هناك هوة متزايدة بين الاحتياجات الإنسانية التي تسبب كورونا في تفاقمها، وبين التمويل المتاح من الدول المانحة، وهو ما تحذر الأمم المتحدة منه في سعيها لدعم عشرات الملايين من الأشخاص حول العالم
بعد أشهر من انتشاره، يهدد وباء كورونا العالمي بالقضاء على التقدم الذي حققته الدول في جميع القارات خلال العقود الأربعة الأخيرة على صعيد محاربة الفقر، وفي مجالات التعليم والصحة والمساواة بين الجنسين وغيرها من الإنجازات، التي مرّت في مسارات طويلة وصعبة في كثير من الأحيان، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه. وبخروج قطار الإنجازات عن مساره، تحذر الأمم المتحدة من التبعات السلبية لانتشار الفيروس، على الصعد الاجتماعية والاقتصادية، وآثاره الكارثية المحتملة على أجيال مقبلة، إن لم تتحد الدول لاتخاذ الخطوات اللازمة لدعم شرائح المجتمع الأضعف، والدول الفقيرة والنامية. وتحتاج الأمم المتحدة، بحسب خطة الاستجابة الإنسانية التي أعلنت عنها في تقرير صدر اليوم الثلاثاء، إلى قرابة 35 مليار دولار أميركي لتقديم المساعدات الملحة لنحو 160 مليون شخص حول العالم، خلال العام المقبل 2021.
في هذا الإطار، قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، مارك لوكوك، منسق الشؤون الإنسانية في حالات الطوارئ، إنّه أصبح واضحاً أنّ الضرر الأكبر على البشرية هو من التبعات الاقتصادية والاجتماعية للإغلاق والركود الاقتصادي العالمي الذي تلاه. مما أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء وانخفاض الدخل وانخفاض التحويلات وانقطاع برامج التطعيم وإغلاق المدارس وغيرها. وتوقع لوكوك في تقديمه للتقرير الصادر اليوم والذي حصلت مراسلة "العربي الجديد" في نيويورك على نسخة مسبقة منه، أن يزداد الفقر المدقع لأول مرة منذ التسعينيات، كما توقع أن ينخفض متوسط معدل العمر، وتوقع أن تتضاعف حصيلة الوفيات السنوية الناجمة عن الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسب (أيدز) والسلّ والملاريا. وعبر عن مخاوفه من أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين يواجهون المجاعة حول العالم. وفي مجال التعليم، أشار إلى مخاوفه من عدم عودة كثير من الفتيات إلى المدارس في الوقت الذي أثر فيه إغلاق المدارس على 91 في المائة من التلاميذ حول العالم. تابع لوكوك أنّه يمكن تفادي الكثير إذا ما قررت الدول الغنية مدّ يد العون للدول الفقيرة وإذا ما تعاونت جميع الدول. وحذر المسؤول الأممي من أن يدير العالم والدول الغنية ظهرها للمحتاجين، لافتاً إلى أنّ من مصلحتها معاونة الدول الفقيرة، لأنّ التحديات والمشاكل المحلية إن تفاقمت ستمتد لتصبح مشاكل دولية.
وعلى الرغم من زيادة الدول المانحة من حجم مساعداتها فالتوقعات، بحسب التقرير، حول التمويل لكلّ تلك الاحتياجات تظل قاتمة بسبب اتساع الهوة بين الاحتياجات المتزايدة باستمرار وبين التمويل المتاح. وتقدر الأمم المتحدة أن الاستجابة الدولية لا تتناسب مع حجم الأزمة. وتؤكد الأمم المتحدة أنّها ستحتاج العام المقبل إلى قرابة 35 مليار دولار أميركي من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية لـ 160 مليون شخص، في حين يصل إجمالي عدد الذين يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية حول العالم إلى قرابة 235 مليون شخص. ويلفت التقرير الانتباه إلى عدد من العوامل التي فاقمت الأزمة الإنسانية حول العالم وعلى رأسها جائحة كورونا وتبعاتها. إذ تسببت الجائحة في أكبر ركود اقتصادي عالمي منذ ثلاثينيات القرن الماضي، كما ارتفعت نسبة الفقر المدقع لأول مرة منذ 22 عاماً، ناهيك عن زيادة معدلات البطالة بشكل واسع. أما أكبر المتضررين فهم النساء والشباب الذي يعملون في القطاع غير الرسمي.
ويرصد التقرير زيادة حدة النزاعات السياسية كأحد أسباب تفاقم الأزمة والاحتياجات الإنسانية حول العالم، ويشير إلى أنّها تؤثر على الأطفال بشكل غير متناسب، كما تعرّض النساء والفتيات بشكل متزايد إلى العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات. ويرصد في هذا السياق كذلك استمرار استهداف العاملين في المجال الإنساني والإغاثة والصحة. أما في ما يخص مخلفات المتفجرات في المناطق المأهولة، فيشير التقرير إلى أنّه وللسنة التاسعة على التوالي، فإنّ تسعين في المائة من ضحاياها هم من المدنيين. كذلك، شهد العقد الأخير أكبر موجات تهجير داخلي بسبب النزاعات والعنف ليصل عدد النازحين داخلياً إلى 51 مليون إنسان حالياً. أما اللاجئون خارج الحدود فتضاعفت أعدادهم لتقدر بنحو 20 مليوناً حول العالم.
وبين أزمة كورونا وتبعاتها وزيادة حدة الصراعات، فإنّ عدد الذين يعانون من الجوع حول العالم في تزايد، إذ يعاني حالياً 77 مليون شخص في 22 دولة من الجوع الحاد. ويتوقع التقرير أن يصل عدد الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى 270 مليون شخص بحلول نهاية العام الجاري. ويلفت التقرير إلى أنّ تبعات الوباء وتغير المناخ تؤثر بشكل خطير على النظم الغذائية في جميع أنحاء العالم. وقد ارتفعت متطلبات التمويل للأمن الغذائي في النداءات الإنسانية من 5 مليارات دولار عام 2015 لتصل إلى 9 مليارات دولار في عام 2020. وفي ما يخص التغير المناخي، يسجل التقرير أنّ السنوات العشر الأخيرة كانت الأكثر سخونة على الإطلاق. ويتوقع أن يزيد عدد الحوادث والكوارث المناخية، كما ستؤثر التغيرات المناخية في درجات حرارة البحر وأنماط هطول الأمطار ونشاط الأعاصير.
ويحذر التقرير من تزايد حالات تفشي الأمراض وعرقلة تقديم الخدمات الصحية الأساسية في كلّ البلدان تقريباً. ويواجه أكثر من 5 ملايين طفل دون سن الخامسة أخطار الكوليرا والإسهال المائي الحاد. وفاقمت جائحة كورونا من معاناة شرائح المجتمع المهمشة بما فيها النساء والأشخاص ذوو الإعاقة وكبار السن، كما أنّ هناك قرابة 24 مليون طفل ومراهق وشاب معرضون لخطر عدم العودة لمقاعد الدراسة في العالم الحالي، بمن فيهم 11 مليون فتاة وشابة.
ويقف التقرير عند الهوة في عدم المساواة بين الجنسين وتعرض النساء والفتيات إلى العنف، ويرى أنّ انتشار الجائحة كشف كلّ ذلك أكثر من ذي قبل، كما أدت إجراءات العزل المنزلي والإغلاق إلى تفاقم العنف الأسري، ويتوقع التقرير أن تسجل 15 مليون حالة عنف جديدة حول العالم كلّ ثلاثة أشهر من الإغلاق.
في المقابل، يلفت التقرير إلى الفرص القائمة وإمكانات تحسين العمل الإنساني عن طريق الانتشار الأوسع للإنترنت والتقنيات المبتكرة الجديدة. ويعطي مثالاً على استخدام الذكاء الاصطناعي أثناء الجائحة لرسم خرائط تفشي المرض كما إيصال طائرات من دون طيار لإمدادات طبية وعينات اختبار، كما تدعم الطابعات ثلاثية الأبعاد إنتاج أقنعة الوجه وأجهزة التنفس الاصطناعي.
وتمكنت الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة من تقديم المساعدات الإنسانية لقرابة 95 مليون شخص حول العالم في أكثر من خمسين بلداً، منها دول عربية كاليمن وفلسطين المحتلة وسورية وليبيا والسودان والعراق. ويرصد التقرير عدداً من تلك الخدمات، من بينها على سبيل المثال تلقي أكثر من 10 ملايين امرأة وشابة رعاية وخدمات الصحة الجنسية والإنجابية المنقذة للحياة كما التصدي للعنف، ناهيك عن تقديم المساعدات وخدمات التوليد في حالات الطوارئ في أكثر من 2400 مرفق صحي في 52 بلداً، كما تطعيم أكثر من أربعة ملايين طفل ضد الحصبة وأكثر من ستة ملايين طفل ضد شلل الأطفال حول العالم. كذلك، وزعت الأمم المتحدة أكثر من 8.5 ملايين جرعة من لقاح الكوليرا في سبعة بلدان، ناهيك عن تطعيم أكثر من 49 مليون شخص ضد الحمى الصفراء في ستة بلدان أفريقية (إثيوبيا وغانا ونيجيريا وجنوب السودان والسودان وأوغندا). وتمكنت، بحسب التقرير، خلال العام الجاري، من علاج 2.5 مليون طفل من سوء التغذية الحاد الوخيم، كما تلقى أكثر من 96 مليون شخص حول العالم مساعدات غذائية في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، بالإضافة إلى حصول أكثر من 14 مليون شخص على مياه صالحة للشرب والطبخ والنظافة الشخصية.
ويؤكد التقرير على الحاجة الملحة لدعم خطة العمل الإنساني للعام المقبل للوصول لقرابة 160 مليون شخص من أصل 235 مليون شخص حول العالم يقدر أنّهم يحتاجون إلى مساعدات إنسانية وحماية. وبحسب تلك الإحصائيات، فإنّ واحداً من كلّ 33 شخصاً حول العالم يحتاج إلى مساعدة إنسانية حالياً، وهي زيادة كبيرة مقارنة بالعام الماضي حين كان واحد من بين كلّ 45 شخصاً حول العالم بحاجة لتلك المساعدة.