على مدى الـ25 عاماً الماضية، قطعت وجبة الشاورما طريقاً طويلاً في السوق الروسية من وجبة مشكوك في أمرها تباع في متاجر صغيرة بمحطات القطارات ولا تراعي الأصول الصحية، إلى الوجبة السريعة الأكثر انتشاراً، والمتوفرة في جميع المناطق والمراكز التجارية، بل باتت طبقاً فاخراً تقدمه موائد خيرة المطاعم الروسية.
وتُشير تقديرات كبرى خدمات التوصيل ومتاجر التجزئة إلى زيادة مطردة في إقبال الروس على الشاورما، وقد وصل مقدارها في العام الحالي إلى الضعف أو ثلاثة أضعاف لدى بعض اللاعبين في السوق، لتصبح الوجبة السريعة الأكثر شعبية في روسيا، مزاحمة وجبات البرغر والبيتزا والسوشي.
وما زاد من شعبية الشاورما في روسيا خلال الفترة الأخيرة، هو عدم اقتصارها على المطاعم ومتاجر المأكولات السريعة، بل أصبحت متوفرة في كبرى شبكات التجزئة مثل "بيريكريوستوك" و"أزبوكا فكوسا" وغيرهما من المتاجر التي تقدم لروادها عشرات الأنواع من الشاورما الجاهزة للتسخين.
ويعزو ناقد المطاعم ومؤسس دليل "أفضل 50 طعماً لروسيا"، دميتري أليكسييف، النجاح الكاسح للشاورما في السوق الروسية إلى مجموعة من العوامل، منها فوائدها الصحية وإمكانية تنويع حشوتها، بالإضافة إلى تغير الصورة النمطية للشاورما من وجبة محطات القطارات إلى وجبة مقدمة في مطاعم راقية وحتى فاخرة. ويقول لـ"العربي الجديد": "عند دخول أي وجبة جديدة إلى الأسواق، من الصعب التنبؤ بما إذا كانت ستحقق نجاحاً أم لا، ولكن الشاورما حققت اكتساحاً كبيراً في روسيا خلال السنوات الأخيرة، مزاحمة وجبة البرغر بين المأكولات السريعة. كما وجدت طريقاً إلى قوائم المطاعم الكلاسيكية الفاخرة".
وحول رؤيته لأسباب إقبال رواد المطاعم الروسية على الشاورما، يوضح أن "شطائر الشاورما عبارة عن رولات خبز يمكن تعبئتها بأي حشوة من اللحم والدجاج والخضار للوجبات منخفضة الكلفة، ولحم السلطعون للوجبات الفاخرة عالية الثمن. أضف إلى ذلك أنها وجبة مفيدة للصحة ويمكن لطالبها أن يطمئن لحشوتها على عكس البرغر مثلاً".
ومع انفتاح روسيا على العالم العربي خلال السنوات الأخيرة وتزايد الحضور العربي، من سياح وطلاب ومغتربين، باتت شوارع وسط موسكو تزخر بمطاعم شرقية من مختلف المستويات تقدم لروادها وجبة الشاورما.
ومن الحقائق المثيرة حول الشاورما في روسيا الاختلاف في تسميتها في سانت بطرسبرغ بالمقارنة مع المناطق الأخرى، واعتاد سكان العاصمة الشمالية ومتاجرها على تسميتها "شافرما" نظراً لانعدام بديل دقيق لصوت "وا" في اللغة الروسية.
كسر الصورة النمطية
خرجت الشاورما في روسيا عن إطار الصورة النمطية السابقة لها كوجبة غير آمنة يجرى بيعها في متاجر مشكوك في أمرها تقع في محطات القطارات. ويعلق أليكسييف على تلك الصورة السائدة سابقاً قائلاً: "تاريخياً، كانت الشاورما مصدراً للعدوى والتسمم في تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الـ21. وكان القائمون على متاجر الوجبات السريعة كثيراً ما يقدمون على شراء دواجن مجهولة المصدر وحتى تلك النافقة لاستخدام لحومها. لكن الوضع اليوم مختلف لناحية إخضاع جميع المطاعم لرقابة صارمة. كما أن النمط الاستهلاكي للسكان قد تغير، فلم يعودوا يقبلون بمنتجات غذائية سيئة الجودة حتى في المدن الصغيرة والقرى".
مع ذلك، عادت حوادث التسمم بالشاورما في روسيا إلى الواجهة من جديد في يونيو/ حزيران الماضي، إثر تسمم نحو 100 شخص في مطعم للوجبات السريعة في مدينة براتسك الواقعة في مقاطعة إيركوتسك في سيبيريا، ونقل خمسين شخصاً إلى المستشفيات. وأظهرت التحقيقات أن المطعم خالف قواعد حفظ المواد الغذائية وإعداد الوجبات، ناهيك عن عدم التزام العاملين فيه بالأصول الصحية الواجبة مراعاتها في المطاعم. وإثر ذلك، تم رفع قضية جنائية ووضع مالك المطعم رهن الإقامة الجبرية.
ويلخص أليكسييف رؤيته لكيفية مكافحة الشاورما المغشوشة، مضيفاً: "خلال السنوات الأخيرة، ساد لدى الدولة توجه نحو عدم ترهيب قطاع الأعمال بالمراجعات المستمرة التي كانت تتحول في أحيان كثيرة إلى وسيلة للابتزاز وتقاضي الرشاوى. لكن في قطاع المطاعم، تؤدي أي مخالفة للأصول الصحية إلى حوادث تسمم. لذلك، يجب إجراء مراجعات مفاجئة للمطاعم، ولكن مع الاستبعاد التام لتجاوز المفتشين لصلاحياتهم".
ولعلّ حوادث التسمم الأخيرة هي التي دفعت بالسلطة التشريعية الروسية نحو البحث عن آلية مراقبة جودتها، إذ اقترح أحد النواب بمجلس الدوما (النواب) الروسي عن حزب "أناس جدد" وضع علامة جودة "معيار موسكو" للصقها على جميع أكشاك الشاورما الملتزمة بكافة توصيات الهيئة الفيدرالية لحماية المستهلك "روس بوتريب نادزور".
وما يعزز أهمية سن مثل هذا القانون، هو التوجه السائد في سوق الشاورما في روسيا نحو مزيد من النمو نظراً لما تجمعه هذه الوجبة من التكلفة المنخفضة للمنتِج والسعر المقبول للمشترين من مختلف الشرائح الاجتماعية.