس الاتحاد أندريه كليشاس، ورئيس لجنة الدوما لبناء الدولة والتشريع بافيل كراشينيكوف، ونائبته الأولى إرينا بانكينا. وينتمي جميعهم إلى حزب "روسيا الموحدة" الحاكم.
واقترح معدّو المشروع إضافة بند إلى القانون لإعفاء من جرت تعبئتهم والمتعاقدين من المسؤولية الجنائية عن ارتكاب جرائم منخفضة أو متوسطة الخطورة، وذلك بدءاً من تاريخ انتهاء الخدمة، أو الحصول على وسام دولة. وأوردت المذكرة التوضيحية للقانون: "ستساهم الآلية القانونية للإعفاء من المسؤولية في تحقيق أهداف العقوبة، وستوفر إمكانات إضافية لتعزيز الموارد البشرية للقوات المسلحة لروسيا الاتحادية".
وكانت لجنة الدفاع في مجلس الدوما قد أوصت، في 10 يونيو/ حزيران الماضي، بالمصادقة على مشروع القانون الذي يسمح بأداء الخدمة بموجب التعاقد مع القوات المسلحة الروسية خلال فترة التعبئة وزمن الحرب لمن سبقت إدانتهم بارتكاب جرائم غير خطرة. وأعلن مسؤولون أن القانون سيسمح بصيغته الجديدة بالتعاقد مع "الصالحين جزئياً" لأداء الخدمة العسكرية، في حال لم يعانوا من أمراض حددتها وزارة الدفاع في قائمة أصدرتها.
وكانت روسيا حشدت مرتزقة "فاغنر" مع بداية حربها في أوكرانيا لتعزيز قواتها المتمركزة على الخطوط الأمامية، لكن مع استمرار الحرب، تزايد الاعتماد على عناصر فاغنر تدريجياً في المعارك الحاسمة، خاصة على جبهات باخموت وسوليدار، حيث قادت عمليات اقتتال عنيفة شهدت معارك استنزاف وحشية. إلا أن خلافاً متفاقماً بين شركة "فاغنر" من جانب ووزارة الدفاع الروسية من جانب آخر، أسفر في نهاية المطاف عن تمرد "فاغنر" وغياب شركته عن أرض المعركة بصورتها السابقة، وسط وضع مقاتليها السابقين أمام خياري التعاقد مع الجيش أو العودة إلى منازلهم.