أفادت دراسة متخصصة صادرة عن مؤسسة "روكوول" حول الأجيال الشابة من أصول مهاجرة غير أوروبية، بأنّ السنوات الأخيرة شهدت تطورا في اتجاه هؤلاء الشباب أكثر نحو تحصيل علمي طويل الأجل، والزواج المتأخر.
وتفيد الدراسة التي أجرتها "وحدة الأبحاث" في المؤسسة، التي تجري أبحاثا خلال الـ25 سنة الماضية حول تلك الفئة من المهاجرين، بأن "تغيرات كبيرة تشهدها هذه الأجيال الشابة في المجتمع الدنماركي". ولاحظ الباحثون، وسط جدال مستمر عن "مصاعب اندماج" من هم من أصول غير أوروبية (وهي إشارة إلى العرب والمسلمين (نحو ربع مليون في البلاد) وعموم مهاجري العالم الثالث، أن ربع القرن الأخير شهد تراجعا في إقدام الشباب والشابات على الزواج في سن مبكرة (وهي حالة منتشرة في حدود العشرين سنة في المتوسط). ويختار هؤلاء قبل الزواج إتمام التحصيل العلمي بدرجة أكبر من الأجيال التي سبقتهم.
ومن المتغيرات التي لاحظتها الدراسة، أنه في عام 1994 كان 9 من كل 10 شباب يجدون شركاء حياتهم من خارج الدنمارك، وفي 2018 انخفضت النسبة إلى 3 من كل 10، رغم أن أغلبهم لا يزالون يتوجهون نحو الزواج من جنسيات أهاليهم الأصلية، بحسب الدراسة التي لاحظت أيضا أنه حتى تلك الخيارات في حالة تراجع عما كانت عليه قبل 25 سنة. وكان 1994 سجل زيجات مبكرة للفئة العمرية 18 - 32 سنة بنسبة 34 في المائة، فيما النسبة انخفضت إلى 12 في المائة في 2018، مع ملاحظة تغيّر أنماط الزيجات العابرة لجنسيات أبناء المهاجرين، وانخفضت نسبة الذكور المتزوجين من جنسياتهم من 92 بالمائة في 1994 إلى 69 بالمائة في 2018، وبالنسبة للإناث انخفضت من 92 إلى 71 بالمائة عن الفترة الزمنية نفسها، مع ملاحظة زيادة في عدد أحفاد المهاجرين مواليد الدنمارك. ولدى الطرفين، الإناث والذكور من أصول مهاجرة، توجه أكثر نحو التحصيل العلمي الجامعي، حيث زادت أعداد الدارسين، وخصوصا بين الإناث.
والتعليم لفترة أطول يعتبر أحد عوامل تأجيل الزواج بحسب الدراسة، إذ أصبح متوسط سن الزواج اليوم نحو 26 سنة، وكان في 2004 وصل إلى 24 سنة عند الجنسين، ويختار الأزواج إلى حد كبير الأشخاص الذين لديهم التحصيل العلمي أكثر مما كان يحدث سابقا.
دراسة مؤسسة "روكوول" للأبحاث الاجتماعية وجدت في الوقت نفسه، أن تلك المتغيرات استندت إلى "طريقة تفكير مختلفة عند الأجيال الجديدة، بشكل لافت، عما كان عليه في خلال الـ25 سنة الأخيرة من القرن الماضي، وبالأخص لناحية كسر النمط السابق، ولأسباب سياسية، وتماشيا مع تشديد قوانين لمّ الشمل من الخارج، واختيار هذه الفئات تأسيس حياتها بالتحصيل العلمي". ويشمل ذلك هؤلاء المتحدّرين من أهل مهاجرين/ لاجئين، ولدوا في البلد، أو حضروا تحت سن الخامسة عشرة.
وبحسب نتائج البحث/الدراسة الموسعة، فإن تشديد قوانين لمّ شمل أزواج من الخارج في 2002، حيث رُفعت سن الشريك الحاضر من الخارج إلى 24 سنة ( كانت قبل ذلك مشروطة بـ18 سنة)، ساهم في اتجاهات تأخير الزواج، والزواج أكثر من داخل الدنمارك. وفي التعديلات المشددة من عام 2002 وُضعت شروط مالية وقانونية صعبت حالات لمّ الشمل السابقة، واضطر البعض للانتقال إلى السويد، التي كانت قوانينها أقل تشددا في تلك السنوات، لأجل لمّ شمل الشريك.
ولم تشمل تلك التشديدات اللاجئين حتى العام 2016، إذ أدخلت حكومة يمين الوسط السابقة تعديلات جعلت من الصعب على اللاجئين لمّ شمل أسرهم قبل مرور 3 سنوات على الإقامة، إضافة إلى شروط اقتصادية من بينها ألا يكون اللاجئ متلقيا للإعانة الاجتماعية من البلديات ولديه سكن مناسب.
أما بالنسبة إلى الدراسة، فإن الدنمارك توفّر واحداً من أفضل أنظمة التعليم الأوروبية(للمقيمين والمواطنين على حد سواء)، وخصوصا لناحية تميزها ليس فقط بمجانية الدراسة الجامعية، بل لتلقي الطلاب، منذ المرحلة الثانوية، "إعانة دراسية"، عبارة عن راتب شهري يصل في المتوسط إلى نحو 500 يورو للقاطنين خارج منازل أسرهم. وتسهيلات أخرى لمن لديهم أطفال وملتحقون بالجامعات. وما إن ينتهي الشخص من تحصيل البكالوريوس حتى يتلقى راتبا شهريا من نقابته التي ينضم إليها بعد أقل من أسبوعين من نهاية آخر امتحان، ويستمر ذلك إلى حين إيجاد وظيفة، ولمدة لا تزيد عن 9 أشهر.
وأشرك الباحثون نحو 130 ألفاً من تلك الفئات في أبحاثهم، وحوالي 2.6 مليون من أصول دنماركية، للفئات العمرية بين 18 و34 سنة، واستمر البحث على فترتين منذ 1994، حيث جرت متابعة تطور أوضاع المشمولين في الدراسة.