حيازة السلاح تزيد الجرائم في ليبيا

08 يونيو 2022
الإنفلات الأمني يفاقم تفشي الجرائم في ليبيا (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

في مطلع شهر مايو/ أيار الماضي، عثر أهالي مدينة غريان على جثة أحد مواطني المدينة ملقاة في مكب للنفايات، وكان الضحية مكبل الأيدي، وتظهر على جسده آثار تعذيب، وأكدت منظمة رصد الجرائم الليبية (غير حكومية)، أن نتائج التحقيق الجارية تشير إلى أن تفاصيل الجريمة لا تزال غامضة. 
وفي الأسبوع الأخير من مايو الماضي، شهدت البلاد العديد من جرائم القتل، من بينها مقتل 6 أشخاص في مدينة مصراته، وقيدت أغلب الجرائم باعتبارها "مجهولة الفاعل"، وتناقلت أسماء الضحايا وملابسات الجرائم وسائل الإعلام المحلية، في حين لا تزال السلطات الأمنية بالمدينة لا تكشف عن الأسباب الحقيقية وراء تلك الجرائم، أو هوية مرتكبيها. 
وأشارت وسائل إعلام محلية إلى أن ضحايا جرائم القتل في مصراته، هم شباب دون سن العشرين، وقتل بعضهم أثناء شجار تسبب به خلاف حول ملكية محل تجاري، واحتدم الخلاف ليصل إلى حد الاشتباك بالأسلحة النارية بينهم. 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

في العاشر من الشهر ذاته، قام قسم البحث الجنائي في مديرية أمن بنغازي، بالقبض على شخص قتل شقيقه حرقاً في داخل منزله، في وقت كانت السلطات الأمنية على وشك تقييد القضية ضد مجهول، معتبرة أن الضحية توفي بسبب الاختناق خلال حريق، في حين كشف البحث الجنائي أن القاتل هدد شقيقه بسلاح ناري، ثم اعترف أنه سكب البنزين عبر نافذة في المنزل، وأشعل النار، ليلقى شقيقه حتفه محترقاً. 
وتزامنا مع تلك الجرائم، سجلت عدد من مناطق ومدن ليبيا، جرائم قتل بأسلحة، من بينها قيام شاب بإلقاء قنبلة يدوية داخل منزل والديه في مدينة بنغازي، ما أدى إلى إصابة والده، فيما نقلت الأم إلى المستشفى، ولا يزال مصيرها مجهولاً حتى الآن بسبب إصاباتها البليغة. 
وبين مركز شرطة بنغازي، بعد إلقاء القبض على الشاب بتهمة محاولة قتل والديه، أن من بين أسباب الجريمة تعاطي الجاني للمواد المخدرة وحبوب الهلوسة، وأنه ضبطت معه أقراص مخدرة أثناء القبض عليه. 
وفي ذات الفترة، اعتقلت فرق جهاز الأمن الداخلي في طرابلس، ثلاثة يحملون الجنسية المصرية ومواطنا ليبيا، بتهمة قتل مواطن بسبب خلافات مالية، وحاول الجناة الفرار قبل أن تقبض عليهم الفرق الأمنية. 
تكرار جرائم القتل باستخدام الأسلحة النارية استدعى إصدار منظمات حقوقية أهلية بيانات دقت فيها ناقوس الخطر، وطالبت بضرورة ضبط الوضع الأمني، وحملت الجهات الأمنية مسؤولية الانفلات الأمني القائم، وأكدت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، في بيان، الأربعاء الأول من يونيو/ حزيران، أن عدد من قتلوا خارج نطاق القانون في عموم ليبيا بلغ 173 شخصاً خلال الفترة من بداية العام الجاري وحتى نهاية شهر مايو. 
وأوضحت اللجنة في البيان، أن أسباب ودوافع حوادث القتل تنوعت بين دوافع إجرامية، وأعمال انتقامية، والقتل بدافع السرقة، فضلاً عن جرائم التصفية الجسدية والاغتيالات، إضافة إلى ضحايا النزاعات المسلحة، وضحايا الألغام ومخلفات الحرب. 
وحذرت اللجنة الحقوقية من تصاعد مؤشرات الجريمة المنظمة، واعتبرتها مؤشراً خطيراً ناتجاً عن استمرار الانفلات الأمني، وتخلف سلطات إنفاذ القانون عن ضبط الأمن وحماية أرواح وممتلكات المواطنين، بالتزامن مع تنامي ظاهرة الإفلات من العقاب. 

تكثيف التواجد الأمني يكافح الجرائم في ليبيا (محمود تركية/فرانس برس)
تكثيف التواجد الأمني يكافح الجرائم في ليبيا (محمود تركية/فرانس برس)

وطالب البيان وزارة الداخلية بالعمل على ضمان تحقيق الأمن، ومكافحة انتشار الجريمة، وملاحقة الجناة، كما طالبت مكتب النائب العام بإلزام سلطات إنفاذ القانون بفرض الأمن، وتنفيذ أوامر ضبط الجناة لتقديمهم إلى العدالة من أجل ضمان إنهاء حالة الإفلات من العقاب، وضمان حقوق الضحايا والمتضررين، وتعزيز سيادة القانون. 
كما دعت اللجنة جميع الجهات ذات الاختصاص إلى العمل على إجراء دراسات وأبحاث اجتماعية وأمنية واقتصادية بغرض تحديد أسباب ودوافع تصاعد جرائم القتل، والإسهام في إيجاد الحلول والمعالجات الشاملة لهذه الجريمة التي تُمثل خطراً كبيراً على أمن وسلامة المواطنين والمقيمين. 
بدوره، أكد أستاذ علم الاجتماع، عبد العزيز الأوجلي، أن انتشار الجريمة له علاقة مباشرة بعدم قدرة الدولة على احتكار حيازة السلاح في مؤسساتها الشرطية والعسكرية، وبالتالي انتشاره في أيدي الناس، إضافة إلى الضعف الشديد والقصور الذي تعاني منه المؤسسات الأمنية وأجهزة الضبطية القضائية في عمليات فرض الأمن، وملاحقة المجرمين. 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

واستنكر الأوجلي، خلال حديث مع "العربي الجديد"، تكرار تقييد مراكز الشرطة للجرائم ضد مجهول، وقال إن "ذلك وحده كاف لتشجيع الآخرين على ارتكاب الجرائم ما دامت الشرطة مستعدة لتسجيلها ضد مجهولين، فالجرائم تتحول إلى ظاهرة إذا  تم تجاهل معاقبة مرتكبيها، وقد يصبح الأمر سلوكاً مع تعود الأفراد، وخصوصاً الشباب، على اقتراف الجرائم، ومع انتفاء الرادع الجنائي يختفي الرادع الأخلاقي، وحين حدوث ذلك يصعب السيطرة على المجتمع، كما قد يعتاد أفراده سماع أخبار الجرائم، وعندها لا تتمكن الدولة من تطوير رادع مجتمعي يتعامل مع المجرم باعتباره خارجا عن النظام".
وعبر الأكاديمي الليبي عن خشيته من اقتراب الأوضاع في البلاد من مستوى الجريمة المنظمة، مؤكداً أنه "إذا استمر تفشي السلاح في أيدي الناس، وتواصل عجز الدولة عن احتكاره، وعدم قدرتها على ضبط الجناة، فإنننا سنكون أمام كارثة حقيقية".

المساهمون