في اجتماع لمجلس الوزراء عُقد بعيد وقوع حريق مستشفى الناصرية، أكّد رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي أنّ نتائج التحقيقات سوف تُعلَن في خلال أسبوع. لكنّ سياسيين ومراقبين عبّروا عن تخوّفهم من التسويف.
بينما تتوقّع أوساط أمنية عراقية في محافظة ذي قار الإعلان عن نتائج أولية للتحقيق الخاص بفاجعة مستشفى الحسين التعليمي المخصص لعزل مصابي كوفيد-19 في مدينة الناصرية جنوبي العراق، تستمرّ جهود موظفي الطب العدلي لعزل الأشلاء التي عُثر عليها ومحاولة تحديد أصحابها، بالتزامن مع بدء السلطات الصحية بأخذ عيّنات حمض نووي من عدد من ذوي الضحايا الذين لم يعثروا بعد على جثث الذين فقدوهم في خلال الحريق. يأتي ذلك في حين تراجعت وزارة الصحة العراقية عن الرقم الذي أعلنته وكالة الأنباء العراقية (واع)، مساء الثلاثاء الماضي، الخاص بعدد الضحايا، مشيرة إلى أنّه بلغ 92 ضحية، فأصدرت، أمس الأربعاء، بياناً كشفت فيه عن أسماء 61 ضحية، علماً أنّ ثمّة أشلاء وجثثاً متفحّمة لم يتعرّف إليها أحد.
وبحسب ما تفيد مصادر رفيعة في حكومة محافظة ذي قار "العربي الجديد"، فإنّ "التحقيقات الحالية تشير إلى إهمال وفساد في تشييد مركز العزل وطريقة التعامل مع إجراءات الأمن"، كاشفة عن "اعتقال ستّة أشخاص من أصل 11 شخصاً صدرت في حقهم أوامر اعتقال بتهمة التقصير" في ما يتعلّق بالحادثة الأخيرة. وتؤكد المصادر نفسها أنّ "حكومة ذي قار سوف تواجه أيّ محاولات من قبل بغداد للتلاعب بعدد الضحايا أو التقليل من هول الفاجعة التي ألمّت بالمحافظة".
في بلدة سوق الشيوخ، على مقربة من مدينة الناصرية، قضى رجل يعيل ويهتمّ ببناته الستّ بعد وفاة زوجته قبل نحو عامين. يخبر جار الضحية أحمد واجد السلماني "العربي الجديد" أنّه "أصيب بعدوى فيروس كورونا الجديد في خلال عمله كحمّال في السوق. وخوفاً على بناته، إذ إحداهنّ مصابة بالربو، انتقل إلى مركز العزل للتعافي. لكنّه لم يعد". يضيف أنّ "رائحة احتراق لحم الضحايا ما زالت تسيطر على المنطقة، وقد عمد السكان في جوار المستشفى إلى إغلاق نوافذ منازلهم وتوقّفوا عن استخدام المكيّفات، حتى لا تدخل إليهم الروائح المنبعثة من المستشفى التي وصلت إلى بعد أكثر من خمسة كيلومترات وطاولت أحياء مجاورة". ولا يخفي خشيته من أن يكون "مصير هذه الحادثة مثل مصير حادثة مستشفى ابن الخطيب في بغداد، فتُسيَّس لجنة التحقيق وتضيع حقوق الضحايا وذويهم".
بالعودة إلى الأرقام، بعدما أفادت دائرة ومديرية صحة محافظة ذي قار بسقوط 92 قتيلاً وأكثر من 50 جريحاً في حادثة المستشفى، وفقاً لوكالة الأنباء العراقية الرسمية التي نقلت كذلك عن مسؤولين ومصادر طبية وأمنية أنّ الحصيلة تجاوزت 107 قتلى، أعلنت وزارة الصحة، أمس الأربعاء، عن سقوط 61 قتيلاً. وفي تعليق على ذلك، يقول الناشط الحقوقي أحمد حقي لـ"العربي الجديد" إنّ "الحكومة تحاول تهدئة الشارع من خلال التقليل من أرقام الضحايا، لا سيّما أنّ بوادر الغضب الشعبي تتصاعد ضدّها، وثمّة اعتراضات شعبية كبيرة على إجراءاتها، فضلاً عن خروج تظاهرات مستنكرة وتوقّعات باتّساع رقعتها". يضيف أنّ "عدداً من المصابين قضوا متأثّرين بجروحهم، أمس الأربعاء، من دون أن تذكر الوزارة ذلك".
ويأتي ذلك في حين تواصل فيه لجان التحقيق المكلفة متابعة ملف الحادثة، تحقيقاتها. وبحسب المحامي جمال فاضل، من محكمة جنايات الناصرية، فإنّ "ثمّة مسؤولين في المستشفى وموظفين وشهود عيان، إلى جانب مسؤولين في دائرة صحة المحافظة، يخضعون إلى التحقيق". ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "اللجان تحاول إعلان نتائج التحقيق في أقرب وقت ممكن وإن كانت نتائج أولية"، مشيراً إلى أنّ "أسماء عدّة من مديرية صحة المحافظة أصحابها معرّضون للإقالة والمحاسبة القانونية بسبب الفساد الإداري وعدم أداء الواجب بالشكل الصحيح".
من جهته، يقول النائب يحيى المحمدي لـ"العربي الجديد" إنّ "ملف الحرائق الآن يشغل الجميع، ورئاسة البرلمان تتابع وتراقب عن كثب، في حين أنّ الشارع محبط ويائس من الإجراءات الحكومية، لا سيّما أنّ تصريحات وزارة الصحة ترقيعية، والشعب يريد حلولاً ناجعة تُحفظ بها أرواح الناس". يضيف المحمدي أنّ "البرلمان دعا إلى استضافة اللجنة المعنية بالتحقيق في الحادثة للوقوف على التحقيقات، ونحن عازمون على معرفة أسباب الحريق"، متحدثاً عن "ضعف في الإدارة بوزارة الصحة" وعن "إهمال وتقصير وإدارة فاشلة تُدار بها المؤسسات الصحية في البلاد". ويؤكد المحمدي أنّ "الحادثة تؤكد الفشل الحكومي في متابعة مؤسساتها ومن ضمنها القطاع الصحي"، مشدداً على "ضرورة أن تتحمّل الحكومة مسؤولياتها وأن تعالج الخلل وتبعد إدارة المؤسسات عن المحاصصة. والملف سوف يكون من أولويات عمل البرلمان".
تجدر الإشارة إلى أنّ القضاء العراقي أصدر، أوّل من أمس الثلاثاء، 11 مذكرة قبض في حقّ مسؤولين وموظفين على خلفية حريق مستشفى الناصرية. وبالتزامن، اتّخذت محافظات عراقية منها الديوانية (جنوب) والنجف قرارات بإغلاق مراكز العزل المؤلّفة من كرفانات (غرف جاهزة) والتي أُنشئت لاستيعاب مصابين بعدوى فيروس كورونا الجديد. وقد أفاد المتحدث باسم صحة محافظة الديوانية محمد العادلي، في تصريح صحافي، بأنّ "إدارة صحة المحافظة ولأسباب تتعلق بمقتضيات المصلحة العامة قرّرت إغلاق مركز العزل الذي أُنشئ في العام الماضي وتحويله إلى استخدامات أخرى". أضاف أنّ "مستشفى الديوانية العام سيتمّ تحويله بالكامل لعزل مصابي كورونا كما حدث في العام الماضي"، مبيناً أنّ هذه الإجراءات "تأتي للحفاظ على حياة المرضى الراقدين ومنع تكرار حوادث الحريق كما حصل في مستشفى ابن الخطيب ومستشفى الناصرية".