لا تحظى الفتيات في الصومال بفرص كبيرة في الحصول على تعليم مقارنة بأقرانهن الذكور. ولا يتجاوز التحاقهن بالمدارس نسبة 20 في المائة، نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهنها، إذ تكبل الأعراف التقليدية انضمامهن إلى التعليم، في ظل اعتقاد شرائح مختلفة في المجتمع خاصة البدو، بأن مكان المرأة ينحصر في المنزل للاعتناء بشؤونه، والاضطلاع بدورالزوجة وتربية الأولاد.
ويعد الزواج القسري أو المبكر لفتيات كثيرات عقبة رئيسية للتسرّب من الدراسة، فهن لا يستطعن مواصلة التعليم جنباً إلى جنب مع الحياة الزوجية، وينتهي الأمر بكثيرات منهن بترك مقاعد الدراسة، بسبب عدم رغبة أزواجهن في السماح بمواصلتهن التعليم، أو بسبب مضاعفات الحمل، أو تدخل أهل الزوجة أو أسرة زوجها من أجل منعها من مواصلة الجلوس على مقاعد الدراسة مع الاعتناء بالأطفال في الوقت ذاته، ما يحرمها من أبسط حقوقها التعليمية.
تسرّب وعودة ناجحة
تسرّبت هني عمر من الدراسة بعد زواجها المبكر في سن الـ14، ومكثت في منزل أسرة زوجها الذي يكبرها بثلاثة أعوام فقط، لكن زواجها لم يدم طويلاً، وانتهى بالطلاق بعد نحو عامين شهدا خلافات زوجية وإنجابها فتاة، قبل أن تعود إلى منزل عائلتها.
ودفع إصرار هني وحبها للتعلم إلى العودة إلى الدراسة، بعدما تلقت دعوات من إدارة المدرسة، وتشجيعاً من رفيقاتها في الدراسة. وأصبحت اليوم بطلة في مدرستها، ونجحت في اجتياز اختبار العام الدراسي الأخير جنباً إلى جنب مع زميلاتها في الدراسة اللواتي أبدين سعادتهن بعودتها إلى الفصل بعد عامين من الانقطاع عن الدراسة.
تقول هني بعبارات ممزوجة بالمرح والسعادة لـ "العربي الجديد": "كنت بين طالبات المدرسة قبل عامين، لكنني تزوجت، ولم أستطع مواصلة التعليم. أشعر بأنني ولدت مجدداً اليوم، وعدت إلى المدرسة التي كنت أنتمي إليها، بعدما حصلت على تشجيع من أمي ورفيقاتي للعودة إلى المدرسة، ومواصلة التعليم".
وتضيف: "شاركت بعد عودتي في امتحان نهاية الفصل الدراسي، واجتزته بنجاح، ولدي أمل كبير في مواصلة التعلم من دون أن أواجه مشاكل اجتماعية أخرى تؤثر سلباً في دراستي، وسأحرص على تحقيق أهدافي في التعلم، وألا تحبطني المشاكل مرة أخرى".
وتوضح أن ظهورها في الإعلام أكثر من مرة، وتحدثها بجرأة عن المشاكل الاجتماعية التي تعرضت لها بسبب زواجها المبكر، وكذلك عن عودتها إلى المدرسة بعد طلاقها، جعلاها تدفع ثمناً باهظاً على صعيد انتقال حضانة ابنتها إلى أسرة زوجها، بحجة عدم قدرتها على رعاية طفلتها بسبب غيابها عنها ساعات للدراسة.
مدرسة بونظيري
تعد مدرسة بونظيري للفتيات الوحيدة في العاصمة مقديشو التي تستقبل الطالبات اليتيمات اللواتي لا تقدر أسرهن على دفع تكاليف تعليمن التي تتراوح بين 15 و50 دولاراً، في حين لا اهتمام حكوميا بالقطاع التعليمي وبتوفير مدارس مجانية. وفي حال توفرت هذه المدارس فعددها قليل وتعتبر شبه مجانية.
وتضم مدرسة بونظيري التي تقع شمالي مقديشو 1300 طالبة، وتضم قسماً لرعاية اليتيمات، وتخصص فصولاً دراسية للفتيات اللواتي يأتين من خارج المدرسة ومحيطها، وتتميز عن غيرها من المدارس في مقديشو بأنها مجانية بالكامل، وتهتم بدمج الفتيات اللواتي تسرّبن من الدراسة، وإقناعهن بالعودة إلى التعليم. كما تنظم إدارتها دورات منتظمة لأسر الفتيات لتشجيعهن على مواصلة التعليم، وعدم الاستسلام للتحديات الاجتماعية التي تؤثر سلباً على حياة المرأة في الصومال عموماً.
وتقول مديرة المدرسة نورتة محمود عدو التي تعمل في القطاع التعليمي منذ أكثر من 30 عاماً لـ"العربي الجديد": "المدرسة مخصصة لتعليم الفتيات، وافتتحت عام 2012 في ظل ظروف أمنية ومعيشية صعبة لسكان العاصمة مقديشو. واستقبلت في البداية فوجاً من 60 طالبة، أما اليوم فتوفر التعليم لأكثر من ألف طالبة في مواد مختلفة وبلغات متعددة بينها التركية، إلى جانب علوم أخرى متنوعة.
وحول أسباب تسرّب الفتيات من المدارس في مقديشو، تذكر نورتة أن "بعض الأسر الفقيرة تستعين بفتياتها في تنفيذ الأعمال المنزلية من تنظيف وطهي للطعام، وقد تلعب الفتيات دور الأم في بعض الأحيان، وتذهب إلى الخارج للبحث عن طعام لأطفالها. أيضاً تجهل بعض الأمهات أهمية تعليم الفتيات، ولا يدركن أن تعليمهن قد ينقذهن من الضياع في المستقبل، ويعزز دورهن المستقبلي أيضاً في رعاية الأولاد والاهتمام بهم".
بين الواقع والخيال
وتوضح أن بعض الفتيات غررن بالزواج المبكر بعد بلوغهن سن الـ15، حين لم يملكن ثقافة التمييز بين الواقع والخيال، واعتقدن بالتالي أن الزواج وسيلة لإنهاء معاناتهن من الضغوط العائلية نتيجة الفقر في منازل أسرهن، لكن تعرضن لنكسات جديدة بعد الزواج، وانتهت حياتهن الزوجية بالفشل، فاضطررن إلى إعادة دمجهن في التعليم، رغم أن البنات المطلقات يمثلن عبئاً على عائلاتهن الفقيرة، التي لا تستطيع رعاية الأبناء والأحفاد في منزل واحد.
وتشير نورتة إلى أن مدرسة بونظيري تحرص على متابعة أوضاع الفتيات اللواتي تركن مقاعد الدراسة خاصة أولئك اللواتي تزوجن حديثاً، و"نحن سعداء جداً بعودة بعض المطلقات إلى المدرسة، وإنهائهن مرحلة الثانوية العامة".
وفي العام الدراسي الأخير، اجتازت 17 طالبة امتحانات الفصل الأخير في الثانوية العامة، وحققن نجاحاً كبيراً، لكن فرص حصولهن على تعليم جامعي مجاني يظل حلماً يراود كثيرات منهن، بسبب ارتفاع تكاليف التعليم في الصومال التي تناهز نحو ألف دولار سنوياً في تخصصات الآداب والعلوم الإدارية، أما تكاليف التخصصات العلمية خاصة الطب فتناهز ألفي دولار.
وتقول زهرة حيري التي اجتازت امتحان الثانوية العامة، وحققت المرتبة الأولى في مدرستها لـ "العربي الجديد: "انضممت إلى المدرسة عندما كنت في السادسة من العمر، واستفدت من التعليم المجاني الذي وفرته لنا هذه المدرسة، وأنهيت التعليم الأساسي بنجاح اليوم، وآمل في استكمال التعليم الجامعي والعالي من دون مشاكل وعقبات تمنع تحقيقي حلم مواصلة التعليم".
وتوضح زهرة أنها تريد أن تلتحق بجامعة "سيمد" الخاصة التي تدعمها جمعية العون المباشر الكويتية، وأن تتخصص في علوم الإدارة العامة، لكنها لا تتوفر لديها إمكانات مادية، وتنتظر الفرج القريب في الحصول على منحة تعليمية مع زميلات آخريات في المدرسة للالتحاق بالجامعة، ومواصلة مشوراهن في التعلم.
في قالب آخر
وحول الأسباب الاجتماعية التي تضع النساء في الصومال في مكانة متدنية على صعيد التعلم، وتزايد انتشار الأمية في صفوفهن بنسبة 75 في المائة، تقول الباحثة والناشطة الاجتماعية أرقسن إسماعيل لـ "العربي الجديد": "توضع حياة الفتاة التي تولد في الصومال في قالب آخر، لذا لا يمكن أن تقارن بالذكور، وهذا أمر يرتبط بالأعراف والتقاليد، ولا ينبع من المعتقدات الدينية لأفراد المجتمع. ويُنظر إلى الفتاة كونها مجرد خادمة في بيت أمها، ما يجعل الأسر تضحي بهن لتعليم الذكور فقط. كما أن موارد التعليم قليلة في البلاد بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة السائدة، ما يعرقل إيجاد مدارس تتمتع بكفاءات عالية وتستوعب عدداً كبيراً من الطلاب، ما يحتم إعطاء الذكور فرصاً أكبر من الإناث". تضيف: "الوضع الاقتصادي والأعراف والتقاليد أبرز المشاكل التي تعيق التحاق الإناث بالمدارس".
تعليم الفتاة مجرد مثل صومالي
وحول إمكان تحقيق الفتيات المتعلمات إنجازات في قطاع التعليم العالي في الصومال رغم التحديات الاجتماعية والاقتصادية الكثيرة، تقول أرقسن: "لا بدّ أولاً من تعزيز الوعي لدى الأسر الصومالية بأهمية تعليم الفتيات، وهو ما يحتاج إلى سنوات لبلوغه، تمهيداً لتكريس مبدأ تكافؤ الفرص بين الإناث والذكور في بلدنا، علماً أن الأجدى أن يدور النقاش حول جودة التعليم بالنسبة إلى الإناث والذكور، وليس أن ينحصر في كيفية تعليم المرأة في مجتمع محاط بالأعراف والتقاليد".
تضيف: "أعتقد بأن تعليم المرأة أهم من الرجل في الصومال، لأنها كانت أكثر حضوراً في مواجهة كل التحديات التي شهدها الصومال في العقود الثلاثة الأخيرة، رغم ثقلها وصعوبة تحمل المشقات، علماً أن المثل الصومالي يقول إن تعليم فتاة بمنزلة تعليم أمة".
وتفيد إحصاءات غير رسمية بأن الصومال يضم نحو ألفي مدرسة أساسية وثانوية، ونصف مليون تلميذ وطالب و16 ألف مدرس. وتقدر نسبة غير الأميين بـ37.8 في المائة فقط بينهم 50 في المائة من الرجال و25 في المائة من النساء، في حين تبلغ نسبة التسرّب من التعليم نحو 40 في المائة. وتكشف أيضاً أن نحو 50 في المائة من الأطفال في سن التعليم الأساسي محرومون من حقوقهم في التعليم المدرسي في الصومال، مع وجود تفاوت في النسب بين الذكور والإناث، كما أن نسبة الإناث الملتحقات بالتعليم أقل بكثير من الذكور.