يُنظر في الصين إلى زواج الأقارب (أولاد وبنات العم والعمة) على أنّه من أشكال سفاح القربى، وظلّ لعدة قرون شيئاً مستهجناً ومنبوذاً في المجتمع الصيني، حتى جُرّم ومُنع في شكل صارم قانونياً في ثمانينيات القرن الماضي.
تعود جذور الاستهجان المجتمعي إلى فلسفة كونفوشيوس التي وضعت الأقرباء في إطار من التآخي لا يستقيم معه الزواج والارتباط. وفي عهد أسرة مينغ (1368 - 1644)، جرى تشديد ذلك حيث كان يُقطع رأس الرجل الذي يتزوج ابنة عمه، ومن يتزوج أرملة أخيه يُحكم عليه بالإعدام شنقاً.
وفي عام 1981، دخل قانون الزواج في جمهورية الصين الشعبية حيز التنفيذ، وحظر جميع الزيجات بين أبناء العمومة من الدرجة الأولى. وكان الغرض من ذلك تجنب العيوب الخلقية التي تنجم عن زواج الأقارب. ولدى تقديم مشروع القانون إلى البرلمان للمصادقة عليه، جرى توضيح أنّ تنفيذ سياسة الطفل الواحد سيخلق عدداً أقل من الأطفال، ما يحتم إيلاء مزيد من الاهتمام لنوعية السكان.
يوضح الباحث في معهد الجنوب للدراسات التاريخية، جيانغ تسي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن العديد من الثقافات والمجتمعات الآسيوية القديمة كانت تستهجن الزواج بين الأقارب، خصوصاً المرتبطين بصلة الدم لجهة الأب كأبناء العمومة، وكانت الإمبراطورية الصينية القديمة محكومة بهذا الإطار من العرف والعادات الاجتماعية، حيث كانت الكونفوشيوسية الأيديولوجية السائدة منذ القرن الثاني قبل الميلاد، وكانت تحكم وتنظم العلاقات بين الناس، وبالتحديد أبناء قومية الهان الذين يمثلون اليوم حوالي 92 في المائة من سكان الصين. لكن هذه الممارسة الزوجية كانت شائعة بين عدد من القوميات غير الهان التي تعيش في محيط الصين، مثل شعوب آسيا الوسطى والمغول والمانشو.
وبعد فترة وجيزة من غزو المانشو للصين وتأسيس سلالة تشينغ عام 1644، بدأت الشائعات تنتشر بأن الإمبراطورة الأرملة تزوجت من الوصي على العرش (ابن الإمبراطور المتوفي من زوجته الأولى)، ما مثل أول صدام ثقافي بين الغزاة والسكان الأصليين. وبمرور الوقت، خضع أبناء المانشو لأطباع الهان الذين يفوقونهم عدداً، وتجاوزوا هذه العادات، وباتوا ينظرون إليها على أنها أمر مستهجن ويخالف العرف السائد".
تقول الباحثة الاجتماعية لورا تشين، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إن "الزواج بين أبناء العمومة من الدرجة الثانية كان مسموحاً وشائعاً في الصين خلال القرون الماضية، وإن بدرجات متفاوتة، لكن ما كان ممنوعاً منعاً باتاً هو الزواج بين أبناء العمومة المتوازين من الأب أي أبناء شقيقين من الذكور، حيث كان يُنظر إليهم على أنهم أشقاء لأنهم يحملون اسم عائلة واحدة، ويتحدرون من جد واحد.
تضيف: "في المقابل، كان الزواج بين أبناء وبنات الخال والخالة أمراً محبذاً لأنه يعزز العلاقات الأسرية، خصوصاً أن صلة القرابة لا تقترن بالدم لجهة الأب".
وتوضح أن "محددات العلاقة كانت تتوقف على مدى صلة الدم، وكان ذلك يُقاس بمعيار القرابة بين الذكور ويستثني الإناث، لذلك كان شائعاً خلال فترة السلالات الحاكمة أن يتزوج الشاب من خالته، باعتبار أنهما لا يرتبطان بصلة الدم، وتتحدث رواية صينية كلاسيكية، عنوانها "قناديل مبللة"، عن زواج وريث للعرش قاصر من خالته، وإنجاب طفل منها أصبح إمبراطوراً، ما يشير إلى أن الزواج من الخالة كان أمراً مقبولاً اجتماعياً في التاريخ الصيني".
وتخبر لي تشو بينغ، وهي طالبة بجامعة شينزن، "العربي الجديد"، أنّها تعتبر منذ تفتّح وعيها ابن عمها أخاً لها، وأنّها نشأت معه في بيئة ومنظومة اجتماعية ترفض أيّ اتصال جسدي بين الأقرباء من طرف الآباء.
وتقول: "شعرت بالغثيان حين علمت للمرة الأولى أنّ الشاب يمكن أن يتزوج ابنة عمه في مجتمعات أخرى، وأسأل: كيف لهما أن يتزوجا وهما ينحدران من أبوين شقيقين، وجد واحد؟ لا أصدق ذلك، خصوصاً أنّ أمراضاً خَلقية كثيرة لها علاقة بهذا الأمر، كما تحرّم بعض الأديان زواج الأقارب، وتدعو إلى تجنبه منعاً لاختلاط الأنساب والتلوّث الصحي والاجتماعي الذي قد ينجم عن ذلك".
وتشير السجلات الصينية إلى أنّ أول قانون للزواج أقرّ عام 1950، أي بعد عام واحد من إنشاء الجمهورية الشعبية. وسمح حينها باتباع الناس "العرف والعادات" في ما يتعلق بالزواج بين الأقارب في حدود خمس درجات من القرابة. وبعد تعديل القانون عام 1980، جرى حظر جميع الزيجات بين أبناء العمومة من الدرجة الأولى، وأبقى آخر تنقيح لقانون الزواج الحالي عام 2001 على حظر الزواج بين أبناء العمومة من الدرجة الأولى، وهو ما زال ساري المفعول حتى اليوم.