يُعاني أهالي الأحياء التي أنهت قوات النظام السوري حصارها لها في محافظة درعا، جنوبي سورية، نقصاً في الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه، عدا عن المضايقات لدى مراجعة الدوائر الحكومية، إذ يجبرون على دفع إتاوات للحواجز أمام هذه الدوائر، وأُخرى للموظفين في مقابل تخليص المعاملات. من جهة أخرى، يتحدّث الأهالي عن تحسّن في الأوضاع الإنسانية بالمقارنة مع فترة حصار تجاوزت الشهرين، وانتهت في سبتمبر/ أيلول الماضي.
بعد التسوية الأخيرة وإزالة الحواجز التي حاصرت الأحياء، تمكّن الأهالي من العودة إلى ممارسة أعمالهم. ويوضح الحقوقي عاصم الزعبي، وهو عضو تجمع أحرار حوران (تجمع صحافيين وناشطين ينقل أحداث الجنوب السوري)، لـ"العربي الجديد": "بعد التسوية، أزال النظام الحواجز بين الأحياء التي حوصرت سابقاً وبين درعا المحطة، بالإضافة إلى تلك الموضوعة في درعا المحطة نفسها، ما سهّل حركة أبناء المدينة بشكل عام فتمكنوا من الذهاب إلى أعمالهم اليومية من دون منغصات كما في السابق. وفي الوقت الحالي، يُحاول النظام التركيز على مدينة درعا بشكل خاص وعدم مضايقة أهلها". يضيف الزعبي: "بشكل عام، ما زالت الأوضاع صعبة بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار في مقابل انخفاض الدخل. ويفاقم تفشي فيروس كورونا من صعوبة الوضع"، لافتاً إلى أن "أعداد الإصابات كبيرة جداً والوفيات إلى ارتفاع يومي، والخدمات الصحية لا تلبي الحاجات، والمستشفيات غير قادرة على تأمين العلاج والأوكسجين، ما يدفع الناس إلى شرائه أو اللجوء إلى مستشفيات خاصة لديها القدرة على ذلك".
من جهة أخرى، ترافقت عملية التسوية مع تقديم مساعدات غذائية شكلية من الجانب الروسي والنظام فقط. كما تقدّم بعض الجمعيات في مدينة درعا مساعدات مثل جمعية "البر". كذلك تقدّم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" مساعدات شهرية، وفقاً للزعبي.
وفي ما يخص الخدمات الأساسية، يتحدث الزعبي عن النقص الحاد فيها، في ظل اعتماد نظام تقنين الكهرباء من دون تنظيم ساعات التقنين. وفي الوقت نفسه، ارتفعت أسعار الكهرباء على الرغم من عدم توفرها. كما يُعاني الأهالي لتأمين مياه الشرب وما زالت شبكة المياه في طور الصيانة في الأحياء التي حوصرت، الأمر الذي يدفع الأهالي للاعتماد على صهاريج المياه التي تعد مكلفة جداً. أما أزمة الخبز فمستمرة لكنها أفضل من السابق بعد صيانة الفرن الرئيسي في مدينة درعا، إلا أن الكميات ما زالت غير كافية. كما أن الغاز غير متوفر بشكل دائم على الرغم من ارتفاع أسعاره بشكل كبير مؤخراً. وغالباً ما يلجأ الأهالي إلى البدائل، كألواح الطاقة الشمسية لمن لديه قدرة مادية، وشراء الخبز من خارج الأفران، لكن بكلفة مرتفعة يعجز عنها غالبية الأهالي.
ويؤكّد الزعبي أنّ دور المنظّمات الإنسانية ضعيف في ما يتعلّق بتقديم الخدمات، موضحاً أنها تركّز جهدها على التعامل مع تفشي فيروس كورونا في الوقت الحالي. وتم تحويل المركز الرئيسي والوحيد للهلال الأحمر في حي المطار في درعا إلى مركز للتلقيح ضد الفيروس، وتقديم بعض المساعدات للأهالي. أما في ريف درعا، فتعدّ هذه المنظّمات غائبة.
من جهته، يوضح الناشط الإعلامي أبو محمد الحوراني لـ "العربي الجديد" أنه ليست لدى النظام قدرة على دعم الأهالي، وما يقدمه هو مجرد دعاية إعلامية. يضيف: "الأهالي موعودون بمساعدات عن طريق الهلال الأحمر يفترض أن توزع في مراكز الخبز، وهي عبارة عن حمص وعدس و5 كيلوغرامات من السكر والطحين"، لافتاً إلى أنها غالباً ما تكون غير صالحة للاستخدام ومليئة بالديدان. يتابع: "منذ أيام، وزعت روسيا مساعدات إنسانية في محاولة لتبييض صفحتها مع الأهالي، هي عبارة عن قارورة زيت وكيلوغرام من السكر في كل من الصنمين وتسيل وأنخل غرب درعا. أما المناطق التي وزع فيها الهلال الأحمر السوري فهي الصنمين وجاسم وجلين، فيما باقي قرى حوران البالغ عددها 55 لم يحصل أي منها على مساعدات إنسانية".
بدوره، يلفت المواطن عامر حوراني، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى تحسن الأوضاع الإنسانية بالنسبة لأهالي الأحياء التي حاصرتها قوات النظام في درعا وباقي بلدات وقرى المحافظة. ويقول إن "تحسّن الأوضاع الإنسانية طفيف، إلّا أنّ حال الأهالي من سيئ إلى أسوأ. في الوقت الحالي، تشهد المحافظة تفشياً لكورونا، والسبب أن الأهالي يسعون خلف رزقهم من دون وقاية. وعلى الرغم من تسجيل ارتفاع في أعداد الوفيات بشكل يومي من جراء الإصابة بكورونا، لم تتخذ أي إجراءات وقائية". يتابع أن "الظروف سيئة جداً بالنسبة للأهالي. في بعض الأحيان، تتوقف المخابز عن العمل، كما أن سعر الخبز في السوق الحرة مرتفع، وسعر أسطوانة الغاز يتجاوز المائة ألف ليرة سورية، وكذلك الأمر بالنسبة للوقود". وفي ما يتعلق بالحواجز، يلفت إلى "بقاء حاجز واحد فقط في الأحياء المحاصرة، لكن لا يتم استفزاز الأهالي بشكل كبير لدى المرور أمامه".
يتابع حوراني: "تحاول روسيا سحب الحواجز من بين القرى لتهدئة وضبط الفلتان الأمني في المنطقة. هذه الحواجز مسؤولة عن السرقات والجرائم والفلتان الأمني. كما تسبّب الحواجز في محيط الدوائر الحكومية مشكلة للأهالي المضطرين لمراجعتها، إذ تفرض إتاوات على الأهالي، عدا عن الإتاوات التي تفرضها هذه الدوائر، والكلفة التي يجب دفعها لتسيير معاملاتهم داخلها".
وعلى الرغم من التسوية، فإنّ قوات النظام السوري تواصل خرق هذه التسوية، من خلال تنفيذ عمليات اعتقال بحق الأهالي. واعتقلت خلال سبتمبر/ أيلول الماضي 72 شخصاً، ليبقى الوضع مأساوياً في المنطقة مع تواصل عمليات الاغتيال.