رجل المترو اسم أصبح يطلق على مواطن مصري اختار التعبير عن تضامنه مع أهل غزة على طريقته، من خلال ارتداء قميص قصير الأكمام يحمل ألوان علم فلسطين، وحمل حقيبة حمراء اللون تكمل شكل العلم، خلال ذهابه إلى العمل، أو خلال قضاء حوائجه اليومية.
يرفض "رجل المترو" الكشف عن اسمه الحقيقي، قائلاً في حديثه لـ "العربي الجديد": "ما أفعله يتحدث عن نفسه، ولا يحتاج إلى شرح أو تفسير، إلا إذا كنتم تريدون تعريضي للخطر بسبب ذلك". يضيف: "عرفني بعض الشباب بعد ملاحظة تكرار ظهوري بهذا الزي، وحاول بعضهم تصويري بعدما لاحظوا ذلك، فطلبتُ عدم إظهار وجهي، أو الإشارة لاسمي. أطلقوا علي اسم رجل المترو لأنني أستخدم مترو الأنفاق في معظم تنقلاتي مرتدياً علم فلسطين".
يظن الرجل أن ما يفعله حيلة رمزية لن يلاحظها إلا المدقق، وخصوصاً حين يحمل الحقيبة الحمراء، ويعتبر أنها ستنطلي على السلطات التي توقف المارة من حاملي الأعلام حول الميادين وأماكن التجمعات المفترضة ومقار الأحزاب المعارضة، كما تفتش أغراض هؤلاء المارة، وخصوصاً من يحمل علم فلسطين منهم، على الرغم من أن الأعلام ظلت تباع بشكل اعتيادي في الشوارع والميادين، وارتفعت أسعارها نتيجة الإقبال عليها.
حاك رجل المترو قميصه بنفسه، هو الذي يعمل في هذا المجال بعد عمله الأساسي صباحاً، وهو يرى أن التضامن مع الفلسطينيين، وخصوصاً أهل غزة، واجدب على كل مصري خصوصاً، وعلى كل إنسان على وجه العموم.
وبات التعاطف مع فلسطين شأنا علنياً في مصر مجدداً، ويسعى الناس إلى التنفيس عن غضبهم ضد العدوان الإسرائيلي وإبداء التضامن مع الفلسطينيين. خرج المصريون إلى الميادين والجامعات تعبيراً عن تضامنهم، ثم فرضت حلقات الحصار كما جرت العادة، وأُغلق المجال أمام التعبير بالتظاهر.
عمد البعض إلى التعبير عن مشاعرهم الغاضبة والمتضامنة من خلال وضع رموز على السيارات ووشوم على الأجساد ومنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويُقبل مصريون على إظهار مشاعرهم حيال القضية الفلسطينية بما تحول إلى "أسلوب حياة"، على الرغم من محاولات "التضييق والملاحقة" التي يستشعرها البعض مؤخراً.
لجأ مصطفى حسين، وهو مدير في إحدى شركات التسويق العقاري، إلى حيلة أخرى لإظهار تضامنه العلني في الشوارع من دون التعرض للأذى. ألصق على سيارته اسم فلسطين بشكل واضح وجميل، بالإضافة إلى أشكال أخرى للعلم الفلسطيني على مؤخرة السيارة.
يقول حسين لـ "العربي الجديد": "أزلت ملصقات شبابية اعتدت وضعها على السيارة، ووضعت ملصقات تشير إلى فلسطين مثل العلم والاسم. أحاول أن أقوم بشيء يشعرني بأنني أفعل شيئاً لإخواني الذين يتعرضون للقتل يومياً من دون أن يفعل العالم شيئاً لإنقاذهم أو حمايتهم".
يبيع الشاب علي علام الذرة المشوية في منطقة وسط القاهرة، ومن دون أن يعبأ بأي خطر، غرس علم فلسطين إلى جوار علم مصر في عربة الشواء التي يتحرّك بها في مناطق التجمعات والميادين. يقول لـ"العربي الجديد": "لم يتعرض لي أحد بسوء، والناس يربتون على كتفي تشجيعاً، وأعطاني أمين شرطة عشرة جنيهات (0.3 دولار) تقريباً في مقابل عرنوس الذرة الذي يبلغ سعره سبعة جنيهات، وقال لي إنه سيترك لي الباقي لأنني شجاع وجدع وأضع علم فلسطين. الحقيقة أنني لم أواجه مشكلة إطلاقاً بسبب علم فلسطين".
تخطى الأمر الكبار إلى الفتية والصغار بمختلف أعمارهم، فاختار عمر هاشم، وهو طالب بالمرحلة الإعدادية في إحدى مدارس الجيزة، رسم وشم على ذراعه باسم فلسطين. ويقول ضاحكاً لـ "العربي الجديد": "أدرك أنه حينما يأتي الشتاء، سأرتدي ملابس ثقيلة بأكمام طويلة، لكنني سأحرص رغم ذلك على إظهار ذراعي لإبراز اسم فلسطين، حتى لو شعرت بالبرد، ينبغي أن أشارك أشقاءنا في غزة آلامهم، ولن يعنيني قليل من البرد، فهم سيحل عليهم الشتاء بينما هم بلا مأوى بعد أن هدمت إسرائيل منازلهم".
اعتاد الطفل عمر قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وضع الوشوم اللاصقة على جسده، والتي تضم صور المشاهير أو العبارات المتداولة الشهيرة، لكنه يقول: "تغيرت الأوضاع. الآن لا وقت إلا للجد. فلسطين في حرب".
يستشعر الجيل الأصغر سناً بدوره حالة التضامن الكبيرة التي يعبر عنها الكبار، ويقلدونها. أصبحت هدير محمود، وهي تلميذة في الصف الثاني بالمرحلة الابتدائية، ماهرة في رسم علم فلسطين في دفاتر الرسم الخاصة بها، وبعدما تنتهي هدير من رسم العلم الفلسطيني، تضع قلبين في وسط، ثم تقبله، وهي أيضا تلصقه على ألعابها، حتى صارت كل دمية تحمل علماً لفلسطين.
تقول والدتها رحمة عماد لـ "العربي الجديد"، إنها باتت تردد دائماً أغنيتها المفضلة: "أنا دمي فلسطيني... فلسطيني"، بعد ان كانت تردد أغنيات المهرجانات ذات الكلمات والألحان الغريبة، والتي كانت منتشرة بين الكثير من الأطفال قبيل عملية "طوفان الأقصى" في الشهر الماضي.
وساهم التضامن مع الفلسطينيين في إحياء بعض الأعمال الهامشية، ومن بينها بيع الأعلام والكوفيات الفلسطينية، كما انتعش عمل محترفي الخط العربي ورسم الخرائط يدوياً. ويؤكد حمادة سعيد، وهو صاحب متجر صغير لبيع الأغراض الشخصية والإكسسوارات في القاهرة، أن الإقبال كبير على الكوفيات وأساور المعاصم وحقائب اليد والكتف التي تحمل رموزاً فلسطينية، موضحا لـ"العربي الجديد"، أنه يمكن أن يربح المزيد من المال لو أراد عبر رفع الأسعار. لكنه يفضل "التنازل عن جزء من الربح لدعم القضية. الورش ومشاغل الخياطة والتطريز باتت كلها تعمد إلى إنتاج المستلزمات الشخصية من حقائب وأوشحة ورموز فلسطينية".
بنفس النبرة الحماسية، يقول الخطاط عباده محمود، لـ "العربي الجديد"، إن إقبال طلاب المدارس على رسم خرائط ولوحات تتعلق بفلسطين تزايد بشكل ملحوظ، ما يجعله لا يكاد يتوقف عن العمل. يضيف أنه كان في إمكانه زيادة المال الذي يطلبه في مقابل أعماله كما يحدث في بعض المواسم، مثل الانتخابات، غير أنه لم يفعل ذلك، لأن "فلسطين تستحق التنازل عن بعض المال لتشجيع الجيل الجديد على اقتناء كل ما يخص قضية العرب الأولى".