استمع إلى الملخص
- الآثار الصحية والنفسية: يؤدي زواج القاصرات إلى مشاكل صحية ونفسية خطيرة، مثل مخاطر الحمل المبكر والحرمان من التعليم والطفولة، مما يؤثر على بناء الشخصية المستقبلية للفتيات.
- التحديات القانونية: يحق للمرأة القاصر طلب التفريق إذا تم الزواج دون موافقتها، لكن هناك ضغوط لتعديل القانون للسماح بزواج الفتيات في سن الـ15، مما يثير جدلاً واسعاً في العراق.
يصف خبراء قانونيون واجتماعيون في العراق زواج القاصرات بأنه "جهل"، ويقولون إنه لو كان يدرك أولياء أمورهن أهمية التعليم، فسيُفكرون به "باعتباره حصناً وحماية للبنت أفضل من الزواج بهذا العمر"، لكن الظاهرة موجودة وقد تتعزز قانونياً
يُرهق استمرار ظاهرة زواج القاصرات المجتمع العراقي، خصوصاً في المدن والأرياف البعيدة، بسبب ما تخلّفه من مشاكل كثيرة، أبرزها الطلاق، والوفاة أثناء الولادة، وتسجيل حالات انتحار وهروب لمتزوجات قاصرات من منزل الزوج.
ووفقاً لتقرير أصدرته الأمم المتحدة عام 2022، تزوجت أكثر من رُبع النساء العراقيات دون سن الـ18، ما يعادل امرأة متزوجة من كل أربعة. أما المديرة العامة لدائرة التنمية في وزارة التخطيط مها عبد الكريم فأكدت أن عدد المتزوجات دون سن الـ15 ارتفع من نسبة 7.2% عام 2018 إلى 9.9% عام 2021. وربطت عبد الكريم هذه النسب بقلة التعليم، والوضع المعيشي السيئ، والعادات والتقاليد، إذ "لا يزال رب الأسرة يرى أن المكان المناسب للمرأة هو بيت الزوج حتى إذا لم ترغب بذلك، في حين أنه يفترض أن تمنح حق تقرير مصيرها في سن البلوغ".
تزوجت سارة (اسم مستعار) حين كانت طالبة في المدرسة، بعدما أجبرت على ترك دراستها والذهاب إلى منزل زوجها الذي كان يكبرها بـ15 عاماً. وتقول لـ"العربي الجديد": "لم أكن أريد أن أتزوج، لكن أخي أجبرني على الزواج بصديق له كي يتنازل عن مبلغ من المال استلفه أخي منه قبل سنتين، ولم يستطع رده. وبعدما تزوجت أنجبت طفلتين، لكن طموحي تحطم، وسُلِبت طفولتي".
وتعلّق الباحثة الاجتماعية نهلة العابدي بالقول لـ"العربي الجديد" إن "قصة سارة تؤكد حجم الصعوبات الاقتصادية في المجتمع العراقي بالنسبة إلى الطبقات الفقيرة التي تقطن في القرى والأرياف، والتأثير السلبي الكبير لابتعاد سكانها عن التحضر والتطور اللذين يزيدان قوة المرأة وقدرتها على الرفض والإصرار على مواصلة دراستها وحياتها".
تتابع: "لا يمكن أن تقدم فتاة تعيش في الريف أمام قاضٍ أو الشيخ شكوى ضد منع ذويها إياها من رفض الزواج، وتضطر إلى السكوت والخضوع خوفاً مما يمكن أن يحصل لها. وفي العموم يتسبب زواج القاصرات في آثار سلبية عدة، خصوصاً على الصعيد النفسي بسبب حرمانها من التعليم، ومن أهم مرحلة في حياتها المتمثلة في الطفولة والمراهقة اللتين تبني فيهما شخصيتها المستقبلية".
وتقول نهى أحمد، وهي أرملة أم لأربعة أولاد في سن العشرين لـ"العربي الجديد": "والدي شيخ عشيرة كبيرة، جنوبي بغداد، وهو متشدد دينياً وعقائدياً، ولم يسمح لي ولشقيقتي الاثنتين بدخول المدرسة، خوفاً من الاختلاط والخروج من المنزل. والمكان الوحيد الذي كان يسمح لنا بالذهاب إليه هو المراقد الدينية. وعندما بلغت 13 من العمر طلب مني والدي الزواج بشاب تقدم لي. حينها لم أكن أعرف معنى الزواج، لكنني كنت أريد التخلص من تعصّب والدي فقبلت التزوج. وبعدما أنجبت أربعة أولاد قتِل زوجي أثناء تأديته الواجب الوطني في معركة ضد تنظيم داعش".
وعن الأضرار الصحية الناجمة عن زواج القاصرات تقول الدكتورة هالة السوداني لـ"العربي الجديد": "أول ما تعانيه الفتاة عند زواجها قبل سن الـ18 هي الأضرار الصحية بسبب عدم اكتمال نموها الجسدي، وعدم تهيئتها بدنياً وعاطفياً للحمل. من هنا تكون عرضة للخطر الذي قد يؤدي أحياناً إلى الإجهاض أو وفاة الجنين أو الأم. وهناك أمراض ترافق الحامل، بسبب تكرار عملية الحمل والإجهاض".
وقانونياً يحق أن تقدم المرأة القاصر دعوى تفريق إذا حصل عقد الزواج من دون موافقتها، أو من دون نيل إذن من القاضي، عبر إبرام عقد خارج المحكمة يُعرف بعقد الملا. ويكفل القانون هذا الحق لها، بحسب ما يقول المحامي محمد الطائي الذي يصف في حديثه لـ"العربي الجديد" زواج القاصرات بأنه "جهل".
ويتحدث المحامي زيدون الأسدي لـ"العربي الجديد" عن أنه "يحق للقاصر طلب التفريق، إذ جرى تزويجها من دون موافقتها، أو من دون موافقة قاض في المحكمة، أي من خلال عقد رجل دين. والأكيد أن زواج القاصرات أحد أنواع الجهل الذي يسود المجتمع، والكارثة أن هناك ضغطاً كبيراً كي يقر مجلس النواب العراقي تعديلات على قانون الأحوال الشخصية قد تُعرّض شريحة كبيرة من الإناث للزواج القسري في عمر مبكر، أو قبل إنضاج فكرة الزواج لديهن، باعتباره مشروعاً لتكوين أسرة لدى هذه الفئة العمرية".
ويوضح أن فقرات القانون الحالي تعتبر أن عمر الـ18 يمنح الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج، ما يعني أن طرفي عقد الزواج يتمتعان بأهلية مع تمام العقل، لكن ما يجري الآن في أروقة البرلمان بشأن تعديل القانون يتجاهل النظر إلى المستوى الاجتماعي والعقلي الذي يؤهل شخصاً ما للزواج، بحسب العرف الساري في غالبية المناطق العراقية، وهو زواج الفتاة في عمر 9 سنوات".
وأجريت القراءة الأولى لمشروع قانون الأحوال الشخصية في مطلع أغسطس/ آب الماضي، لكن لم يجر التصويت عليه في شكله الرسمي أو النهائي من قبل البرلمان، بسبب الاحتجاجات على مستوى البلاد.
وفي 3 سبتمبر/ أيلول الماضي، حاول البرلمان العراقي إجراء قراءة ثانية لمشروع القانون، لكن أعضاء البرلمان المعارضين نفذوا حملة مقاطعة نجحت في كسر النصاب القانوني. ويؤكد البرلمان أنه يمضي في تشريع القانون الذي يمنح ولي الأمر سلطة تزويج ابنته أو اخته في سن الـ15 أو أكثر، وهذا البند يثير الجدل الأكبر في العراق، بسبب رفض كثيرين له، لكن قوى دينية في التحالف الحاكم "الإطار التنسيقي" تواصل دعم تمريره.