رغم تفشّي فيروس كورونا، تستمرّ أعمال التنقيب عن الآثار في مصر بوسائل غير مشروعة، بحثاً عن الثراء السريع. وخلال الأشهر الماضية، يقول خبراء في هذا المجال إن هذه الأعمال زادت نتيجة تداعيات كورونا، وتراجع الأحوال الاقتصادية وقطع أرزاق عدد كبير من أصحاب العمالة الموسمية، الأمر الذي دفعهم إلى البحث عن الآثار على أمل العثور على قطع ثمينة يمكن بيعها. هؤلاء يُخاطرون بأنفسهم في ظل تصدع آلاف المنازل وانهيار بعضها فوق رؤوس الباحثين عن الآثار. من جهتها، حرّرت وزارة الداخلية المصرية مطلع مارس/ آذار الجاري ستة محاضر لـ 32 متهماً أثناء عمليات التنقيب غير الشرعية عن الآثار، وقادت بعض البلاغات إلى اكتشافات أثرية مهمة، في وقت يقول مسؤول فضل عدم الكشف عن هويته، إن الجهات الأمنية المسؤولة تتلقى يومياً بلاغات عن محاولات التنقيب غير الشرعية بحثاً عن الآثار في المحافظات المصرية، وخصوصاً المناطق القريبة من المواقع الأثرية. وخلال شهر مارس الجاري، تم تحرير محضر لـ 4 أشخاص، عثر في حوزتهم على تماثيل خشبية يتوقع أن تكون أثرية، اشتراها أشخاص قاموا بالتنقيب عن الآثار. وفي حي عين شمس شرق القاهرة، حرّر محضر بعد اتهام سبعة أشخاص بالتنقيب عن الآثار داخل منزل أحدهم. وفي المحافظة نفسها، وتحديداً في حي الخليفة، حُرّر محضر بعد اتهام شخصين بأعمال حفر بهدف التنقيب عن الآثار.
وفى محافظة السويس، حرر محضر لمالك منزل و7 آخرين أثناء التنقيب عن الآثار، ووصل بهم الأمر إلى إلقاء جثة زميل لهم بطريق السويس – القاهرة للتخلص منه بعد مصرعه خلال العمل. وفي محافظة سوهاج في صعيد مصر، تم تحرير محضر لـ 3 أشخاص أثناء التنقيب عن الآثار، وتم ضبط 18 قطعة يشتبه بأنها أثرية في حوزتهم. وفي محافظة الإسكندرية، تم تحرير محضر لـ8 أشخاص أثناء التنقيب عن الآثار في منزل أحدهم، وضبط إناء فخاري يشتبه في أنه أثري. المتهمون اعترفوا بالحفر بهدف البحث والتنقيب عن الآثار، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال تلك المحاضر.
في هذا الإطار، يقول المسؤول في مجال الآثار جمال ع. إن البلاغات التي يتم الإعلان عنها أثناء عمليات التنقيب عن الآثار، وإلقاء القبض على المتهمين، تكون بلاغات إما من الأهالي أو الأقارب، مؤكداً أن التنقيب عن الآثار موجود في مئات القرى وبصورة يومية، ويتم في سرية تامة. وهناك مئات القطع التي بيعت بالفعل، موضحاً أن رجال أعمال وشخصيات عامة ومسؤولين بشرطة الآثار وآخرين من العاملين في القطاع مسؤولون عن التنقيب والبيع. وعادة ما تهرب عبر منافذ رسمية إلى الخارج في مقابل رشاوى مالية كبيرة، موضحاً أنه لا توجد إحصائيات رسمية عن أعداد القطع الأثرية المصرية المهربة إلى الخارج، كونها تتم بسرية تامة.
من جهته، يقول الباحث الأثري أحمد عبد الوهاب، إن زيادة قضايا التنقيب عن الآثار بطريقة غير مشروعة خلال الفترة الأخيرة في المحافظات المصرية، ترتبط بارتفاع نسبة البطالة بين الخريجين، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها العائلات، بالإضافة إلى أزمة كورونا ومشاكلها الكثيرة التي أدت إلى إرتفاع نسبة البطالة. كما أنّ لدى البعض هوس البحث عن الثراء السريع، مشيراً إلى أن معظم عمليات التنقيب عن الآثار تتم في القرى والأرياف، وأكثرها موجودة في محافظات الصعيد، التي تقع في محيط المعابد والمتاحف رغم أنف القانون. ويلفت إلى أن بعض عمليات التنقيب تسفر عن وقوع عشرات الضحايا والمصابين، مشيراً إلى أن عملية البحث من الممكن أن تستمر أكثر من شهر من خلال استخدام معدات الحفر للوصول إلى الكنز في باطن الأرض.
يذكر أن قانون حماية الآثار الذي وافق عليه مجلس النواب في دورته السابقة، ينص على أنه يُعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه (63 ألفاً و600 دولار أميركي)، ولا تزيد عن عشرة ملايين جنيه (636 ألف دولار)، كل من حاز أو أحرز أو باع أثراً أو جزءا من أثر مصري (ما لم يكن في حوزته مستند رسمي يفيد خروجه بطريقة مشروعة)، بالإضافة إلى مصادرة القطعة الأثرية محل الجريمة، والحبس مدة لا تقل عن شهر، بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه (636 دولاراً)، ولا تزيد عن مائة ألف جنيه (6360 دولاراً) أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من تواجد في أحد المواقع الأثرية أو المتاحف من دون الحصول على تصريح، أو تسلق مكانا أثريا من دون الحصول على ترخيص. وتتضاعف العقوبة في حال ارتباط الفعلين السابقين بفعل مخالف للآداب العامة أو الإساءة للبلاد.