تبدو أجواء شهر رمضان، هذه السنة، مختلفة بالنسبة للأسير المحرّر ، محمود أبو عيشة (38 عاماً)، عن تلك التي عاشها على مدى 17 عاماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي، عندما بدأت رحلة عذابه معها في العام 2004، خلال محاولته السفر عبر معبر رفح البري، جنوبي قطاع غزة.
وأفرج الاحتلال الإسرائيلي عن الأسير أبو عيشة، في 4 إبريل/ نيسان الجاري، بعد 17 عاماً من الأسر، لتتبدّل الأحوال في منزله، لا سيما بين والدته وأشقائه الذين حرموا من زيارته على مدار سنوات طويلة، نتيجة للقيود الإسرائيلية المفروضة على زيارات أهالي القطاع.
ويحاول الأسير المحرّر الذي اعتقله الاحتلال، وهو لم يكن قد تجاوز عامه الثاني والعشرين بعد، تعويض الوقت الذي خسره مع والدته، بعد أن حرمهما الاحتلال من الجلوس سوياً وقضاء المناسبات المختلفة على مدار السنوات، حتى أرهق المرض والدته كثيراً في السنوات الأخيرة.
ويصف أبو عيشة الفرق بين قضاء رمضان في السجون الإسرائيلية وبين قضائه مع والدته وأشقائه، بـ"كما الجنة والنار"، نظراً لسوء معاملة السجّانين لهم والاعتداءات المتكرّرة عليهم، وافتقاد الحياة مع الأهل أو تناول طعام الإفطار والتواجد سوياً في المناسبات المختلفة.
ويقول أبو عيشة في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ الأسرى يحرصون على وضع خطط وبرامج معيّنة، تشمل أداء العبادات والنشاطات المختلفة وإعداد الطعام وفقاً لما هو متوفر، رغم الظروف في سجون الاحتلال والقيود والاعتداءات، في محاولة منهم لتعويض شيء بسيط ممّا حرمهم الاحتلال منه.
وتنقّل الأسير المحرّر على مدار سنوات أسره بين عدة سجون، أبرزها بئر السبع وإيشل وعسقلان وريمون، فيما كان الاحتلال يحرمه من زيارة والدته، بذريعة افتعاله المشاكل وعدم التزامه بالقوانين الخاصة بمصلحة السجون الإسرائيلية.
وأجواء رمضان في السجون، تنكأ جروح الأسرى بسبب الغياب عن العائلة أو الأولاد والزوجات، وافتقاد البرنامج التقليدي للأسر الفلسطينية في قضاء أيام رمضان وحتى المناسبات العائلية، كالأفراح وبيوت العزاء والأعياد الدينية المختلفة، وفق أبو عيشة.
ووفقاً للأسير المحرر، فإنّ السجون خلال الفترة الأخيرة، تعيش حالة من الغليان بفعل الإجراءات الإسرائيلية المتصاعدة بحق الأسرى والانتهاكات المتكررة، وهو ما انعكس بالسلب على تفاصيل الحياة اليومية للأسرى داخل السجون في الأشهر الماضية.
أما والدته، زينب أبو عيشة، فتقول إنّ شهر رمضان الحالي، هو "الأكثر سعادة في السنوات الأخيرة، بعد أن تمكّنت من احتضان ابنها الأسير خارج أسوار السجن، إذ لم تستطع زيارته من أكثر من 6 سنوات جرّاء المنع الإسرائيلي للكثير من أسرى غزة من حقهم في الزيارة".
وتقول أبو عيشة لـ"العربي الجديد"، إنها كانت تنتظر تحرّره بفارغ الصبر، سيما وأنّ الزيارات المحدودة التي كانت تقوم بها لنجلها، كان الاحتلال يتعمد فيها إذلالهم، عبر التفتيش العاري والمماطلة لساعات قبل إدخالهم للزيارة، ومنع إدخال أية احتياجات للأسرى.
وبحسب والدة الأسير المحرّر، فإنّ عمليات التفتيش والانتهاكات التي يتعرّض لها أهالي الأسرى، كانت تتم رغم أنّ الصليب الأحمر يشرف على إدارة هذه الزيارات، وهي لا تراعي الظروف الصحية للكثير من الأهالي، فضلاً عن الترهيب بالقوة العسكرية.
وتخطّط أبو عيشة لإتمام مراسم زواج نجلها محمود، بعد انتهاء شهر رمضان مباشرة، كونه لم يتزوّج نتيجة اعتقاله في سنّ مبكرة من قبل جنود الاحتلال، إذ تأمل العائلة أن تتم مراسم الفرح بنجلها خلال الفترة القريبة المقبلة، لمنحه مزيداً من الاستقرار الاجتماعي.