خبز الدمشقيين في طابور "الذل والقهر"

13 سبتمبر 2021
طابور طويل أمام فرن (علا محمد/ الأناضول)
+ الخط -

تشهد أفران العاصمة السورية دمشق ازدحاماً شديداً، إذ يتجمع الدمشقيون أمام أبوابها لمحاولة الحصول على مخصصاتهم من الخبز الذي ألحقه النظام السوري بمواد تخضع لسياسة التقنين، في وقت يشكل اليوم مادة غذائية أساسية للغالبية الساحقة من السكان في وجباتهم. وقد تضاعف سعر الخبز مرات في السوق السوداء، ما يجعل كُثر يشعرون بـ"ذل وقهر" لدى وقوفهم في صفوف طويلة لنيل مخصصاتهم.  

يسيطر مشهد الفوضى الشديدة أمام الأفران، إذ يتزاحم عشرات من الرجال والأطفال والنساء للوصول إلى نافذة البيع، حاملين في أيديهم بطاقات إلكترونية يفترض أنها ذكية يستخدمونها في الحصول على مخصصاتهم من خبز ورز وسكر وغاز، ووقود ديزل للتدفئة وبنزين لمن يملك سيارة. 

وفي الصف الطويل أمام الفرن، يحتاج المرء إلى كل قوته البدنية للحفاظ على مكانه وبلوغ النافذة المخصصة للبيع، وإلا سيجد نفسه خارج التجمع، علماً أنّ الحال لا تختلف في المكان المخصص للنساء. أما الأطفال الذين يتوزعون في الجانبين فيجب أن يتحملوا خشونة الأشخاص الأكبر منهم سناً وبعض عبارات التنمّر من وجودهم، إلى جانب العنف الذي يطاولهم أحياناً، إضافة إلى السباب والشتائم، في حين قد يطول الانتظار ويستغرق ساعات.  

قضايا وناس
التحديثات الحية

يقول أبو فارس ل. (55 عاماً)، وهو ربّ أسرة من 4 أفراد، لـ"العربي الجديد": "يجبرنا البرنامج الجديد لتوزيع الخبز على الذهاب إلى الفرن يومياً من أجل الحصول على المخصصات. ويحق لي شخصياً شراء 10 ربطات أسبوعياً بمعدل ربطتين يومياً باستثناء يومي الأحد والثلاثاء، حين أحصل على ربطة واحدة. وبغض النظر إذا كانت الكمية المخصصة تكفي أسرتي أم لا، الأكيد أنّ هناك إذلالاً مقصوداً من الحكومة للمواطنين حتى في حصولهم على رغيف خبز". يضيف: "الازدحام دائم على الأفران ويبدو جلياً أنه حين تقل الأموال لدى الناس يتنازلون عن أخلاقهم، وتزول القوانين الخاصة بحصولهم على احتياجاتهم، علماً أن كمية الخبز المتوافر في منزلنا غير كافية أبداً، فنحن نأكل 7 أرغفة تتضمنها ربطة في الوجبة الواحدة، أي أنّ الربطتين تكفيان لوجبتين، ولا يبقى لدينا خبز لوجبة العشاء. وإذا جاءنا ضيف عند إحدى وجبات الطعام، فلن يبقى شيء، علماً أنّ حصتنا تقتصر على ربطة واحدة مرتين أسبوعياً، ما يعني أن لدينا كمية خبز لوجبة واحدة فقط في هذين اليومين".  

من جهته، يقول محمد خ. (46 عاماً)، وهو موظف ورب أسرة من 3 أشخاص، لـ"العربي الجديد": "نظام توزيع الخبز سيئ بكل المقاييس. عدد الأفران وأكشاك ومعتمدي بيع الخبز غير كافٍ، ما يجعلنا نعاني من ازدحام دائم في أي وقت، ومن الملاحظ أيضاً أن البنية التحتية لاستخدام البطاقة الإلكترونية غير متوفرة، إذ تتوقف شبكة الربط بقاعدة البيانات أحياناً أو تكون مفصولة عن الخدمة، ولا تستجيب للطلبات، ما يمنع الناس من الحصول على الخبز، فيبادلهم البائع بالقول اذهبوا وقدموا شكوى، في حين أنّهم لا يعلمون أصلاً إلى من يشتكون". ويتابع: "من المشكلات أيضاً عدم تنظيم دور طوابير المواطنين أمام الأفران. وحتى عندما تتولى جهة هذه المهمة يتحيز أفرادها لأشخاص محددين ويسهلون الأمور بالنسبة إلى تجار الخبز، في مقابل تعمدهم الإساءة للناس وإهانتهم".  

حصص الخبز لا تكفي لوجبتي طعام (دليل سليمان/ فرانس برس)
حصص الخبز لا تكفي لوجبتي طعام (فرانس برس)

وتقول أم شاكر ر. (34 عاماً) وهي ربة أسرة مكونة من 4 أشخاص، لـ"العربي الجديد": "المسؤولون في بلدنا لا يرون ولا يسمعون ولا يشعرون. ليأتِ واحد منهم إلى فرن وينتظر نحو ساعتين ليحصل على ربطة خبز نعتبرها المادة الأساسية للشعور بالشبع، ويتذوق اللقمة المغمّسة بالذل والقهر. هم لا يحتاجون بالطبع إلى خبز مدعوم، لأنّهم يستطيعون شراء الخبز السياحي، وتضم موائدهم كل أنواع اللحوم والفواكه والحلويات". تضيف: "لا نملك قدرة شراء ربطة خبز سياحي بـ1500 ليرة (0.44 دولار) أو ألفي ليرة (0.6 دولار)، أو الصمون بـ 2200 ليرة (0.64 دولار)، في حين أن سعرها الرسمي 200 ليرة (0.06 دولار)".

ومنتصف أغسطس/ آب الماضي، حددت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التابعة للنظام عدد ربطات الخبز للأسر بحسب عدد أفرادها خلال أيام الأسبوع، باستثناء يوم عطلة الأفران الجمعة، وطبقت آلية جديدة لبيع مادة الخبز عبر بطاقة إلكترونية تلحظ منح الشخص الواحد حق شراء أربع ربطات خبز أسبوعياً، والأسرة المؤلفة من شخصين 6 ربطات أسبوعياً، وتلك المؤلفة من ثلاثة أشخاص 7 ربطات أسبوعياً.

قضايا وناس
التحديثات الحية

كما سمحت للعائلة المؤلفة من أربعة أشخاص بشراء 10 ربطات خبز أسبوعياً، وتلك المؤلفة من خمسة أشخاص بشراء 12 ربطة أسبوعياً، ومن ستة أشخاص (14 ربطة أسبوعياً)، ومن سبعة وثمانية أشخاص (18 ربطة أسبوعياً)، ومن 9 و10 و11 فرداً (24 ربطة أسبوعياً)، و12 و13 فرداً (30 ربطة أسبوعياً)، و14 فرداً (36 ربطة أسبوعياً).

المساهمون