في مأساة غير جديدة على المجتمع المصري، عرض أب يواجه ضائقة مالية، بيع ابنه على مواقع التواصل، فأوقفته أجهزة الأمن. وأوضحت وزارة الداخلية المصرية في بيان أن "وحدة مكافحة الجريمة المنظمة في مديرية أمن القاهرة اعتقلت الأب بسبب عرضه، تحت ستار التبني، طفله للبيع مقابل مبلغ مالي على موقع التواصل".
وتابعت: "يقيم الأب مع نجله البالغ 5 أعوام في منطقة حلوان، وأظهرت التحقيقات أنه يملك سجلاً جنائياً. وهو اعترف بفعلته خلال التحقيق معه، وقال إنه يمر بضائقة مالية دفعته إلى عرض ابنه للبيع".
وكانت أم عرضت طفلتها الرضيعة للبيع مقابل المال على موقع "فيسبوك" في فبراير/ شباط الماضي. ولاحقت وزارة الداخلية الواقعة، وقالت في بيان إن "قوات الأمن اكتشفت صفحة على فيسبوك تحمل اسم سيدة أعلنت استعدادها لبيع طفلتها الرضيعة مقابل مبلغ مالي، فأوقفتها وسط القاهرة، وكانت الرضيعة برفقتها، ثم تبيّن أن لها سوابق جنائية". وأشارت الوزارة إلى أن "الأم اعترفت بفعلتها، وبررتها بوجود خلافات مع زوجها دفعتها إلى ترك المنزل. وفي ظل عدم وجود مصدر دخل لها عرضت الطفلة للبيع. وقد حررت الشرطة محضراً بالواقعة أحالته على النيابة العامة التي باشرت التحقيق مع المتهمة، وأمرت بسجنها بتهمة الاتجار بالبشر".
وفي أغسطس/ آب 2020، اعتقلت أجهزة الأمن شخصاً يقيم في القاهرة عرض على موقع "فيسبوك" أيضاً التنازل عن طفل حديث الولادة لراغبين في التبني مقابل الحصول على مال. واتخذت إجراءات قانونية في حقه، وإحالته على النيابة العامة.
في صدارة الانتحار
لا شك في أن هذه الأخبار تبدو منطقية، إذا وضعت في الخانة ذاتها لتزايد حالات الانتحار في مصر بسبب مواجهة ضيق مادي أو نفسي. ففي النصف الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري فقط، رصدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ثلاث حالات انتحار، بينها لزوجة تمر بأزمة مالية في حي العمرانية بمحافظة الجيزة، وأخرى من سكان مدينة السلام بالقاهرة عجزت عن توفير المطالب المعيشية لطفليها، وتاجر مواش في حي أبو النمرس بمحافظة الجيزة يواجه بدوره أزمة مالية حادة.
وكانت حالتا انتحار مرتبطتان بأزمات مالية رصدتا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في حين تعددت الحالات في سبتمبر/أيلول الماضي، أبرزها في 18 من ذلك الشهر، حين ألقى رجل ستيني نفسه أمام عربات قطار مترو الأنفاق في محطة المعادي جنوبي القاهرة، ما أدى إلى مقتله فوراً. وحصلت هذه الواقعة بعد نحو 48 ساعة من انتحار شابة عشرينية عبر إلقاء نفسها من الطابق السادس لمتجر كبير بالقاهرة. وكشفت التحقيقات لاحقاً أنها تعاني من مشاكل أسرية وضغوط من الأهل.
وسبق ذلك بأسابيع انتحار ربة منزل تعيش في منطقة بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة، وتبلغ 31 من العمر، وعانت بحسب التحقيقات الأولية من أزمة مالية وحالة اكتئاب، علماً أنها مطلقة وليس لديها أطفال.
وأحصى تقرير أصدرته المؤسسة العربية لحقوق الإنسان غير الحكومية 201 حالة انتحار خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، علماً أن مصر تصدرت الدول العربية في معدلات الانتحار عام 2016 بـ3799 حالة، بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية.
وحدد تقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعامي 2019 و2020 نسبة الفقراء في مصر بـ 29.7 في المائة، أي حوالي ثلث المصريين، علماً أن تصنيف الفقر يشمل الأشخاص الذين يقل أجرهم الشهري عن 857 جنيهاً (54.39 دولاراً). ويقول البنك الدولي إنّ 60 في المائة من المصريين فقراء أو معرضون للفقر.
أوامر الدولة أولاً
لكن الفقر متعدد الوجوه في مصر، فهو لا يرتبط فقط بقلة النقود والمداخيل وارتفاع حجم الإنفاق، بل أيضاً بالمعاناة الطويلة من البطالة، والذي يشمل نحو 17 في المائة من الشباب، وكذلك بتدهور أوضاع الصحة والتعليم.
لكن ذلك لم يمنع النظام المصري من منح أولوية لتسديد الديون واستكمال تشييد منشآت العاصمة الجديدة ودفع رواتب كبار العاملين في الدولة في موازنة 2021-2022، في مقابل رصده أقل من نصف المبالغ الاعتيادية لنفقات الصحة والتعليم.
ويظهر ذلك جلياً انشغال النظام بـ "إبهار العالم"، وتعمّده إجبار مؤسساته ووسائل إعلامه على الترويج لسلسلة افتتاح المهرجانات المستمرة، والتي تكلف خزينة الدولة ملايين الدولارات.
وفعلياً يغرق الإعلام في مدح شعار "الجمهورية الجديدة" كي لا يحيد عن التعليمات المشددة من أجهزة الدولة العليا. ولا ينحصر ذلك في وسائل الإعلام الاعتيادية، بل يمتد إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ينفذ العاملون في الإعلام حرفياً أوامر الترويج لشعار "الجمهورية الجديدة" على حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل.
وقد نشر صحافي رفض كشف اسمه صوراً لافتتاح طريق الكباش الجديد بالأقصر مرات ومرات على مواقع التواصل الاجتماعي، مع وسوم "الجمهورية الجديدة"، و"السيسي رئيسي"، و"مصر في عهد السيسي"، و"مصر تبهر العالم"
وقبل ذلك بأيام نشر الصحافي نفسه مجموعة من صور لتدشين مجمع سكني مخصص لسكان العشوائيات، مع كم هائل من الوسوم التهليل والتبجيل، وأيضاً صوراً لقطار المونوريل الجديد والنهر الأخضر ودار الأوبرا الجديدة في العاصمة الإدارية، وغيرها.
ولا يخفى أن مسؤولي المؤسسات الصحافية القومية كلفوا على مدار السنوات الماضية المحررين العاملين بالاستمرار في نشر كل ما يخص "الجمهورية الجديدة"، الاسم الذي أطلقه النظام على عصر الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي. ويؤكد هذا الصحافي، أنّه تلقى أوامر مرة بكتابة مقال لمدح إجراء انتخابات مجلس الشعب رغم انتشار فيروس كورونا، والإشادة بالخطوة الديمقراطية المهمة بالتزامن مع الإجراءات الاحترازية المطبقة في مصر لمكافحة الوباء العالمي.