في كلمة مرتقبة اليوم أمام مؤتمر حزب المحافظين، سوف تعلن وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان مقترحات جديدة ومشروع قانون للتضييق أكثر فأكثر على المهاجرين وطالبي اللجوء. ومن المتوقّع أن تتجاوز اقتراحاتها التشريعات الحكومية السابقة لجهة التشدّد والتطرّف.
وخلال لقاء جانبي على هامش المؤتمر السنوي للحزب، قالت برافرمان: "أحلم برؤية طائرة الترحيل إلى رواندا تقلع بحلول عيد الميلاد"، مشيرة إلى أنّ الرحلة قد تستغرق وقتاً أطول بسبب التحديات القانونية. وكانت وزيرة الداخلية السابقة من أصول مهاجرة بريتي باتيل قد أعدّت لخطة رواندا المثيرة للجدال التي تقضي بترحيل طالبي لجوء إلى ذلك البلد الأفريقي في مقابل صفقة مالية بين البلدَين.
يُذكر أنّ الخطة التي وصفها الملك تشارلز، وكان حينها لا يزال أميراً، بـ"المروّعة"، واجهت تحديات قانونية كثيرة في بريطانيا وفي خارجها، الأمر الذي عرقل الرحلة الأولى التي كانت مقرّرة مساء 14 يونيو/ حزيران من هذا العام، بعد أن تدخلت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في اللحظات الأخيرة قبل الإقلاع. لكنّ مصادر من حزب المحافظين رجّحت أن تضطر المملكة المتحدة إلى الانسحاب من اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين ومن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وفي لقاء مع "العربي الجديد"، قالت مديرة سياسات اللجوء في منظمة "التحرّر من التعذيب" ماتيلدا برايس إنّه "حتى لو انسحبت بريطانيا من المحكمة الأوروبية، فإنّ الخطة سوف تتعثّر بقوانين أخرى لحقوق الإنسان تعوّق ترحيل طالبي اللجوء والهاربين من الاضطهاد في بلدانهم الأصلية". من جهة أخرى، لا تنفي برايس "حاجة الحكومة إلى تنظيم ملف الهجرة والحدّ من الإتّجار بالبشر وإنشاء استراتيجية وطنية للاجئين"، لكنّها ترى أنّ "القائمين على هذا الملف يستخدمون المهاجرين كأداة سياسية في معاركهم الجانبية".
وكان لافتاً أن تكون الهجرة هي أحد المواضيع الأكثر حضوراً على جدول الحملة الانتخابية التي خاضها المرشّحان لرئاسة الوزراء ليز تراس وريشي سوناك قبل ثلاثة أشهر، على الرغم من تراجع أهمية هذا الملف بالنسبة إلى الناخبين وفقاً لاستطلاعات رأي حديثة. لكنّ المرشّحَين التزما بسياسات أكثر تشدّداً تجاه المهاجرين على أن يُصار إلى توسيع الرقعة الجغرافية لخطة الترحيل لتشمل دولاً أخرى غير رواندا.
وقد انتهزت منظّمات حقوقية عديدة التخبّط الذي تعيشه الحكومة الجديدة في مواجهة أزمة اقتصادية غير مسبوقة والانعطاف في السياسات الاقتصادية الذي دفع رئيسة الحكومة تراس إلى تغيير خططها استجابة للضغوط، فطالبتها تلك بـ"الانعطاف" في خططها المتعلقة بالهجرة كذلك وليس فقط بالاقتصاد. وعلى سبيل المثال، كانت تغريدة لمنظمة "التحرّر من التعذيب" على موقع تويتر مخاطبة تراس: "لقد تراجعتِ عن سياساتكِ الاقتصادية، ولا حرج في ذلك. الآن، يجب أن تتخفّفي من متاعب إضافية وتتخلّصي من خطتكِ القاسية لإرسال الناجين من التعذيب إلى رواندا".
ورأت برايس أنّ "مشروع القانون الجديد هو استمرار لخطة بريتي باتيل ويعكس مزيداً من التشدّد لإثارة الإعجاب في داخل أروقة حزب المحافظين، إلا أنّه خطير جداً لأنّه يقوّض اتفاقية اللاجئين والقانون الدولي".
من جهتها، اتّهمت الأحزاب المعارضة الحكومة الجديدة بتوجيه رسائل مختلطة وإشارات متناقضة، إذ إنّ المستشار ووزير المالية كواسي كوارتنغ أعلن قبل أيام عن عزم الحكومة إجراء مراجعة مفصلية لسياسة الهجرة كجزء من محاولتها تعزيز النموّ الاقتصادي بعد أن تلقّت شكاوى عديدة حول التأثيرات السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والنقص الهائل في اليد العاملة وضعف الإنتاج بسبب التضييق على العمّال الأجانب وتقييد عبورهم.
لكنّ برافرمان قالت في وقت لاحق إنّ المملكة المتحدة تفيض بـ"أعداد كبيرة جداً جداً" من العمّال المهاجرين ذوي المهارات المتدنّية، معلنة عن نيّتها تمرير مشروع قانون للتضييق أكثر فأكثر على المهاجرين من العمّال وطالبي اللجوء الهاربين من الحروب والخوف. كذلك فإنّ برافرمان تخطّت شريحة المهاجرين من العمّال وملتمسي الحماية الإنسانية أو السياسية إلى شريحة الطلاب الذي يحصلون على إقامات دراسية، فأعلنت أنّها سوف تفرض قيوداً على فئة كبيرة منهم بحجّة أنّهم يلتحقون بـ"دورات تدريبية منخفضة الجودة" فقط كي يدخلوا إلى بريطانيا ويستقرّوا فيها.
ويبدو أن برافرمان تحاول تطويق الحجج القانونية والعراقيل من كلّ الجهات وعلى كلّ المستويات، فهي من جهة تسعى إلى عزل المحكمة الأوروبية عبر التلويح بالانسحاب منها، ومن جهة أخرى تحاول عبر مشروعها تجنّب انتهاك اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 إذ إنّ مشروع القانون سوف يضيء على البنود التي تفرض على المهاجرين طلب اللجوء في الدولة "الآمنة" الأولى التي يدخلون إليها.
وبهذا تتفوّق برافرمان كذلك على الوزيرة السابقة باتيل التي سمحت باستثناءات في قضية اللجوء من بلد ثالث "آمن" كفرنسا. ومع أنّ اتفاقية اللاجئين لا تقرّ بحقوق المهاجرين في اختيار بلد اللجوء، إلا أنّها تعترف بأسباب مشروعة مثل الروابط الأسرية التي تتيح طلب الحماية في بلد دون غيره. كذلك سوف تستهدف برافرمان عبر خطّتها قوانين العبودية الحديثة التي تتيح لطالب اللجوء أن يستخدم حقّه في الحصول على الحماية إن كان قد تعرّض للعمل القسري في بلده الأصلي.
تجدر الإشارة إلى أنّ أكثر من 33 ألف شخص وصلوا هذا العام في قوارب صغيرة إلى بريطانيا، من بينهم ثمانية آلاف في الشهر الماضي فقط، الأمر الذي يعني أنّ خطة رواندا لم تردع تدفّق المهاجرين ولم تؤدّ وظيفتها المفترضة. يُذكر كذلك أنّ والدَي سويلا برافرمان من أصول هندية وكانا قد وفدا من كينيا في ستينيات القرن الماضي وطلبا اللجوء في بريطانيا.