في إجراء غير مسبوق في محاربة ظاهرة التسول في العراق، استحدثت وزارة الداخلية العراقية أماكن خاصة لإيواء المتسولين القصّر ممن يلقى القبض عليهم، والذين كانوا في السابق يطلق سراحهم ومن ثم يعاودون التسول، وسط دعوات للاستعانة بمختصين ووضع خطط شاملة لتأهيل ودعم هؤلاء القصّر.
ونتيجة للظروف غير المستقرة التي تمر بها البلاد منذ عدة سنوات، ارتفعت نسب التسول بين الأطفال بشكل خطير، وسبق أن حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من تأثيرات ارتفاع نسب الفقر على أطفال العراق، داعية الى العمل لبناء بيئة شاملة لحماية الأطفال في العراق، الذي يشكل الأطفال الغالبية من حوالي 4.5 ملايين عراقي من المعرضين لخطر الفقر بسبب تأثير النزاعات على البلد.
وكانت الوزارة قد أطلقت، أخيرا، حملة كبرى للحد من ظاهرة التسول في الأماكن العامة، وبدأت مفارزها المنتشرة في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى باعتقال المتسولين والتحقيق معهم.
واليوم الاثنين، ووفقاً لمدير العمليات في مديرية الجريمة المنظمة العميد حسين التميمي، فإن مديريته "قامت بالتنسيق مع دائرة الرعاية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بتشكيل فريق مشترك لتحديد أماكن إيواء المتسولين القصر في جانبي الكرخ والرصافة من بغداد".
وذكر، في تصريح لصحيفة الصباح الرسمية، أن "هذا الإجراء جاء بعيداً عن الإجراء السابق، الذي يتضمن إطلاق سراحهم بشرط الكفالة، إذ قامت وزارة الداخلية بإلغاء هذا الإجراء".
وأوضح أن "المتسول سيلقى في دار الإيواء الدعم والرعاية الكاملة، وسيجرى تأهيله وجعله فرداً صالحاً في المجتمع بعيداً عن استغلاله من قبل أفراد العصابات الذين يستغلون تلك الفئات في تنفيذ جرائمهم"، مشيراً إلى أن "المديرية تمكنت خلال المدة القليلة الماضية من إلقاء القبض على 488 شخصاً بتهمة التسول، منهم 135 متسولاً قاصراً، وبالتالي، فإن هناك أعداداً ليست بالقليلة من تلك الفئات العمرية يجرى استغلالها في تلك المهنة".
وأضاف: "جميع الأوامر القضائية التي تصدر بحق المتهمين تصدر وفق قانون التجارة بالأعضاء البشرية، أما الذين يثبت تورطهم لأكثر من مرة في تلك المهنة بعد تدقيق أسمائهم، فتُتخذ الإجراءات القانونية بحقهم ويحالون إلى المحاكم المختصة"
من جهته، أكد ضابط في وزارة الداخلية أن الإجراء دخل حيز التنفيذ، وأُلغي رسمياً الإجراء السابق بإطلاق سراح الملقى القبض عليهم من المتسولين القصر، مبيناً لـ"العربي الجديد"، مشترطاً عدم ذكر اسمه، أن "لجاناً خاصة بدأت دراسة تحديد أماكن إيواء للمتسولين، وأن هذه الأماكن ستكون في بنايات خاصة، قد تكون تابعة لوزارة الداخلية أو وزارة العمل أو بنايات يجرى استئجارها، تكون مؤهلة لإيواء هؤلاء".
وأشار الى أن "التجربة جديدة، وأن الوزارة تخطط لتحجيم الظاهرة عبر هذه الخطة"، مشيراً الى أن "الوزارة تخطط لأن تعمم الخطة في عموم المحافظات، خاصة مع ارتفاع نسب القصر ممن يمارسون التسول".
ويؤكد مختصون أهمية تأهيل هؤلاء، وعدم الاكتفاء بالأماكن للإيواء فقط، وقال الباحث المجتمعي رافد المسعودي، لـ"العربي الجديد"، "يجب أن تكون هناك حلول جذرية مع الإيواء، من خلال تأهيل الأطفال من قبل كوادر مختصة تعمل على إصلاحهم"، مؤكداً "أهمية توفير فرص العمل أو منحهم رواتب معينة فضلاً عن العمل على زجهم في المدارس".
وشدد على أن "الملف يحتاج الى وضع خطة تأهيلية شاملة، تكون كفيلة بعدم عودة القصر الى التسول مجدداً، لما لذلك من مخاطر مجتمعية كبيرة".
واضطر آلاف الأطفال العراقيين إلى ممارسة الأعمال لإعالة عائلاتهم، في ظلّ ظروف معيشية صعبة في البلاد، وانعدام فرص العمل، وقدرت مفوضية حقوق الإنسان العراقية، في إحصاءات سابقة، نسبة عمالة الأطفال في العراق بـ2 في المائة، أي ما يبلغ نحو 800 ألف طفل، وهو ما يعتبر مخالفاً لقانون العمل. وتعتبر المفوضية أن ممارسة الأطفال العمل يشكل خطورة عليهم بحكم طبيعة وظروف العمل الصعبة، محذرة من تعرضهم للتحرش بكل الأنواع، واستغلالهم من قبل عصابات التسول والاتجار بالبشر والمخدرات وغير ذلك.