سوريات الشمال من الأمان إلى "جهاد" الحياة

06 يوليو 2021
عمل السوريات بات ضرورة بعد الحرب (العربي الجديد)
+ الخط -

 

التغيير الذي طرأ على حياة السوريات بعد الحرب هو تغيير جذري على أسلوب حياتهن الذي يمكن القول إنه أخرج غالبيتهن من أمان البيت إلى فوضى الخارج التي قد لا يتأقلمن معها.

فرضت الحرب المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات في سورية واقعاً جديداً شمل كل المناطق، وأثر على جميع السوريين. وتبدو الصورة أكثر وضوحاً في الشمال والمناطق الخارجة عن سيطرة قوات النظام، خاصة محافظة إدلب التي أصبحت المنطقة ذات الكثافة السكانية الكبرى، وأكثرها تأثراً بالحرب. وجعل ذلك نساء كثيرات ينفذن مهمات لم يعتدن عليها في بيئة تحكمها قوانين الحرب، وتنشط فيها فوضى السلاح ومظاهر العسكرة.

رغم الواقع الصعب، شقّت النساء اللواتي فقدن أزواجهن أو معيلي عائلتهن الطريق، وأصبحن ربّات منزل يتحملن مسؤوليات إدارته وتأمين نفقات الأطفال وتعليمهم. وتحدّين في الوقت نفسه اختلاف النظرة الاجتماعية إليهن، وطوّرن خبراتهن حتى استطاعت كثيرات افتتاح مشاريع خاصة، وظفن فيها عمالاً من نساء ورجال.

حسناء المحمد، الأرملة والأم لأربعة أطفال والنازحة من مدينة حمص إلى مدينة سرمدا قرب الحدود مع تركيا، تقول لـ "العربي الجديد": "أنا المعيلة الوحيدة لأولادي. تدربت على الخياطة في أحد مراكز تعزيز قدرات المرأة، وعملت في حياكة الملابس، وإصلاح مقاساتها الكبيرة لتناسب الصغار، وتلك البالية من أجل إعادة استخدامها". تضيف: "وجدت في الفترة الأخيرة عملاً في ورشة لصنع الكمامات بأجر يومي مقداره نحو أربعة دولارات لمدة أربع ساعات يومياً، باستثناء الجمعة الذي أعمل فيه في إصلاح الملابس. أنا راضية عن نفسي وفخورة بأنني أزاول عملاً يُغنيني مع أولادي عن الحاجة، ومدّ يدي إلى الآخرين".

المرأة
التحديثات الحية

سلوى العلي، الأم لثلاثة أطفال والنازحة أيضاً من ريف حماة الجنوبي والتي تقيم في مخيم قرب بلدة كفردريان، تروي لـ "العربي الجديد" أنها اضطرّت إلى العمل بعد مرض زوجها وخضوعه لعملية فاشلة في عموده الفقري بعد إصابته بديسك وملازمته المنزل، ما جعلها مسؤولة عن الإنفاق على العائلة. تقول: "أعمل بأجر في صنع المونة، وأنفّذ مهمات مثل حفر قطع الباذنجان، وتيبيس الملوخية وصنع عصير الطماطم والمربّيات والمخلّلات. وأجر هذه الأعمال زهيد جداً، لكنه يؤمّن مصاريف العائلة، ويؤمن الأدوية التي يحتاجها زوجي".

وبخلاف حسناء وسلوى، لم تجد نوفة الباطي النازحة من بلدة كفرزيتا إلى بلدة قاح شمالي إدلب عملاً لإنفاق عائداته على أولادها الأربعة، بعدما اضطرّت إلى تحمّل عبء العائلة بعد وفاة زوجها خلال الحرب. وتقول لـ "العربي الجديد": "حاولت البحث عن عمل في المنظمات الإنسانية الموجودة شمال سورية، لكنني اصطدمت بعائق عدم امتلاكي شهادة دراسية تطلبها هذه المنظمات لفرص العمل التي تعلن عنها. والآن أعمل متطوعة مع أحد فرق التلقيح من أجل الاحتكاك بالمؤسسات العاملة على الأرض، وتعزيز فرصي في إيجاد عمل، وأيضاً كي أتجنب سلبيات الجلوس في المنزل الذي لن يجلب لي أي عمل في كل الأحوال".

يعملن في تحضير مونة في الغوطة الشرقية (لؤي بشارة/ فرانس برس)
يعملن في تحضير مونة في الغوطة الشرقية (لؤي بشارة/ فرانس برس)

توضح سميرة زعير، عضو لجنة التنسيق والمتابعة في شبكة المرأة السورية لـ "العربي الجديد" أن "ظروف الحرب السورية فرضت على نساء كثيرات أشكال حياة غير مألوفة أو مقبولة في بيئتهنّ. وبات العمل واجباً ويرتبط بسوء الأوضاع المعيشية في ظل الظروف القاسية وفقدان المعيل، ما جعل نسبة 33 في المائة من النساء معيلات لأسرهنّ و25 في المائة يُدرن بيوتهن بمفردهن. وقد دشنت بعض النساء أعمالاً خاصة، وجرّبت أخريات مختلف أنواع المهن، وبينها حتى البناء والكهرباء والتمديدات الصحية، وقيادة الجرارات وسيارات الأجرة".

وتكشف زعير أن دراسة أجرتها اللجنة في مايو/ أيار الماضي، وشملت 202 سيدة في مدينتي أعزاز بريف حلب وغازي عنتاب جنوب تركيا، أظهرت مطالبة أكثر من نسبة 90 في المائة من النساء بالحصول على عمل لم يتوفر فعلياً إلا لنسبة 14 في المائة منهن، معظمه بدوام جزئي. كذلك أفادت الدراسة بأن غالبية النساء يعتقدن بأن امتلاكهن مهارات مهنية سيسمح بحصولهن على فرص عمل في المستقبل، في حين قالت نسبة 79 في المائة منهن إن الصعوبات الاجتماعية وعدم توفر الدعم الخاص بالأمومة ورعاية الأطفال تشكّل أهم العوائق أمام وصولهن إلى سوق العمل، رغم محدودية الفرص والخيارات وتدني الأجور".

المرأة
التحديثات الحية

تضيف زعير: "لا يمكن وصف هذا التغيير بأنه واضح أو إيجابي أو سلبي، بل يتعلق بشخصية كل امرأة وظروفها. وهو قد يكون زاد من حرية بعض النساء في التنقل والتعبير عن الرأي واتخاذ القرارات، لكنه ترافق أيضاً مع غياب عوامل الأمان والراحة والاستقرار التي ترغب فيها النساء. وبعض نتائج هذا التغيير إيجابية، خاصة على صعيد إحساس النساء بفعاليتهن في المجتمع. أما طريقة حصول التغيير فلم تنشدها غالبية النساء، ما يعني أنه ليس ممنهجاً، ويرتبط بحالات فردية، وقد تتعلق استمراريته أو عدمها بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة".