كشفت دراسة حديثة، أجراها "صندوق المساواة"، أن أثرياء بريطانيا يملكون ما يزيد عن 653 مليار جنيه إسترليني، وأن ثرواتهم زادت بقيمة 150 مليار جنيه إسترليني خلال العامين الأخيرين، وأن جزءا كبيرا من هذه الزيادة كانت وراءه محاولات البنك المركزي والحكومة لتخفيف تأثيرات أزمة كوفيد-19.
وأكدت الدراسة أن البنية التحتية التي سمحت للمليارديرات بتحقيق هذه الزيادات كانت في طور التكوين لعقود، وأنها فاقمت التفاوت القائم في الدخل، والثروة، والعرق، والجنس. الأمر الذي دفع المؤسسة الخيرية إلى الدعوة لإجراءات حكومية تفرض ضريبة على أصحاب الثروات للمساعدة في سد الفجوة المالية الحكومية، وتعتقد أن استحداث ضريبة ثروة تصاعدية سيكون "خطوة أولى قوية" للقضاء على الفقر في المملكة المتحدة.
في السياق، تقول المديرة التنفيذية المشاركة في صندوق المساواة، جو ويتامز: "نحن مدعوون كل عام للاحتفال بالأفراد والعائلات الثرية في المملكة المتحدة، بينما يتواصل الإقبال على بنوك الطعام، ويعيش نحو 3.9 ملايين طفل في فقر، وتكافح 6.7 ملايين أسرة لتدفئة منازلها".
بدوره، يقول المعالج النفسي والناشط في دعم العرقيات جاريل بيمبونغ، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأقليات العرقية في المملكة المتحدة مستبعدة مالياً بشكل عام، ومن غير المرجح أن تحصل هذه الفئات على خدمات مساعدة، ما يصعّب عليها إدارة أموالها، ويفاقم انعدام المساواة في البلاد"، مضيفاً أنّ "هذا الوضع يجعل الأقليات أكثر عرضة لتدهور أحوالهم النفسية لأنّهم يواجهون التمييز في العمل، وفي المجتمع، ويصعب عليهم الوصول إلى المساعدة".
ويرتبط عمل بيمبونغ باكتشاف المشكلات الأساسية في المجتمع، وتقديم أشكال من الحلول لها، مع تسليط الضوء على الروابط الوثيقة بين الصحة العقلية والتنوع والاندماج والمساواة، وهو يسعى إلى إحداث فرق في حياة الاشخاص الذين يعتقدون أنّهم يتعرّضون لسوء المعاملة بسبب العنصرية المجتمعية، أو سوء الفهم الثقافي، وهو يؤمن أنّ "التغلب على الاختلافات العرقية والثقافية بات يعد مسألة أساسية للرفاهية العقلية، وللتقدم المهني، فضلاً عن التنمية الشاملة".
واقترحت لجنة "ضريبة الثروة"، التي تأسّست في ربيع 2020، فرض ضريبة لمرة واحدة على أثرياء المملكة المتحدة، وهناك حملة يدعمها عدد من نواب البرلمان الذين يواصلون الضغط من أجل فرض ضريبة أكثر صرامة على الأغنياء، لتمويل مساعي التخفيف من أزمة غلاء المعيشة. بيد أنّ الحكومة تستمرّ في معارضة هذا المقترح.
واللافت أنّه على الرغم من أنّ رئيس حزب العمّال السابق، جيريمي كوربين، غرّد حول هذه المسألة في 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقال: "يمكن لضريبة ثروة لمرة واحدة بنسبة 1 في المائة على الأسر التي لديها أكثر من مليون جنيه إسترليني أن تموّل طلب الممرضات لزيادة الأجور العادلة 162 ضعفاً. لا تدع أي شخص يخبرك أبداً أننا لا نستطيع أن ندفع للعمال ما يحتاجون إليه، أو ما يستحقونه". نرى أنّ حزب العمال لا يؤيد الفكرة.
من جهتها، تدعو منظمة العدالة الضريبية في المملكة المتحدة الحكومة إلى إدخال إصلاحات ضريبية تستهدف فاحشي الثراء، وتقول إن الحكومة يمكن أن تجمع ما يصل إلى 37 مليار جنيه إسترليني سنوياً كضرائب على الثروة. ويقول المتحدّث باسم المنظمة: "إنهم يعرفون أن هذه الأموال يمكن استخدامها لدفع أجور العاملين في القطاع العام بشكل صحيح. إنهم يعرفون أنّه يمكن تفادي الإضرابات. ومع ذلك، اختاروا عدم فرض ضرائب على الثروة".
وبينما يتم تجاهل تلك الدعوات والمقترحات، تعمّ الإضرابات البلاد، وتتهم الحكومة الممرضين وعمال السكك الحديدية وغيرهم بعرقلة الحياة اليومية، فضلاً عن تعريض حياة الناس إلى الخطر.
في المقابل، أظهر استطلاع جديد أنّ ثلثي البريطانيين يدعمون الممرضين المضربين في مساعيهم من أجل تحسين الأجور، ويلقي معظمهم باللوم على الحكومة في تفجر إضرابات 15 و20 ديسمبر، كما دعم غالبية البريطانيين (63 في المائة) إضرابات سائقي سيارات الإسعاف التي جرت في 21 ديسمبر، وفقًا للمسح الذي أجرته مؤسسة "يوغوف" بين 16 و19 ديسمبر الماضي.
ومن المتوقّع أن تنخفض مستويات المعيشة في المملكة المتحدة بنسبة 7 في المائة خلال العامين المقبلين، وفقًا لمكتب مسؤولية الميزانية (OBR)، وهو المتنبئ الاقتصادي المستقل للحكومة، ومن المتوقع أن ترتفع أعداد العاطلين أكثر من نصف مليون شخص، من 3.5 في المائة إلى 4.9 في المائة من السكان العاملين، خلال الربع الثالث من عام 2024، الأمر الذي سيؤثرعلى الدخل الحقيقي المتاح على المدى الطويل.
ويؤكد الناشطون الذين يطالبون بفرض ضريبة الثروة أنّها الإجابة الواضحة على أسئلة أولئك الذين يزعمون أنّه لا يمكن للحكومة أن تتحمّل زيادات في الأجور بما يتماشى مع التضخم. بيد أنّ التقارير الأخيرة تشير إلى أن ضريبة الثروة المطبقة في النرويج أدت إلى هجرة أفراد من الأثرياء، فضلاً عن تحديات متمثلة في هيكلة ضريبة الثروة لمرّة واحدة أو أكثر.