خطر نووي بعد استهداف محطات طاقة أوكرانية

06 مارس 2022
يجب وقف مخاطر الحرب في أوكرانيا (ديميتار ديلكوف/ فرانس برس)
+ الخط -

فيما دخلت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أسبوعها الثاني، تزداد مخاوف الأطراف الإقليمية والدولية من وقوع كارثة نووية مع احتدام المعارك في محيط المحطات النووية الأوكرانية، واندلاع حريق هائل في مبنى إداري بمحطة زاباروجيا النووية ليل أول من أمس الجمعة.  
وكانت جمهورية أوكرانيا السوفييتية شهدت عام 1986 أسوأ كارثة نووية عرفها العالم، حين أحدث انفجار في أحد مفاعلات محطة تشيرنوبل تلوثاً إشعاعياً فاقت قوته مئات أضعاف الهجوم النووي الذي شنته الولايات المتحدة على مدينتَي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في أغسطس/ آب 1945. ولم تنحصر آثار كارثة تشيرنوبيل في المناطق القريبة من الحدود بين أوكرانيا وبيلاروسيا التي باتت غير صالحة للعيش، إذ نقلت الرياح حينها التلوث الإشعاعي إلى غرب أوروبا.
ومع بداية الاجتياح الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، عادت محطة تشيرنوبل إلى الواجهة بعد إعلان وزارة الدفاع الروسية بسط سيطرتها عليها، قبل أن تقع محطة زاباروجيا بدورها في قلب المعارك.

يدعو نائب رئيس المجلس التنسيقي لاتحاد "تشيرنوبل" في موسكو (اتحاد يضم ضحايا الحادثة) فياتشيسلاف تولسكيخ، في حديثه لـ"العربي الجديد"، باسم من عملوا على إزالة تداعيات كارثة تشيرنوبل، طرفي النزاع إلى منع أعمال القتال في محيط المحطات النووية الأوكرانية، والتفكير في أجيال المستقبل. ويقول: "أناشد كل أطراف النزاع العسكري منع الأعمال العسكرية في محيط المحطات النووية الأوكرانية. نتصور الخطر الناتج عن تدمير المحطات، والثمن الذي ستدفعه البشرية مقابل هذا التدمير. إذا كان الاتحاد السوفييتي السابق تمكن من إزالة تداعيات حادث محطة تشيرنوبل النووية عبر الجهود الجماعية التي بذلها حينها، فلا يمكن تكرار هذا الأمر إذا حصلت كارثة جديدة، لذا ندعو إلى عدم الإقدام على أي أعمال من شأنها تدمير المحطات النووية، فهي لن تلحق أضراراً بالقوات المسلحة لدى الطرفين المتناحرين، بل بالمدنيين في روسيا وأوكرانيا والدول المجاورة". 
واستمرت أعمال التخلص من آثار حادثة تشرنوبيل عدة سنوات، وشارك فيها نحو 800 ألف شخص جنّبوا القارة كارثة بيئية أكبر. وكان أبرزها عزل المفاعل عن طريق بناء غطاء مؤلف من نحو 400 ألف متر مكعب من الخرسانة وأكثر من سبعة آلاف طن من الحديد.

تستهدف آلة التدمير الروسية في المنازل والمنشآت (آريس ميسينيس/ فرانس برس)
تستهدف آلة التدمير الروسية المنازل والمنشآت (آريس ميسينيس/ فرانس برس)

عوامل خطرة
ويلفت تولسكيخ إلى مجموعة عوامل خطرة تتعلق بأعمال القتال في محيط محطتي تشيرنوبل وزاباروجيا، ويقول: "رغم أن محطة تشيرنوبل معطلة حالياً، لكنها مصدر خطر يشبه قنبلة قذرة، لأنها تحتوي على عناصر طويلة العمر مثل كاليوم 40 وبلوتونيوم 239. نعلم أن استنشاق بخار البلوتونيوم يؤدي إلى الإصابة بالسرطان، وأن دخول عدة ملليغرامات منه إلى جسم الإنسان يتسبب في وفاته. وفي حال دمرت محطة تشيرنوبل، فستنقل الرياح الغبار الإشعاعي إلى أوروبا، وستصبح دول كثيرة فيها غير صالحة للعيش". 
وفي ما يتعلق بمحطة زاباروجيا، يلفت إلى أنها "ليست فقط أكبر وأقوى محطة نووية في أوروبا، بل أيضاً أكثرها تهالكاً، علماً أنها تضم ست وحدات ومستودعاً للنفايات النووية". 
لكنّ تولسكيخ يستبعد إمكان حصول أعمال قتالية داخل حرم المحطات النووية، باعتبار أن "لا معنى استراتيجياً لها، كما أنني مقتنع بأن الجميع يدركون مخاطر تدمير الغطاء العازل لتشيرنوبل ووحدات المحطات النووية، وبالتالي، أرجح أن يتحلى مقاتلو الطرفين بعقلانية كافية لعدم تعريض السكان المدنيين في أوكرانيا وروسيا وجميع شعوب أوروبا لخطر، كما أنّهم يعلمون أن تدمير المحطات النووية سيجعل عائلاتهم وأقرباءهم وأصدقاءهم في خطر. وفي كل الأحوال، قد ينتهي القتال قريباً، بينما لن يتسنى تدارك التلوث الإشعاعي المحتمل للأرض الأوكرانية بسرعة، لذا أناشد الجميع النظر إلى المستقبل وترك المحطات النووية في حالها الراهنة، مع استمرار الأطقم الأوكرانية في تشغيلها وتولي العسكريين الروس تأمينها".  

لن يستطيع أحد الاحتماء من قصف المنشآت النووية (آريس ميسينيس/ فرانس برس)
لن يستطيع أحد الاحتماء في حال قصف المنشآت النووية (آريس ميسينيس/ فرانس برس)

محطات "مؤمنة"
أما الباحث الأكاديمي الأوكراني إيغور سيميفولوس فلا يرى بديلاً من الاستعانة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية لتأمين المحطات النووية الأوكرانية، بالتعاون مع الجهات الأوكرانية المختصة، أو إقامة منطقة حظر طيران فوقها. ويقول لـ"العربي الجديد" في اتصال هاتفي معه من كييف: "يجب فرض رقابة كاملة على محيط المحطات النووية لمنع اندلاع أعمال قتال فيها، وذلك بإشراف الجهات الأوكرانية المعنية وبالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو جهة دولية أخرى، شرط إبعاد روسيا عنها. وقد طالبت أوكرانيا في 3 مارس/ آذار الجاري الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإغلاق المجال الجوي فوق منشآتها النووية".
واللافت أنّ سيميفولوس لا يحصر المخاطر المرتبطة بالمحطات النووية الأوكرانية بقصفها عسكرياً، ويقول: "موظفو محطة تشيرنوبل النووية يواصلون البقاء فيها منذ أكثر من أسبوع، ويعملون تحت ضغوط نفسية تهدد حياتهم وصحتهم ودقة أدائهم". ويشير أيضاً إلى أن المحطات النووية ليست المصدر الوحيد للتلوث البيئي المحتمل، لأنّ أوكرانيا تضم مصانع كيميائية سيشكل استهدافها خطراً بالغاً على البيئة المحيطة". 
وانطلاقاً من أن المحطات النووية التي تنتمي إلى الأجيال الجديدة تتميز بدرجة عالية من الأمان، يعتبر خبراء في شؤون الطاقة الذرية أن "مفاعلات المحطات النووية مؤمنة بشكل جيد حتى إذا وقعت في قلب المعارك مباشرة، أو حتى في حال سقوط طائرة ممتلئة بالوقود عليها". في هذا السياق، يعلق الخبير في الطاقة الذرية ورئيس صندوق "أوسنوفانيه" (الأساس) أليكسي أنبيلوغوف على حريق محطة زاباروجيا بالقول لصحيفة "لينتا دوت رو" الإلكترونية الروسية: "أول ما يجب قوله إن الحريق لم يندلع في المحطة النووية، بل في جوار مبناها الإداري الذي يبعد بضع مئات من الأمتار عن وحدات توليد الطاقة". ويتابع: "جرى تصميم وحدات توليد الطاقة مع وضع سيناريوهات سلبية جداً في الحسبان، وجميع وحدات توليد الطاقة الأوكرانية، باستثناء أول وحدتين في محطة روفينسكايا، مزودة بأوعية احتواء مكونة من طبقة خرسانية مسلحة بسماكة مترين تتمتع بقدرة صمود عالية. وهذا نوع من القشرة يغطي وحدة توليد الطاقة". ويشدد على أن تصاميم المحطات النووية الحديثة تتحمل حتى سقوط أكبر نماذج طائرات الركاب مثل "بوينغ 747 التي تتسع لنحو 500 راكب، حتى لو كانت معبأة بالوقود بالكامل.

لن يتحمل أحد في أوروبا كارثة نووية في أوكرانيا (سيرغي بوبوك/ فرانس برس)
لن يتحمل أحد في أوروبا كارثة نووية في أوكرانيا (سيرغي بوبوك/ فرانس برس)

الجيل الجديد "المحصّن"
وكان أبرز الأخطاء التي تداركها القيمون على الأجيال الجديدة من المفاعلات النووية، تعزيز تدابير التعامل مع احتمال وقوع أعطال. وبعد حادثة محطة فوكوشيما اليابانية عام 2011، اتضح أنه لا بدّ من توفير تبريد خارجي للمفاعلات. كما يعمل هؤلاء اليوم على تصميم مفاعلات الدورة المغلقة من الجيل الجديد، التي ستعمل بلا نفايات نووية، في وقت يستبعد احتمال استغناء البشرية عن الطاقة النووية والاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية من المحطات الكهروحرارية، التي تتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري نتيجة الانبعاثات الصادرة عنها، بينما تُعدّ المحطات النووية أنظف بيئياً، لأنها عديمة الانبعاثات ونفاياتها قليلة جداً.

وتشير بيانات أوردها موقع شركة "إنيرغو آتوم" الحكومية الأوكرانية، المعنية بتشغيل المحطات النووية في البلاد، إلى أن "أربع محطات ذرية تعمل في أوكرانيا، إضافة إلى محطة تشيرنوبل المنكوبة، وهي زاباروجيا (وهي الأكبر في أوروبا)، وروفينسكايا (جنوب) وخميلنيتسكايا (غرب) ومحطة جنوب أوكرانيا، وتضم كلها 15 وحدة لتوليد طاقة بقوة إجمالية تصل إلى نحو 14 ألف ميغاوات، ما يجعل أوكرانيا تحتل المرتبة الثامنة عالمياً على صعيد القوة الإجمالية للمحطات النووية. 
وتوفر المحطات النووية في أوكرانيا نحو 55 في المائة من احتياجات البلاد من الكهرباء، وصولاً إلى 70 في المائة خلال فصلي الخريف والشتاء. وفي عام 2018، حلت أوكرانيا ثالثة عالمياً على صعيد حصة الطاقة النووية من عملية إنتاج الكهرباء.

المساهمون