على الرغم من استمرار تسجيل أكثر من 20 ألف حالة إصابة بفيروس كورونا في روسيا يومياً، إلا أنّ تلاميذ المدارس بكلّ مراحلها عادوا، منذ يوم الإثنين الماضي، إلى نظام الدراسة حضورياً. هذا الأمر زاد من مخاوف ارتفاع عدد المصابين بكورونا بين المعلمين الروس، لا سيما بين الفئات العمرية والصحية الأكثر عرضة لمضاعفات الفيروس. وبحسب أرقام وزارة التعليم الروسية، فإنّ أكثر من 97 في المائة من تلاميذ المدارس الروسية (16.3 مليون تلميذ)، عادوا إلى نظام الدراسة حضورياً منذ 18 يناير/ كانون الثاني الجاري.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير القانوني بنقابة "المعلم" المستقلة الروسية يوري فارلاموف إلى أنّ عودة المدارس إلى نظام الدراسة حضورياً سيرتقي بمستوى التعليم، لكنّه قد يزيد من المخاطر الصحية على المعلمين. ويقول فارلاموف في حديث لـ"العربي الجديد": "يجب الفصل بين تأثير عودة التلاميذ إلى المدارس على جودة التعليم من جهة، وصحة المعلمين من جهة أخرى. صحيح أنها تؤثر إيجاباً على العملية التعليمية، إذ إنّ المدارس لم تكن جاهزة للانتقال إلى نظام التعليم عن بُعد في الربيع الماضي، ويُمكن تفهّم استياء أولياء الأمور، لكن من جهة أخرى، هناك مخاوف على صحة المعلمين بعد استئناف الدراسة حضورياً، وخصوصاً أنّه لم يتضح بعد ما إذا كانت هناك مخاطر جانبية لأخذ اللقاح ضد كورونا أم لا". يضيف: "إجراءات الوقاية في المدارس ليست موجهة لحماية المعلمين، إذ إنّ الأطفال لا يرتدون كمامات طبية، ومن المستحيل إلزامهم بارتدائها طوال اليوم او إقناعهم بأنّ التعقيم بشكل دوري ضروري لهم، وليست هناك من إمكانية للالتزام بالتباعد الاجتماعي في الفصول الدراسية".
وفي ما يتعلق برؤيته للصورة الصحيحة للإجراءات التمهيدية التي كانت واجبة قبل استئناف الدراسة، يشرح: "كان ينبغي الكشف بصورة علنية عن نتائج اختبارات اللقاح المضاد لكورونا، ثم جعل التطعيم إلزامياً، وبدء الدراسة بعد مرور شهرين وتقديم اللقاح لنصف المعلمين على الأقل، مع إعفاء من لديهم موانع من التطعيم".
في المقابل، يقلل فارلاموف من مخاطر الإصابة بين التلاميذ بعد استئناف الدراسة حضورياً، قائلاً: "حتى طوال الفترة الماضية بقي التلاميذ، من الصف الأول حتى الخامس، يتعلمون حضورياً، حتى يتمكن أولياء أمورهم من الذهاب إلى العمل. كما أنّ كورونا في حدّ ذاته لا يشكل خطراً على صحة الأطفال، لكنهم قد ينقلون العدوى إلى المعلمين في ظلّ عدم توفر إجراءات الوقاية الكافية. كما أنّه يتم تحويل الفصل بكامله للحجر الصحي، وتحويل نظام التعليم إلكترونياً عن بُعد، في حال اكتشاف إصابة واحدة به".
وبالتزامن مع هذا القرار، فرح التلاميذ لعودتهم إلى المدارس بدلاً من الجلوس أمام شاشات الحاسوب بالمنازل. واستطلعت صحيفة "إزفيستيا" الروسية آراء عدد من التلاميذ، وأولياء الأمور، والمعلمين. تقول تلميذة بالصف الحادي عشر، تدعى ألكسندرا: "لم نعد معتادين على جوّ المدرسة، كانت هناك فقط شاشة الحاسوب، والآن نعود مرّة أخرى إلى فصول الدراسة بشكل شبه طبيعي". أما أستاذة اللغة الروسية بإحدى مدارس موسكو سفيتلانا أنيتشينا، فتقول: "بالطبع، لم يعد كثيرون معتادين على الاستيقاظ مبكراً، ولم يكونوا نشيطين أثناء الدرس في الحصة الدراسية الأولى، يوم الاثنين، لكنّ كل شيء أصبح طبيعياً في اليوم التالي، أي يوم الثلاثاء. حتى الآن لا يتمكن جميع التلاميذ خلال الصف من الالتزام بالدور للإجابة عن الأسئلة واتباع قواعد الصف، إذ إنّ الجميع يريدون المشاركة، لكن هذه المشكلة قابلة للحلّ". بدورها، أكدت ألكسندرا إس، وهي والدة أحد تلاميذ الصف التاسع، أنّ الأسبوع الأول من التعليم حضورياً مرّ في جوّ هادئ نسبياً، والأسرة لم تواجه صعوبات مع ترتيب التجهيزات للمدرسة".
ومع الانحسار التدريجي للموجة الثانية من جائحة كورونا، وتوسع نطاق حملة التطعيم، تشهد روسيا مزيداً من تخفيف إجراءات مواجهة الفيروس. إذ أعلنت رئاسة بلدية موسكو ووزارة الثقافة الروسية إعادة افتتاح المتاحف والمكتبات في العاصمة، اعتباراً من يوم الجمعة 22 يناير/ كانون الثاني الجاري، شرط ألا يزيد عدد الزوار عن 50 في المائة من الطاقة الاستيعابية. كما تقرر السماح بزيادة الحدّ الأقصى من المشاهدين في المسارح، ودور العرض، وقاعات العروض، وغيرها من المؤسسات الثقافية والترفيهية في موسكو من 25 إلى 50 في المائة من الطاقة الاستيعابية.
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، أعرب رئيس منظمة "تحالف حماية الأطباء" سيميون غالبيرين، عن أمله في أن تساعد حملة التلقيح العام، التي انطلقت أخيراً، في الحدّ من حالة الخوف والذعر السائدة بين المواطنين منذ شهر مارس/ آذار الماضي، وفي عودة الحياة اليومية إلى طبيعتها، وتبرير إلغاء القيود أمام الرأي العام.