بعد أكثر من سبعين عاماً من النضال لأجل قضايا المرأة في لبنان وإلغاء كلّ أشكال التمييز والإجحاف في حقّها، طوت المناضلة النسوية والحقوقية ليندا مطر صفحات حياة حافلة بالعطاءات والإنجازات. ورحلت الأيقونة اللبنانية، أمس الخميس، عن عمر ناهز 98 عاماً، بعد أن كرّست حياتها للدفاع عن المرأة ومساواتها بالرجل، إذ سعت حتى الرمق الأخير إلى إقرار قوانين منصفة لها.
الرئيسة التاريخيّة للجنة حقوق المرأة اللبنانية والتي ردّدت في إحدى حفلات تكريمها: "أنا التي وُلدتُ لحظة انتسابي إلى لجنة حقوق المرأة"، ساهمت إلى جانب مناضلات بارزات في تحقيق انتصارات عديدة، من بينها إقرار حقّ المرأة في الترشّح والتصويت في عام 1953، علماً أنّها كانت في أولى مراحل نضالها. وقد تركت الرائدة الإنسانية التي شاركت في جعل الثامن من مارس/ آذار يوماً عالمياً للمرأة، كتاب "محطات من سيرة حياتي" الذي يختصر مسيرة ناصعة لعميدة المناضلات اللبنانيات.
رحلت أمس عميدة المناضلات اللبنانيات #ليندا_مطر بعد عقودٍ من النضال لأجل قضايا النساء والفتيات وإلغاء كافة أشكال التمييز ضدهن.
— شريكة ولكن - Sharika wa Laken (@Sharika_walaken) February 3, 2023
#وداعاً_ليندا_مطر#لبنان #شريكة_ولكن pic.twitter.com/7DEYfuTL99
تعبّر رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية عايدة نصر الله لـ"العربي الجديد" عن "بالغ الحزن والأسى وفداحة الخسارة برحيل الرئيسة السابقة للجنة". وتقول: "ليندا مطر أيقونة العمل النسائي اللبناني الهادف إلى تحقيق المساواة بين الجنسَين. فقد عرفت اللجنة برئاستها وقيادتها وضوحاً في الرؤية ودينامية استثنائية في النضال النسائي".
وتوضح نصر الله أنّ مطر "بالإضافة إلى فضلها في إكمال مسيرة مؤسِّسات اللجنة الرائدات، كان لها الفضل كذلك في نقل اللجنة من مرحلة التأسيس النوعية إلى مرحلة التأثير الجذري والفعالية في التغيير في واقع المرأة اللبنانية وفي نشر ثقافة حقوق المرأة، كما الإسهام الكبير في التقدّم المُحرَز في تعديل أو استحداث القوانين الرامية إلى تحقيق العدالة للنساء". بالنسبة إلى نصر الله فإنّ هذه "كلمات قليلة في سيرة امرأة عظيمة. رحم الله فقيدتنا الغالية، فقيدة النضال الوطني والنسائي في لبنان".
رحلت المتمرّدة المثقفة، "عميدة المُناضلات اللبنانيات" #ليندا_مطر، التي ناضلت لأكثر من أربعين عاماً من أجل حقوق المرأة والمساواة على صعيد #لبنان والعالم.. pic.twitter.com/7SCMBpkSpw
— Jana Mahmoud | جنى محمود (@janamahmooud) February 2, 2023
وكانت لجنة حقوق المرأة اللبنانية قد نعت المناضلة الراحلة، مفيدة بأنّ "مطر انتسبت إلى اللجنة في بداية خمسينيّات القرن الماضي، وتدرّجت من عضو عادي إلى أمينة سرّ، ثم إلى رئيسة في عام 1978". ولفتت اللجنة إلى أنّ مطر شاركت في تأسيس عدد من الهيئات النسائية مثل لجنة الأمهات في لبنان، والهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة، واللقاء الوطني للقضاء على التمييز ضدّ المرأة.
وأضافت اللجنة أنّ مطر شغلت كذلك "منصب عضو في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، وكانت منسّقة المركز الإقليمي العربي لهذا الاتحاد حتى عهد ليس ببعيد". وتابعت: "شاركت ليندا مطر في مؤتمرات عربية وعالمية عديدة، منها المؤتمرات التي نظّمتها الأمم المتحدة"، مشيرة إلى أنّ مجلة "ماري كلير" الفرنسية اختارتها "واحدة من مائة سيدة يحرّكن العالم" في عام 1995.
وتابعت اللجنة في نعيها: "انتخبت مطر رئيسة للمجلس النسائي اللبناني في عام 1996، وترشّحت للانتخابات النيابية في بيروت مرّتَين (في دورة عام 1996 ودورة عام 2000)، ونالت عدداً وازناً من الأصوات رغم ترشّحها من خارج اللوائح. في عام 1998، منحها رئيس الجمهورية اللبنانية الراحل إلياس الهراوي وسام الأرز الوطني من رتبة فارس، وقلّدها الوسام رئيس مجلس الوزراء الراحل رفيق الحريري".
وأكّدت اللجنة أنّ "الرائدة ليندا ناضلت من أجل تعديل القوانين المجحفة في حقّ المرأة اللبنانية ومن أجل وطن ديمقراطي ودولة مدنية، وكرّمها عدد كبير من مؤسّسات المجتمع المدني في لبنان، بالإضافة إلى تكريمها من قبل هيئة وطنية تضمّ 80 شخصية سياسية واجتماعية واقتصادية وفنية في الثامن من مارس/ آذار 2010 في قصر الأونيسكو (في بيروت). ومنحها الرئيس الأسبق ميشال سليمان وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط، وقلّدتها الوسام زوجته وفاء سليمان".
يقول جان سعيد المقدسي في مقابلة عن #ليندا_مطر: "على عكس معاصريها، كانت مطر نسوية آتية من المصانع. كان لديها تنشئة اجتماعية مختلفة. كانت تعرف عن المنظّرات النسويات مثل سيمون دي بوفوار، رغم أنها لم تقرأها بالضرورة في وقتها، كان موقفها النسوي متجذرًا في تجربتها كامرأة عاملة ". pic.twitter.com/pHzZOl4UZV
— ضوميط القزي دريبي (@Doumit_Azzi) February 3, 2023
في سياق متصل، عبّرت رئيسة لجنة الأسرة في نقابة المحامين في بيروت إقبال دوغان عن حزنها على وفاة "أهمّ الرائدات في المجال النسوي والنقابي والإعلامي والوطني". وقالت: "إنّها السيّدة المتواضعة التي تعلّمتُ منها الكثير ورافقتها في عمل لجنة حقوق المرأة وفي المجلس النسائي اللبناني، وهي المناضلة الكبيرة التي يفخر بها لبنان بأسره".
من جهتها، أكّدت الصحافية والناشطة النسوية حياة مرشاد لـ"العربي الجديد" أنّ ليندا مطر تمثّل "شريحة واسعة من الناشطات في الحراك النسوي، واللواتي جئنَ بعد جيل أو جيلَين بعدها". وأضافت أنّ مطر مثّلت "الحافز والملهم الأساسي لنا جميعاً. لقد شكّلت مصدر دعم كبير لمسيرتنا، بشغفها وحبّها ومساندتها الجميع وصدقها في النضال. فهاجسها وهمّها الوحيدَان كانا استمرار الحراك الحقوقي النسوي، وبقيت حتى الرمق الأخير تنزل إلى الشارع مستندة إلى عصاها، لتشارك في التحرّكات وتعبّر عن دعمها وتضامنها. لقد ظلّت هذه القضية رفيقتها حتى آخر نفس".
واستذكرت مرشاد كيف كانت مطر "حاضرة في أخبار الصحف والمجلات، لا سيما أنّها كانت في طليعة التحرّكات من أجل حقوق المرأة. وكنتُ أجمع قصاصات الصحف وأحتفظ بها". وتابعت أنّ "ليندا مطر كانت من النساء الأُوَل اللواتي رغبتُ في لقائهنّ والتعلّم منهنّ، عندما بدأتُ أنخرط في الحراك النسوي. وقد جمعنا أكثر من لقاء". وأكّدت مرشاد: "نعدها بمواصلة الحراك، فنضالها سوف يستمرّ من خلال آلاف الناشطات اللواتي تأثّرن بها".