ركام غزة... خطر إضافي يهدد حياة السكان

29 ابريل 2024
حوّل القصف الإسرائيلي أحياء كاملة إلى ركام (محمد الحجار)
+ الخط -
اظهر الملخص
- العدوان الإسرائيلي على غزة خلّف دماراً شاملاً، مؤثراً بشكل خاص على المنطقة الشمالية بنسبة دمار 70%، وتشريد السكان الذين يعانون من الجوع والعطش وانتشار الأمراض.
- إزالة الركام في غزة، الذي يشمل ذخائر لم تنفجر، قد تستغرق 14 عاماً حسب تقديرات الأمم المتحدة، مع وجود 37 مليون طن من الركام في المناطق الأكثر كثافة سكانية.
- الأضرار الصحية والبيئية الناتجة عن الركام والذخائر غير المنفجرة تشكل تهديداً لسكان غزة، مع تأكيدات من منظمة الصحة العالمية على ضرورة جهود مستمرة للتخلص من الأنقاض وتقليل المخاطر الصحية.

خلّف العدوان الإسرائيلي دماراً هائلاً في أنحاء قطاع غزة، خصوصاً في المنطقة الشمالية التي سجلت تقارير الأمم المتحدة أن حجم الدمار في مبانيها بلغ نحو 70 في المائة.

تحولت أجزاء كبيرة داخل مدن قطاع غزة وبلداته المكتظة بنحو 2.4 مليون نسمة إلى ركام خلال الأشهر السبعة الماضية من العدوان الإسرائيلي المتواصل، وترك الأحياء السكنية بلا ملامح، وأصبح معظم السكان بلا مأوى، ويعانون الجوع والعطش، وتنتشر بينهم كثير من الأمراض.

وتؤكد تقارير الأمم المتحدة أن إزالة كميات الركام الهائلة، والتي تشمل ذخائر لم تنفجر، ستستغرق سنوات، وأنها تحتاج إلى تدخل دولي للمساعدة في رفعها، وأن ذلك مرتبط بالأساس بتوقف الحرب، ومن شأنه تحسين الأوضاع الإنسانية في القطاع لارتباط الركام بمخاطر على البيئة وصحة البشر.
وقال المسؤول الكبير في دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، بير لودهامار، خلال مؤتمر صحافي في جنيف، الجمعة، إن إزالة الركام الهائل الذي يشمل ذخائر لم تنفجر قد تستغرق نحو 14 عاماً، مضيفاً أن "الحرب خلّفت ما يقدر بنحو 37 مليون طن من الركام في المنطقة ذات الكثافة السكانية العالية"، وإنه يستحيل تحديد عدد الذخائر التي لم تنفجر بالضبط في غزة، "لكننا نعرف أن هناك عادة معدل فشل يصل إلى عشرة في المائة على الأقل من ذخيرة أطلقت ولم تعمل. نتحدث عن حوالي 14 عاماً من العمل بمائة شاحنة".
ويبرز أكبر انتشار لأكوام الركام في المنطقة الشمالية من القطاع التي يحاصرها جيش الاحتلال، ويمنع عودة عشرات الآلاف من سكانها إليها، وتتركز أكوام الدمار على طول الشريط الشرقي الذي يبعد مسافة كيلومتر تقريباً من السلك الفاصل عن مناطق غلاف غزة، وكذلك في محيط مجمع الشفاء الطبي بوسط مدينة غزة، وهي المنطقة التي شهدت دماراً كبيراً، وكانت تضم عشرات المباني الطابقية، وكذا في حي الشجاعية، كما يبرز الركام في الشوارع والأحياء الكبيرة مثل شارع المنصورة، وحي التركمان، ومنطقة المنطار، وحي الزيتون، ومختلف مناطق بلدة بيت حانون التي دمر الاحتلال نحو 90 في المائة من مبانيها.

يبرز أكبر انتشار لأكوام الركام في المنطقة الشمالية من قطاع غزة 

عاد أمين أبو عياد إلى مكان منزله في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وهو قريب من حي التركمان الذي أبيد بالكامل تقريباً بعد تكرار الاحتلال القصف المباشر عليه، وقد أتيحت له فرصة تفقد المنطقة بعد الانسحاب الإسرائيلي من الحي. يقول أبو عياد لـ"العربي الجديد": "على مد البصر في العديد من المناطق التي مررت بها، اختفت المباني، ولم يتبق سوى بعض من هياكلها، وباتت الأحياء تشبه ساحة من الركام. لا توجد أي ملامح حياة في أحياء مدينة غزة التي انسحب جيش الاحتلال منها، والدمار هو السمة الأبرز في كل شارع وحارة، وهناك حارات اختفت تماماً في حي الشجاعية، والركام يختلط بالدماء والأشلاء، وروائح الشوارع كريهة، ويمكنك لغاية اللحظة أن تميز رائحة البارود، وكل هذا بمثابة سموم تهدد صحتنا. نعيش وسط كارثة إنسانية غير مسبوقة".

مسح القصف مربعات سكنية كاملة في غزة (محمد الحجار)
مسح القصف مربعات سكنية كاملة في غزة (محمد الحجار)

وخلال العدوان الإسرائيلي في صيف عام 2014، كان الركام أحد أهم أزمات سكان قطاع غزة، والمشكلة الرئيسية التي واجهتهم في إعادة الإعمار التي استغرقت سنوات، واحتاجت المنظمات الأممية والدولية إلى أكثر من عامين، ومشروعات ممولة دولياً لإزالة الركام الناتج عن عدوان استمر 51 يوماً فقط، وحذرت حينها السلطات البيئية الفلسطينية من مخاطر الركام، وتسرب محتويات المتفجرات إلى التربة والمياه الجوفية، ومن ثم تأثيرها على صحة الانسان.
يقول الأكاديمي المتخصص في صحة الانسان والبيئة، ثروت حماد، إنه "في يناير/كانون الثاني الماضي، وضمن فريق بيئي متخصص، تم رصد أكثر من 15 مليون طن من الأنقاض التي تغطي مناطق تعرضت لعمليات إسرائيلية، وهي تضم مزيجاً ساماً من الغبار والرماد ومواد أخرى ثقيلة، وكلها مضرة لجسم الإنسان، وقدر حينها حجم الركام المتناثر في القطاع بما يقارب أربعة أضعاف حجم الهرم الأكبر في مصر".

تضاعف الركام بعد عمليات جيش الاحتلال البرية في غزة وخانيونس

ويؤكد حماد أنه "خلال الأشهر الثلاثة الماضية، زادت العمليات الإسرائيلية تدميراً، وأصبحت الأرقام المقدرة في السابق مضاعفة، خصوصاً بعد العمليات التي نفذها جيش الاحتلال في مدينتي غزة وخانيونس، وفي مناطق وسط القطاع، والدمار الذي أحدثه الاحتلال يزيد من المشكلات الإنسانية، وسيؤدي على المدى البعيد إلى تأثيرات صحية خطيرة على جميع سكان غزة، وبطريقة لا يمكن أن تقارن أبداً بما جرى في أي عدوان وقع خلال السنوات الماضية".

يتابع: "عند قصف المباني بالمتفجرات، أياً كانت أنواعها، فإن الضرر الناتج عن موجات الضغط التي يحدثها الانفجار يسحق مواد البناء، ما يولد كميات كبيرة من الغبار الذي يضم خليطاً غير متجانس من المواد، مثل الأسمنت والمعادن ومركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور والسيليكا والأسبستوس وأكاسيد الألمونيوم والحديد والكبريت والألياف الاصطناعية الأخرى، والتعرض لهذه الأتربة له تأثيرات فيزيائية وكيميائية خطرة على الصحة العامة للإنسان، ويمكن للمواد الجسيمية أن تشكل مخاطر على الجهاز التنفسي، وتسبب الكثير من الأمراض، وصولاً إلى السرطان، وقد سبق أن رصدت الطواقم الطبية الفلسطينية هذا خلال تقييم آثار العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، خصوصاً بعد عدوان عام 2014".

إزالة الركام يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين (محمد الحجار)
إزالة الركام يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين (محمد الحجار)

يوضح حماد أن "هناك آثاراً صحية مباشرة تم رصدها في أنحاء غزة عقب التعرض لغبار انهيار المباني، من بينها تهيج العين والأنف والحنجرة والجلد، وحين يتم استنشاق الغبار واحتجازه داخل الرئتين، قد يؤدي ذلك إلى الإصابة بتغبر الرئة، وهذا ما تعرض له آلاف الأشخاص الموجودين في محيط المباني التي تم تفجيرها، وتشمل الأمراض حالات الانسداد الرئوي المزمن، والربو، والتهاب الشعب الهوائية، وانتفاخ الرئة، وغيرها من أمراض الجهاز التنفسي".

ويضيف أنه "تم على مدار السنوات السابقة رصد العديد من أمراض الجهاز التنفسي بسبب الركام الناتج عن القصف الإسرائيلي، لكن تكرار العدوان، وتكرار التعرض لغبار الانفجارات يزيد المخاطر على صحة الجهاز التنفسي، وعادة ما يتم توثيق هذا النوع من الأمراض لدى العمال الذين يتعرضون للغبار المحمول جواً لفترات طويلة، في حين أن الجميع في غزة باتوا معرضين لهذه الأمراض التنفسية، عدا عن المعادن الثقيلة التي تصيب البشرة بأمراض متعددة".
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن ركام المنازل المدمرة من بين النفايات الخطرة التي تؤثر تأثيراً مباشراً على صحة الإنسان، ويعتبر الأشخاص الأكثر عرضة لهذا النوع من النفايات هم من يعملون على رفعها أو نقلها أو تكسيرها، إضافة إلى الأشخاص الموجودين في محيط وجود الركام، وعلى أرض الواقع، سيعيش غالبية سكان غزة بين الركام لسنوات، ولا يعرف على وجه التحديد الفترة الزمنية التي قد يستغرقها التخلص من كل هذه الأنقاض المتراكمة بعد انتهاء العدوان.
ويشرح الباحث في الصحة العامة، سعيد أبو حميد، أن إرشادات منظمة الصحة العالمية المقدمة للعاملين في المجال البيئي تبين أن النفايات الخطرة التي تشمل ركام المنازل المدمرة نتيجة القصف، يمكن أن تدخل الجسم من خلال عملية التنفس، أو عبر الملامسة، وأنه ينتج عنها العديد من الأمراض التنفسية والجلدية، وهناك حالات أخرى من التلوث بعناصر أو مركبات سامّة، أو عناصر ثقيلة مثل الزئبق والديوكسينات، وهي من المواد التي تسبّب السرطان.

ويؤكد أبو حميد لـ"العربي الجديد"، أن "قصف المباني يجعل الركام يتضمن مواد ومعادن ثقيلة وسامة تم الكشف عن بعضها خلال السنوات الماضية، مثل الكوبال، والرصاص، والزنك، والنحاس، إضافة إلى مواد مشعة لم يتمكن المتخصصون البيئيون في غزة من الكشف عنها نظراً إلى عدم توفر مختبرات متطورة في جامعات القطاع، والمختبرات أساسية لفحص العينات الدقيقة ومعرفة أضرارها، وحالياً جميع مختبرات قطاع غزة مدمرة، ومن ثم لا يمكن فحص الركام الحالي محلياً".
ويضيف أن "العناصر الثقيلة المذكورة، تم اكتشافها مراراً خلال الحروب السابقة، لكن الاحتلال يستخدم في هذا العدوان أسلحة جديدة لم تستخدم سابقاً في قطاع غزة، وبعضها أسلحة فتاكة وتحدث انفجارات كبيرة، وبطبيعة الحال يتوفر فيها مواد أكثر خطورة، ما يجعل أضرارها على صحة الإنسان أكبر. نحن أمام مستقبل خطير على صحة البشر في قطاع غزة وربما المنطقة المحيطة كلها".

المساهمون