لم تلقَ المشاريع التي أعلنت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عن إطلاقها، والمتعلقة بالاهتمام بشريحة الشباب، أي اهتمام من قبل هذه الفئة. وعلى الرغم من الترحيب والتفاؤل النسبي الذي حملته تدوينات بعض المراقبين، إلا أن الشباب ليبيا، وخصوصاً الناشطين منهم، رفضوا استمرار استغلال قادة البلاد لحاجات الشباب واعتبارهم مجرّد أرقام انتخابية، في وقت سخر آخرون منها.
ووسط حشد كبير من الشباب، أعلن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، خلال احتفال أقيم في 13 أغسطس/ آب الماضي، على مسرح مدينة لبدة الأثرية شرق طرابلس، عن تخصيص مبلغ مليار دينار (222 مليون دولار) لدعم الزواج، ومليار و700 مليون دينار (377 مليون دولار) للقروض السكنية، متعهداً مواجهة عزوف الشباب عن الزواج، وتوفير فرص عمل لهم، وتقليل نسبة البطالة. كما وعد الدبيبة بحصول 50 ألف شاب وشابة على دعم منحة الزواج خلال الشهر الجاري، مضيفاً أن حكومته أصدرت قراراً بإنشاء المجلس الوطني للشباب، وتخصيص يوم وطني لهم. كما وجه بتنظيم آلية لرعايتهم وتمكينهم من خلال إعداد مشروع قانون خاص بالشباب والذي يُعد أول تشريع في ليبيا يُعنى بهذه الشريحة منذ الاستقلال، بالإضافة لتأسيس المجالس المحلية للشباب لتعزيز مشاركتهم في الحياة العامة على المستوى المحلي والوطني وبعث الثقة في نفوسهم "بأنهم الأقدر على قيادة الوطن حاضراً ومستقبلاً".
كذلك أعلن الدبيبة عن توجيه وزارة الشباب والوزارات والجهات الأخرى ذات الصلة للعمل على تنفيذ حزمة من المبادرات الوطنية من أجل تذليل الصعاب التي تواجه الشباب والمتمثلة في قلة فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة والعزوف عن الزواج الناتجة عن أزمة السكن. وعلى الرغم من أن تلك القرارات لقيت صدىً واسعاً في الأوساط الليبية إثر إعلانها، إلا أنها قوبلت بانتقادات من قبل ناشطين شباب، واعتبرها البعض مجرد دعاية انتخابية كون البلاد على أبواب إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
في هذا السياق، يبدي الناشط المدني في مجال الإغاثة، جمال الموسي، أسفه حيال محاولات استغلال صوت الشباب في الانتخابات، مؤكداً أن الهدف من وراء هذه الوعود والقرارات هو تحويل شريحة الشباب إلى مجرد رقم انتخابي. ويسأل في حديثه لـ "العربي الجديد": "كيف للحكومة أن تنفذ مشاريع بهذه الأرقام الفلكية خلال أربعة أشهر فقط؟ الواضح أن هذه الوعود هي مجرد استغلال لحاجة الشباب للزواج والمسكن". يتابع: "أنا والكثير من الشباب ننشط في مجال الإغاثة. لو تقدمنا بطلب دعم للحكومة، فهل ستتجاوب؟ ما سنطلبه يتعلق بحاجات عاجلة لنازحين أو مرضى من بينهم شباب أيضاً".
وبعد الإعلان عن تلك الوعود والقرارات، تداولت وسائل إعلامية محلية بياناً حكومياً يشير الى أن تلك القرارات "تتطلب وقتاً لتنفيذها، وتعتمد على مشاركة أطراف أخرى"، الأمر الذي اعتبره الموسي دليلاً على عدم تحقيقها. وأفاد بيان الحكومة بأن "أول القرارات التي ستعمل عليها الحكومة بشأن الشباب، هو تشكيل مجلس أعلى للشباب وتخصيص يوم وطني لهم، إلى جانب الإعلان عن مجالس محلية لفئة الشباب".
من جهتها، تتّهم الناشطة المدنية مروى الفاخري الحكومة بتزوير الواقع، قائلة: "يومياً، نقرأ في الأخبار عن الصراع بين الحكومة ومجلس النواب. بالتالي، كيف سيتم تمويل كل هذه المشاريع وبهذه الأرقام الضخمة؟ الحقيقة أن الحكمة تزور الواقع". وتوضح في حديثها لـ "العربي الجديد": "تُحاول الحكومة إلهاء المواطن بحاجاته الأساسية. وبالتالي، لن يفكر الشاب في الحصول على قرض لبناء بيت لا كهرباء فيه، أو لا يملك سيارة للتنقل. كما أن المحطات خالية من الوقود. ثم ينجب أطفالاً علماً أن راتبه لا يكفي لتأمين ثمن الخبز والمياه فضلاً عن الضروريات الأخرى".
وفي إطار نقد الخطوة الحكومية، وجه عدد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، نداء ساخراً إلى الحكومة مضمونه أنهم يتبرعون بحصتهم من أموال صندوق الزواج لشراء "أمصال سم العقارب" لإنقاذ أطفال الجنوب، في إشارة إلى الإهمال الحكومي لأزمة أمصال لدغات العقارب التي أودت بحياة عدد من الأطفال في مناطق الجنوب الليبي.
ورداً على وعود الحكومة بتزويج 50 ألف شاب وشابة، أقام أهالي مدينة العوينات، جنوب غرب البلاد، عرساً جماعياً مؤخراً ضم 50 شاباً وشابة بمشاركة وجهاء وزعماء القبائل من المدينة ومناطق أخرى مجاورة لها، لاقى اهتماماً إعلامياً واسعاً لنقل الحدث. وعلى الرغم من مرور أسابيع عدة، لم تذكر الحكومة مصير هذه الوعود وكيفية تحقيقها. لكن الموسي يرجح عودة قادة البلاد إليها مع اقتراب موعد الانتخابات لاستثمارها مجدداً، قبل أن تذهب أدراج الرياح على غرار وعود أخرى.