سرقات بريطانيا... غنائم مذهلة للعصابات من شاحنات الطعام

28 أكتوبر 2022
تباع المنتجات المسروقة بأسعار أقل في المتاجر (الأناضول)
+ الخط -

تزيد تكاليف المعيشة الباهظة في بريطانيا عدد السرقات بمختلف أنواعها، وأبرزها حالياً منتجات الطعام التي تنقلها الشاحنات الثقيلة. ووجد تقرير أصدرته وزارة الداخلية عن "منع جرائم الشاحنات" عام 2021، أن جرائم الشحن البري تكلّف الاقتصاد البريطاني 250 مليون جنيه إسترليني (282 مليون دولار) سنوياً، وتوقّع أن تتفاقم المشكلة مع تحرك مزيد من السلع الغذائية العالية القيمة عبر سلسلة التوريد. 
وبالفعل ارتفع بسرعة كبيرة عدد جرائم الشحن. وحدد تقرير نشرته صحيفة "آي" البريطانية في الأسبوع الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، قيمة غنائم هذه الجرائم بـ700 مليون جنيه (791 مليون دولار) على الأقل سنوياً في المملكة المتحدة. ولفت إلى أنّ عصابات الشاحنات الثقيلة تعيد بيع البضائع المسروقة إلى سلسلة التوريد الشرعية، مع هوامش ربح "مذهلة"، فيشتري المتسوقون من دون علمهم بضائع مسروقة من محلات السوبر ماركت. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

في الواقع، حوّلت أزمة تكلفة المعيشة استراتيجيات لصوص الشاحنات إلى سرقة الطعام بشكل أكبر من السابق، ففي الماضي كان الناس يبحثون في السوق السوداء عن أدوات مسروقة عالية القيمة، مثل الهواتف الذكية، والملابس ذات العلامات التجارية، والمستحضرات الصيدلانية، واليوم بات يُنظر إلى سرقة كميات كبيرة من الطعام والشراب على أنّها منتجات مربحة، فيمكن أن تحمل شاحنة واحدة حمولة تزيد قيمتها عن مليون جنيه (1.13 مليون دولار). وخلال الأشهر الـ18 الماضية، شملت المنتجات التي سرقتها عصابات بكميات كبيرة في بريطانيا التونة المعلبة، وحليب الأطفال، والعلكة، والجبنة، والحليب، والويسكي، والفودكا، ومساحيق للغسيل، ومنتجات صحية، ومستحضرات تجميل، والتبغ... 
وتكلّف هذه الجرائم المملكة المتحدة نحو 1.17 مليار جنيه إسترليني (1.32 مليار دولار) سنوياً، وفق ما كشفت مؤسسة "منع الجريمة" الخيرية التي أشارت إلى أنّه يمكن التعرّف على الطعام أو الشراب المسروق من خلال السعر الذي يكون أرخص من المعتاد، فمثلاً يباع الكحول الرخيص عبر الإنترنت، وأقراص التخسيس التي قد تحتوي على مواد كيمياوية سامة، كمكملات غذائية لفقدان الوزن. لذا تبدي السلطات قلقها على سلامة الناس، لأنّ سرقة شاحنات الطعام قد تؤدي إلى بيع طعام أو شراب غير آمن، بسبب سوء التخزين أو انتهاء الصلاحية. وهذا النشاط الإجرامي المتعلق بإنتاج أو توفير الطعام والشراب بطريقة خطرة، يمكن أن يسبب المرض أو الموت في أسوأ الحالات.
في السياق، يرد رئيس الوحدة الوطنية لمكافحة جرائم الغذاء في "وكالة المعايير الغذائية"، دارين ديفيز، على سؤال وجهته "العربي الجديد" عن كيفية حماية المستهلك من شراء بضائع مسروقة قد تضرّ بصحته، ويقول: "قد يصعب اكتشاف المستهلكين والشركات الشرعية الاحتيال في الغذاء، لذا يجب الحذر من الطعام والشراب الذي يكلّف أقل مما يتوقّع، أو من شخص لم تتعامل معه من قبل. وإذا بدا السعر جيداً بدرجة يصعب تصديقها، يحتمل أن يكون مسروقاً".
يضيف: "جرى دعم معايير الطعام العالية التي تتمتع بها المملكة المتحدة إلى حد كبير خلال فترة صعبة للغاية بالنسبة إلى نظام الغذاء. ونحن يقظون دائماً ونتخذ الإجراءات اللازمة مع الشركاء للتصدي للاحتيال الغذائي من أجل حماية المستهلكين، والحفاظ على سلامة الأغذية والمعايير العالية".

تجلب سرقات شاحنات الطعام الثقيلة أموالاً كثيرة لعصابات (جوستن تاليس/ فرانس برس)
تجلب سرقات شاحنات الطعام الثقيلة أموالاً كثيرة لعصابات (جوستن تاليس/ فرانس برس)

إلى ذلك، يوضح، مكتب إعلام وكالة المعايير الغذائية، لـ "العربي الجديد" أنّ جميع شركات المواد الغذائية يجب أن تثبت مصدر الطعام الذي تعدّه وتبيعه، وفي حال لم يحصل ذلك تجري السلطة المحلية مزيداً من التحقيقات، تمهيداً لاتخاذ إجراءات تنفيذية. وإذا لم يتوافق المنتج مع متطلبات سلامة الأغذية، يحذف من السلسلة الغذائية.
وخلص تقرير أصدرته هذه الوكالة إلى أنّ المملكة المتحدة حافظت على معايير الغذاء إلى حد كبير، رغم الضغوط الكبيرة الأخيرة على النظام الغذائي، لكنّه حذر من التحدّيات المقبلة. 
وأوردت صحيفة "آي" أنّ "غالبية المنتجات المسروقة تُعرض بسرعة على مواقع الإنترنت، مثل فيسبوك وغامتري وإي باي، وفي متاجر متنقلة ومتاجر الزاوية، وأحياناً تشق طريقها إلى رفوف المتاجر الكبرى". 

لا تحمل الأطعمة أرقاماً متسلسلة لتعقبها (ماتيو هوروود/ Getty)
لا تحمل الأطعمة أرقاماً متسلسلة لتعقّبها (ماتيو هوروود/ Getty)

ويقول ضابط الشرطة مايك دوبر، الذي يدير وحدة متخصصة في معالجة جرائم الشحن بدائرة استخبارات جرائم المركبات الوطنية، إنّ "البضائع المسروقة ينتهي بها المطاف أحياناً في متاجر كبيرة. وفي الواقع، يجني المجرمون في العصابات المنظمة أموالاً طائلة من خلال سرقة البضائع". 
أمّا ثورستن نيومان، رئيس جمعية حماية الأصول المنقولة (تابا) التي أسستها شركات التصنيع والشحن والخدمات اللوجستية لمكافحة سرقة البضائع، فيقول إن "سلاسل التوريد المعقدة تسمح بوصول البضائع المسروقة إلى محلات السوبر ماركت، من دون أن يدرك الناس ذلك. ويجري تقليل قيمة المواد الغذائية المنقولة غالباً، لكن حمولة شاحنة كاملة من جبن البارميزان أو الأسماك المجففة من النرويج، تساوي مليون يورو (980 مليون دولار). وباعتبار أن الأطعمة لا تحمل أرقاماً متسلسلة مثل الهواتف الذكية، تستطيع العصابات المنظمّة سرقة حمولة شاحنة كاملة من جبن البارميزان، وإعادتها إلى سلسلة التوريد الأصلية، وبيعها إلى مصنع آخر، وهذا أشبه بعملية غسل أموال، وعادة ما تكون البضائع المسروقة أرخص قليلاً من السوق، لكن ليس أرخص بكثير حتى لا يعرف الجميع أنها منتجات مسروقة". ويشير إلى أنّ "هامش ربح العصابات مذهل، فحالياً لا يكسب المجرمون 20 في المائة من السعر الحقيقي، بل 90 في المائة".

واللافت أنّ عدد عمليات سرقة الطعام قفز عالياً عن عددها قبل ثلاث أو أربع سنوات، بسبب ارتفاع معدّل التضخّم في البلاد. وتلقت جمعية "تابا" تقارير عن سرقة بضائع من المملكة المتحدة خلال الأشهر الـ18 الماضية أكثر من أي دولة في القارة الأوروبية.

المساهمون