- الفلسطينيون يبذلون جهودًا كبيرة لاستمرار العملية التعليمية، بما في ذلك تلقي الدروس في خيم بالقرب من خانيونس والتعليم عن بُعد بمساعدة معلمين من الضفة الغربية وأوروبا، رغم التحديات الكبيرة في استيعاب الأعداد الهائلة من الطلاب.
- الأضرار التي لحقت بمنظومة التعليم تثير قلقًا عميقًا، مع توقف الدراسة لنحو 625 ألف طفل وتدمير مؤسسات التعليم العالي، لكن الفلسطينيين يظلون مصرين على البحث عن حلول لمواصلة التعليم.
لم توفّر الحرب التي تشنّها قوات الاحتلال على الفلسطينيين في قطاع غزة منذ أكثر من سبعة أشهر أياً من مناحي حياة هؤلاء، والتعليم من بينها. وقد دُمّرت منظومة التعليم في غزة مثلما دُمّرت المنظومة الصحية في القطاع المحاصر والمستهدف بالعدوان الإسرائيلي الذي أُطلق في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
في خيمة نُصبت بمنطقة قريبة من مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، يجلس أطفال فلسطينيون القرفصاء على الرمال وهم يتابعون فصولاً دراسية. ومن القاهرة، تتابع فتاتان فلسطينيتان تعلّمهما عن بُعد، مع مدرسة في الضفة الغربية المحتلة. من جهة أخرى، يساعد أستاذ في ألمانيا طلاباً فلسطينيين للتواصل مع جامعات أوروبية. وهذه مجرّد أمثلة على ما يبذله الفلسطينيون في قطاع غزة، الذين ما زالوا محاصرين فيه وكذلك هؤلاء الذين هُجّروا منه، من جهد لاستكمال دراستهم، بعدما حرمتهم الحرب الإسرائيلية من مدارسهم وجامعاتهم وقد اضطرت إلى إغلاق أبوابها في وجههم بسبب ما لحق بها من أضرار أو بسبب تدميرها بالكامل في خلال عدوان الاحتلال المتواصل.
وفي محاولة لتعويض انهيار منظومة التعليم في غزة وسط العدوان المستمرّ، تطوّعت الفلسطينية أسماء الأسطل في المدرسة البديلة التي أُنشئت في خيمة بالقرب من ساحل قطاع غزة، تحديداً في منطقة المواصي، في أواخر إبريل/ نيسان الماضي. تخبر أسماء أنّ المدرسة المستحدثة تقوم على جهود متطوّعين وكذلك على جهود خاصة من أصدقاء مصريين. تضيف أنّهم يستقبلون التلاميذ في الوقت الراهن، في حين أنّ كثيرين على لائحة الانتظار، مؤكدةً "لسنا قادرين على استيعاب عدد كبير جداً" في المدرسة. تضيف أسماء أنّهم سوف يواصلون استقبال الأطفال وتعليمهم حتى لا يفوّتوا عليهم عاماً دراسياً كاملاً.
ويتملك القلق الفلسطينيين إزاء حجم الأضرار التي طاولت منظومة التعليم في غزة التي سبق أن مثّلت مصدراً للفخر والأمل بالنسبة إليهم. فمعدّلات التعليم في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة تُعَدّ مرتفعة وفقاً للمقاييس العالمية، لكنّ قطاع التعليم يواجه متاعب ويفتقر إلى الموارد بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع. يُذكر أنّ المؤسسات التربوية في غزة، ولا سيّما تلك التابعة لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، تتحوّل في كلّ عدوان إسرائيلي يستهدف القطاع إلى مراكز يلجأ إليها النازحون الذين يهجّرهم قصف الاحتلال.
وفي خلال العدوان الأخير، كما في المرّات السابقة، تحوّلت المدارس إلى ملاجئ لإيواء النازحين الذين تقطّعت بهم السبل بعدما أمرتهم قوات الاحتلال بإخلاء بيوتهم ومناطقهم. كذلك تعرّضت مدارس كثيرة للقصف، بما فيها تلك التي تحوّلت إلى مراكز نزوح. وقد أدّى ذلك إلى حرمان نحو 625 ألف طفل فلسطيني في سنّ التعليم في غزة من متابعة عامهم الدراسي 2023-2024.
أمّا مؤسسات التعليم العالي في قطاع غزة البالغ عددها 12، فقد تعرّضت كلّها للدمار أو لحقت بها أضرار كبيرة نتيجة الاستهداف الإسرائيلي المتعمّد في أحيان كثيرة، الأمر الذي أدّى إلى توقّف دراسة نحو 90 ألف طالب. كذلك فإنّ أكثر من 350 أستاذاً وأكاديمياً استشهدوا منذ السابع من أكتوبر الماضي، بحسب ما تفيد البيانات الرسمية الفلسطينية، وهو الأمر الذي يساهم أكثر في ضرب منظومة التعليم في غزة وسط العدوان.
الشابة الفلسطينية إسراء عزوم من الذين حُرموا من متابعة دراستهم، وهي طالبة في السنة الرابعة في كلية الطب التابعة لجامعة الأزهر بمدينة غزة شمالي القطاع. تقول: "فقدنا أصدقاء وفقدنا أطباء وفقدنا مساعدي تدريس وفقدنا أساتذة"، مؤكدةً "خسرنا الكثير في هذه الحرب". وقد تطوّعت إسراء في مستشفى الأقصى بمدينة دير البلح وسط القطاع، في خلال العدوان الجاري، من أجل مساعدة الطاقم الطبي المجهد في التعامل مع موجات المرضى والمصابين، وكذلك "حتى أبقى على اتصال بالعلم". تضيف الشابة: "لا أشعر بالتعب قطّ، فأنا أحبّ القيام بذلك"، شارحةً "أحبّ الطبّ، أحبّ العمل طبيبة، ولا أريد أن أنسى ما تعلّمته".
في الإطار نفسه، يعبّر الطبيب فهد الحداد، رئيس قسم الطوارئ في مستشفى الأقصى والأستاذ المحاضر في كلية الطب التابعة للجامعة الإسلامية بمدينة غزة، عن أمله بالعودة إلى التدريس، على الرغم من أنّه فقد الكتب والأوراق البحثية التي ظلّ يجمعها على مدى أكثر من عشرة أعوام عندما دُمّر منزله في مدينة غزة. يقول إنّ التدريس عن بُعد أمر صعب بسبب ضعف شبكة الإنترنت في القطاع، لكنّ ذلك قد يسمح للطلاب باستكمال دراستهم على الأقلّ، علماً أنّ أضراراً جسيمة لحقت بمباني الجامعة الإسلامية وجامعة الأزهر المتجاورة في مدينة غزة وصارت مهجورة. ويشدّد: "نحن مستعدّون للعطاء بأيّ شكل من الأشكال، لكن العطاء في داخل قطاع غزة أفضل بكثير من خارجه. ولا تنسوا أنّنا أطباء ونمارس عملنا".
قطرة في محيط التعليم في غزة
بدورهم، يواجه عشرات آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة الذين عبروا الحدود إلى مصر تحديات عدّة. وعلى الرغم من شعورهم بالأمان النسبي، فإنّهم لا يملكون الوثائق اللازمة لإلحاق أبنائهم بالمدارس المصرية، لذلك سُجّل عدد منهم للتعلّم عن بُعد في مدارس الضفة الغربية المحتلة. وتخطّط السفارة الفلسطينية لدى القاهرة للإشراف على امتحانات نهاية العام الدراسي 2023-2024 لنحو 800 تلميذ فلسطيني في المرحلة الثانوية.
ويخبر رجل الأعمال الفلسطيني كمال البطراوي أنّ ابنتَيه (في الصف العاشر والصف الخامس) التحقتا بالتعلّم عن بُعد عقب وصول العائلة إلى القاهرة، قبل خمسة أشهر. ويوضح أنّهما انطلقتا في ذلك من خلال التواصل مع مدرسة في الضفة الغربية، لافتاً إلى أنّ "الدوام يومي منتظم من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة الواحدة والنصف من بعد الظهر. وهذا أمر حال دون خسارتهما عاماً دراسياً". والبطراوي من بين فلسطينيين آخرين حاولوا التخفيف من التهديدات التي تستهدف مستقبل أبنائهم، ولا سيّما مع انهيار منظومة التعليم في غزة حيث الدمار رهيب.
وفي جنوب قطاع غزة الذي نزح إليه أكثر من مليون فلسطيني، توفّر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أنشطة ترفيهية للأطفال من قبيل الغناء والرقص إلى جانب قليل من التعليم الأساسي. وهي كانت تعتزم نصب 50 خيمة تستوعب ستة آلاف طفل يُتاح لهم تلقّي التعليم على ثلاث فترات في اليوم، غير أنّ الاجتياح الإسرائيلي البرّي لمدينة رفح الذي بدأ قبل أسبوع يحول دون ذلك في الوقت الراهن. ويشدّد رئيس قسم الاتصالات في منظمة يونيسف في الأراضي الفلسطينية المحتلة جوناثان كريكس على أنّ "من المهمّ القيام بذلك، غير أنّه يظلّ مجرّد قطرة في محيط".
من جهته، يرى عميد كلية الاتصال واللغات في جامعة غزة وسام عامر أنّ من الممكن أن يكون التعليم عن بُعد حلاً مؤقتاً، غير أنّه لا يوفّر خبرة التعلم بالحضور والتدريب العملي المطلوبَين لتخصّصات من قبيل الطبّ والهندسة. وبعد مغادرة قطاع غزة إلى ألمانيا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، راح عامر يقدّم المشورة للطلاب الفلسطينيين في قطاع غزة حول كيفية العثور على ما يناسب دراستهم من الخيارات المتاحة في جامعات الضفة الغربية أو أوروبا. يضيف عامر أنّ "تحديات ما بعد الحرب (الإسرائيلية على قطاع غزة) لا تتعلّق فقط بالبنية التحتية ولا بمباني الجامعات، إنّما كذلك بواقع أنّ عشرات من أفراد الكادر الأكاديمي قُتلوا في خلال الحرب وإيجاد بديلين منهم مهمّة صعبة".
من بين الأكاديميين الذين استشهدوا في خلال الحرب الإسرائيلية المتواصلة رئيس الجامعة الإسلامية في غزة سفيان تايه، فالقصف الذي استهدف منزل شقيقته في ديسمبر/ كانون الأول الماضي أودى بحياته وبحياة زوجته وأبنائهما الخمسة. ويقول شقيقه نبيل تايه إنّ "لدى سفيان، أستاذ الفيزياء النظرية والرياضيات التطبيقية الحائز على جوائز، شغفاً كبيراً بالعلوم"، مشيراً إلى أنّه ظلّ يعمل على أبحاثه وسط الحرب.
وتلفت تقديرات الأمم المتحدة إلى أنّ 72.5 في المائة من المدارس في قطاع غزة سوف تحتاج إلى إعادة بناء بالكامل أو إلى جهود كبيرة لإعادة تأهيلها للعمل. في سياق متصل، يرى كريكس أنّ الأطفال الفلسطينيون في قطاع غزة سوف يحتاجون بشدّة إلى دعم يتعلّق بالصحة النفسية والاجتماعية حتى "يشعروا بالأمان عند عودتهم إلى المدرسة التي قد تكون تعرّضت للقصف".
(رويترز، العربي الجديد)