سلوكيات جديدة تطغى على جرائم الأقارب في ليبيا

26 أكتوبر 2024
تُرتكب اليوم جرائم غريبة في ليبيا (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

أوقفت أجهزة الأمن في ليبيا خلال الأسابيع الأخيرة عدداً من المتهمين بارتكاب جرائم استهدفت أقارب، وآخرهم شخص في مدينة سبها (جنوب) يشتبه في أنه قتل زوج خطيبته السابقة عبر حرقه وهو نائم. وأوضحت مديرية الأمن في سبها أن الجريمة ارتكبت في 26 أغسطس/ آب الماضي، وأن التحريات التي أجرتها وعمليات جمع الأدلة كشفت أن زوجة المجني عليه شاركت في الجريمة.
وفي بنغازي، ألقى جهاز البحث الجنائي القبض على مدمن مخدرات قتل والدته بعدما تشاجر معها. وأوضح الجهاز أن التحقيقات كشفت أن القاتل أبلغ الجيران بعد الواقعة بأنها توفيت إثر سقوطها من درج المنزل، لكنهم شككوا في روايته، وأبلغوا الجهات الأمنية عنه، ما أدى إلى اعتقاله واعترافه بارتكاب الجريمة.
وفي العاصمة طرابلس أوقفت مديرية الأمن شخصاً اتهمته بسرقة أكثر من ربع مليون دينار (52 ألف دولار) من منزل حماته بعدما قدمت الأخيرة شكوى ضده اتهمته بأنه سرق أموالها وفرّ. وأوضحت المديرية أن السارق اعترف بجنايته، وقال إنه خسر جزءاً من المبلغ ثم قرر الذهاب لأداء العمرة بما تبقى من المال من أجل التكفير عن ذنبه.
وتجاوزت جرائم الأقارب السرقة والقتل إلى المشاركة في تشكيل عصابات. ففي نهاية أغسطس الماضي اعتقلت فرق مديرية الأمن في بنغازي ثلاثة إخوة شكلوا عصابة امتهنت خطف عمال وافدين وابتزاز ذويهم للحصول على مبالغ مالية.
وبرزت ظاهرة جرائم الأقارب قبل سنوات ضمن ملف الحريات والانتهاكات، حين اهتزت البلاد بخبر قتل طفلة في السادسة من العمر بمدينة طبرق على يد زوجة أبيها. ولقيت هذه الحادثة اهتماماً مجتمعياً واسعاً، وقرر النائب العام سجن الجانية بعدما اعترفت خلال التحقيق بقتل الطفلة عبر الاعتداء عليها بالتعذيب والضرب بأداة صلبة.
وأثارت قضية الطفلة المغدورة في طبرق حفيظة الكثير من الحقوقيين والنشطاء، وكتب رئيس منظمة ضحايا لحقوق الإنسان،  ناصر الهواري، على "فيسبوك"، أن "جريمة قتل الطفلة ليست الأولى التي ترتكب في ليبيا، إذ ماتت أخريات تحت تعذيب زوجة الأب أو الأب نفسه من دون عقوبة، ومن الطبيعي أن تتكرر هذه الحوادث إذا لم تطبق عقوبات، ويجري تفعيل قانون حقوق الطفل".

الحروب والتهجير أثرّت على ردع الجرائم  (فتحي نصري/ فرانس برس)
الحروب والتهجير أثّرت على ردع الجرائم (فتحي نصري/فرانس برس)

وفي منتصف يونيو/ حزيران الماضي، ألقت أجهزة الأمن بمدينة مسلاته شرقي طرابلس القبض على شاب قتل شقيقه بالرصاص في يوم عيد الأضحى، بسبب خلافات عائلية. وفي مطلع الشهر  ذاته ألقت مديرية أمن مدينة مصراته شرقي طرابلس القبض على رجل قتل زوجته خلال محاولته الفرار إلى خارج المدينة بعد ساعات من الجريمة.
ويتحدث أستاذ الخدمة الاجتماعية المهتم بالقضايا الأسرية، خالد شنيب، لـ"العربي الجديد"، عن أن "العلاقات العاطفية أمر جديد في المجتمع الليبي، لكنها ترتبط أيضاً بسلوكيات مجتمعية على علاقة بنظرة العار والازدراء للشخص الذي يفشل في الارتباط بمن يرغبها زوجة له ما يدفعه إلى ارتكاب الجرائم. ويمكن أن يدفع الفقر بشخص إلى ارتكاب جريمة سرقة، لكن الجديد أن يشكل ثلاثة أشقاء عصابة لابتزاز أموال أو نشر مخدرات بين مراهقين ما قد يمهد لقتل أحدهم أحد أفراد الأسرة، لا سيما الأم".

ويشيد شنيب بتكثيف أجهزة الأمن نشر الإعلانات عن عمليات ملاحقة الجناة "لأنها روادع لا بدّ من المجاهرة بها من أجل المساهمة في تقليل انتشار الجرائم، لكن لا بدّ أيضاً من البحث عمّا وراء هذه الجرائم المستغربة إذا عرفنا أن تقاليد المجتمع الليبي لم تطبق لفرض القيود، وانحصر رد الفعل على نشطاء وحقوقيين. الذهنية المجتمعية التي كانت حتى وقت قريب تختزن العديد من الروادع والقيود تعرضت لهزات عنيفة بسبب الحروب والتهجير القسري وفقدان الكثير من الأسر عوامل المراقبة والرعاية والصلات الأسرية".
ويقول أستاذ علم الاجتماع وليد النيهوم، لـ"العربي الجديد"، إن "تعاطي المخدرات بشكل أكبر خلال السنوات الماضية، في ظل ضعف سيطرة القانون وغياب الدولة، أحد أسباب ارتفاع جرائم القتل. وفي أحيان كثيرة، تعجز الأجهزة الأمنية عن ملاحقة الجناة، خصوصاً إذا كان الجاني على علاقة بمجموعات مسلحة. ومن الأسباب أيضاً انتشار السلاح وسهولة الحصول عليه. ومن دون السيطرة على السلاح ومعاقبة كل من يملكه من دون ترخيص واحتكار الدولة له، ستستمر الظاهرة وتزداد".

المساهمون