وقع عدد من الأهالي في ريف السويداء، جنوبي سورية، ضحية لعملية احتيال تقدر بمليارات الليرات السورية، نفذها راعي أغنام وزوجته على مراحل امتدت لسنوات، من دون أن يدعا خلالها مجالاً للشك بنزاهتهما أو حسن رعايتهما للماشية.
وتصرف الراعي إبراهيم حتمل العمر (43 عاما)، من أبناء عشائر البدو القاطنين في بلدة "حوط" الواقعة في الريف الجنوبي الغربي من محافظة السويداء، وباع المئات من رؤوس الأغنام والماعز قبل أن يتوارى وزوجته وعائلته عن الأنظار.
مصادر خاصة قالت لـ"العربي الجديد" إن عدداً من محاضر الضبط والادعاءات قُدمت من الأهالي إلى مراكز الشرطة، أكدت بمجملها أن عملية الاحتيال هذه استغرقت سنوات من العمل والتخطيط وطاولت العشرات من الأهالي، فيما تراوحت أعداد الأغنام المسروقة بين 4500 و5 آلاف رأس غنم، في حين قدر الأهالي قيمتها بين 4 مليارات و5 مليارات ليرة سورية.
من جانبه، قدم الضابط برتبة لواء في جيش النظام السوري عادل قيصر بلاغاً رسمياً إلى الشرطة قبل حوالي شهر، يتهم فيه الراعي بسرقة 209 رؤوس غنم.
وبحسب المقربين من اللواء قيصر، فإن المتهم يرعى الأغنام منذ ثلاث سنوات مقابل أجر شهري، وقد توارى عن الأنظار إلى جهة مجهولة.
وعلم "العربي الجديد أن اللواء قيصر، من أهالي بلدة قنوات الواقعة إلى الشرق من السويداء، ويقيم في مدينة حمص، وجد في مشروع تربية الأغنام فرصة للاستثمار من دون جهد أو متابعة وعناية، وهو ما جعله يستأمن الراعي على أغنامه.
كما قدم عدد من المواطنين بلاغات رسمية بسرقة حوالي 100 رأس غنم وملايين من الليرات السورية كان قد قدمها المُدعون ثمناً للأعلاف، في حين امتنع العديد ممن وقعوا في الفخ عن تقديم بلاغات للشرطة على أمل أن يجدوا أغنامهم قبل أن يتصرف بها الراعي.
يقول أحد المتضررين، لـ"العربي الجديد"، إن الجميع كان يثق بالراعي خلال السنوات الأربع الماضية، حتى وصل صيته إلى خارج حدود قرية حوط، وجاء مواطنون من بلدات ومدن أخرى لوضع مواشيهم عنده، وغالباً ما كلفه الجميع لشراء الأعلاف وبيع الحليب، وبطبيعة الحال، يتزايد عدد الأغنام بالولادة أو النقصان في حال المرض، ولم يتوقع أحد أن يبيع منها أو ينقلها إلى مكان آخر، موضحا أنه لم يعرف أحد عدد المشتركين أو أعداد الأغنام، فكل من كان يقصده إلى مناطق الرعي يرى لديه أضعاف ما وضع عنده من رؤوس الغنم. وعندما لاحظ البعض تراجع العدد قبل حوالي الشهر، برر لهم العمر ذلك بنقل الأغنام إلى السهول المحيطة حيث المراعي الغنية بالأعشاب والمياه.
وعلم "العربي الجديد" أن بعض ضحايا الراعي هاجموا منزله الكائن في حوط، واستولوا على ما استطاعوا من أغنام متبقية لديه ولدى عائلته وبعض أقاربه. في حين تدخل عدد من الوجهاء بوساطة عشائرية لحل المشكلة وعودة الحقوق إلى أصحابها، في الوقت الذي أكد الجميع أن الراعي باع معظم الأغنام بأسعار رخيصة نسبياً وغادر مع عائلته المقربة إلى مكان مجهول.
المحامي سليمان العلي يرى في هذه القضية سوء ائتمان وليس سرقة موصوفة، و"تتوقف على اعترافات الراعي، فلا يوجد أي دليل لدى المدعين بعدد الودائع من الأغنام أو وزنها، ولا يمكن تقدير أسعار مبيعها أو أين ومن اشتراها. وتُعتبر قضية شائكة تعتمد على عدد البلاغات والشهود، وأحكامها السجن والحجز على أملاك المتهم وبيعها بالمزاد العلني بعد صدور الحكم، وهذه الأملاك بحسب المعلومات المتوفرة لا تسدد خسائر أقل المتضررين".
وأضاف العلي أنه "في مثل هذه الظروف التي يقف فيها القضاء والضابطة العدلية موقف العاجز لأسباب يعرفها الجميع، يُفضل السعي بالحل العشائري قبل أن تأخذ القضية منحى ردود الأفعال".
من ناحية أخرى، طالب عدد من المتضررين عشيرة العمر بتحمل المسؤولية، مُدعين في اجتماعهم الذي عقدوه مع بعض أقاربه في منزل الأمير لؤي الأطرش، في بلدة عرى، أن ولدهم لم يقم وحده برعاية الأغنام خلال السنوات الماضية وبيعها خلال أيام، بل يوجد من ساعده على نقلها خارج المحافظة وبيعها.
ورأى البعض أن موقف أقارب العمر وتحملهم المسؤولية قد يمنع فتنة محتملة بين عشائر البدو والمتضررين، وجميعهم من الطائفة الدرزية.
وبينما يرى الشيخ عميد جريرة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الفاعل بما فعل ولا أحد من عائلته يتحمل مسؤولية فعلته مهما كانت"، مضيفا: "لقد تغير الزمن وتبدلت الظروف، فبعد أن كان لكل بلدة في ريف السويداء راعي للماشية أو للحلال كما يطلق عليه، وبعد أن كنّا نشهد في صغرنا طقوس موعد تجميع الحلال في ساحة البلدة صباحا وموعد عودته مساء، أصبحنا اليوم نرى في تربية الماشية شكلا من الاستثمار يشبه إلى حد ما شبكات الربح الهرمي وغيرها، فالذي يودع الأغنام بعيدة عن ناظريه ولا يتعب في رعايتها ومأكلها، ولا يصنع بيديه من خيراتها، تماماً كمن يودع الأموال لينال الفائدة منها".