سوريون عاجزون عن علاج أسنانهم

26 يونيو 2024
ضعف كبير في الإقبال على عيادات ومختبرات الأسنان في سورية (نذير الخطيب/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تكاليف علاج الأسنان في سوريا مرتفعة جدًا، مما يجعلها حكرًا على الأثرياء ويدفع الأشخاص ذوي الدخل المحدود للجوء إلى طرق بدائية لقلع الأسنان.
- الأزمة الاقتصادية أثرت بشكل كبير على قطاع طب الأسنان، مع تكاليف تصليح الأسنان التي تفوق رواتب الموظفين بأضعاف، مما يؤدي إلى تأجيل أو تجنب العلاج.
- هجرة أطباء الأسنان بحثًا عن فرص أفضل بسبب الأزمة الاقتصادية، مما ينذر بتدهور جودة الخدمات الطبية في سوريا ويقلل من إقبال المواطنين على العلاج.

لا يكترث سوريون كثيرون لحال أسنانهم حتى إذا آلمتهم بشدة. يقول جمال الحلبي لـ"العربي الجديد": "شرحت لي تلك الليلة معنى الوجع بدقة... لم أستطع النوم من شدة الوجع، وتوجهت في الصباح إلى عيادة أحد أطباء الأسنان. لم أكن حينها أفكر بالنقود، بل كان همي الوحيد التخلص من المطارق التي ضربت رأسي طوال الليل بعدما فشلت في تخدير الألم". هذه حال الحلبي جمال الذي يعاني مثل كثير من السوريين من وصول كلفة علاج سن واحدة إلى أكثر من مليون ليرة سورية (63 دولاراً)، ما جعل عيادات طب الأسنان حكراً على الميسورين، فيما عاد سوريون فقراء إلى اتباع طريقة القلع بالطرق التقليدية غير مكترثين بما قد ينجم عنها. 

يقول الحلبي: "لجأت مرات إلى تسكين ألم أسناني ببخاخ مخدّر مخصص لهذه الغاية، وبعدما أصبح ذلك غير مجدٍ لجأت إلى قلع سني باستخدام خيط، فراتبي لا يكفي لتسديد ثمن تصليحه، وأصبح علاج الأسنان يحتاج إلى ميزانية قد تحرم أطفالي الكثير من الأساسيات".
لم يستثنِ الغلاء المتسارع الذي طاول كل شيء في سورية قطاع طب الأسنان، وأصبح مجرد التفكير بعلاج الأسنان عند شريحة كبيرة من المواطنين أشد من ألم الأسنان ذاته. وقد يكلّف تصليح سن واحدة أكثر من ضعفي راتب موظف أو صاحب  دخل محدود، وربما يتعداه إلى 6 أضعاف، ما يجعل التفكير في الذهاب إلى عيادات الأسنان خياراً مؤجلاً وربما مستحيلاً لدى هذه الشرائح.
يقول طبيب الأسنان عاطف عامر لـ"العربي الجديد": "حال قطاع عيادات الأسنان ليس أفضل من غيره اليوم، إذ تأثر بالأزمة وبعدم قدرة المرضى وشريحة موظفي القطاعين العام والخاص على تأمين مصاريف العلاج التي أصبحت باهظة جداً".
يضيف: "بأقل تقدير اليوم يمكن تصليح سن واحدة بما لا يقل عن 250 ألف ليرة (16 دولاراً)، كما أن أسعار أطقم الأسنان المتحركة عالية، وتلك المنخفضة الجودة لا يقل سعرها عن مليوني ليرة (130 دولاراً)، لذا أصبح تصليح الأسنان من الجهود المضنية على الشرائح العامة في سورية كلها".
الذهاب إلى عيادات أسنان خيار مؤجل لسوريين كثيرين (نظير الخطيب/ فرانس برس)
الذهاب إلى عيادات أسنان خيار مؤجل لسوريين كثيرين (نذير الخطيب/ فرانس برس)
وعن إقبال الناس على العلاج في عيادات الأسنان، يشير عامر إلى أنه "ضعيف، والمهنة باتت بين ناري أسعار المواد المستوردة والفقر الذي يحيط بالمواطنين، كما اصبحت تغطي بالكاد مصاريفها واحتياجاتها الأساسية، ما أجبر الكثير من أصحاب الخبرات على مغادرة البلد من أجل تحسين أوضاعهم".
ولجأ سوريون من محدودي الدخل إلى سحب قروض بنكية لعلاج أسنانهم، أو تسديد الديون المترتبة عليهم في سجلات عيادات الأسنان حيث تزخر دفاتر الديون بملايين الليرات، بحسب ما يقول عدد من الأطباء.
ويخبر حسن العلي "العربي الجديد" أنه سحب قرضاً بقيمة 4 ملايين ليرة سورية (260 دولاراً) ثمن طقم الأسنان الذي كلفه ثلاثة ملايين ليرة (190 دولاراً). ويشير إلى أن العديد من معارفه نفذوا الخطوة نفسها كي يكملوا علاج أسنانهم. 
وعموماً تعتبر سلامة الأسنان من سلامة الجسد والصحة العامة، لذا يُصبح تصليح الأسنان من الجهود المضنية على الشرائح العامة التي تتمنى الاستمتاع بلقمة الطعام حتى لو كانت ناشفة. ومن سخرية القدر عرض مسنين أطقم أسنانهم للبيع على عيادات كي يستطيعوا شراء الطعام، وهو أمر "يفوق مستوى العقل ومنطق العيش في سورية" بحسب ما يقول الطبيب عامر. 

ويقول أياد سلوم، أحد موظفي القطاع العام: "الأمر الأكثر خطورة هو الحال التي وصل لها قطاع التأمين الذي يعتبر في بلدان أخرى دعامة أساسية للطبيب والمواطن من خلال تغطية العلاجات بنسب معينة، أما في سورية فهو غير مجدٍ وغير مفيد على الإطلاق في مجال تصليح الأسنان، فالأسعار المقترحة من شركات التأمين لا تغطي ربع التكاليف، وهو قطاع يسحب من الموظفين مبالغ معينة شهرياً من دون أي فائدة".
وتؤكد مصادر رسمية في العاصمة هجرة أكثر من 600 طبيب أسنان منذ بداية العام الحالي، ما يؤكد الضعف الكبير في الإقبال على عيادات ومختبرات الأسنان، في وقت تتحدث نقابة أطباء الأسنان عن زيادة في التكاليف، وأجور المهمات الطبية نتيجة ارتفاع أسعار مواد العلاج والتخدير والتلبيس والزرع وغيره، ما يفسح في المجال أمام هجرة باقي الأطباء إلى أماكن أكثر استقراراً. 

المساهمون