بخطوات بطيئة ومتعثّرة يتنقّل شكري السلطاني في ورشته الصغيرة بين آلات قصّ الخشب وصقله وبين طاولة تركيب القطع ولصقها. يقص قطعاً من الخشب بأشكال مختلفة رسمها بنفسه مسبقاً، ثمّ يلصقها بعضها ببعض ويركّبها ليصنع لُعَباً وسيارات صغيرة من الخشب بأشكال وأحجام مختلفة. يعيش السلطاني في منطقة عين دراهم بمحافظة جندوبة التي تقع في أقصى شمال غربي تونس وتبعد عن العاصمة التونسية نحو 160 كيلومتراً. وتُعَدّ تلك المنطقة من المناطق السياحية الأكثر شهرة في البلاد، خصوصاً في فصل الشتاء الذي تشهد فيه تلك الجهة تساقط كميات كبيرة من الثلوج. كذلك تُعَدّ من المناطق الأكثر خضرة، لتنوّع مخزونها النباتي وامتداد غاباتها على مساحات شاسعة جعلتها تستقبل آلاف السياح على مدار السنة.
ويشتهر سكان المنطقة بالعمل في مهن حرفية وفي صناعات تقليدية من قبيل الفخار والخزف والسعف، بالإضافة إلى الحرف التي تعتمد على الخشب الطبيعي، نظراً إلى أنّ المنطقة غنية بالثروات الطبيعية. وعلى طول الطريق المؤدية إلى الجهة، تنتشر محال تجارية صغيرة تعرض المنتجات الحرفية التي يصنعها أبناؤها من جذوع الأشجار، خصوصاً شجر الزيتون. ومن تلك المنتجات أدوات للديكور والزينة وأوان للأكل وغيرهما.
وشهرة الجهة بالصناعات الخشبية هي التي دفعت السلطاني في الأساس إلى تعلّم حرفة في هذا المجال، نظراً إلى أنّها مادة متوفّرة بسهولة في الجهة. فتلقّى تدريباً في صناعة اللعب والتحف من الخشب، على الرغم من إعاقته وعدم قدرته على المشي بشكل طبيعي. يخبر السلطاني "العربي الجديد" أنّه يعمل في هذا المجال منذ أربعة أعوام تقريباً، "ولم تمنعني إعاقتي من تعلّم تلك الحرفة على مدى سبعة أشهر". ويشرح أنّه شارك في تدريب خاص للأشخاص ذوي الإعاقة يشجّعهم على إطلاق مشاريع خاصة بهم، لا سيّما في الجهات الداخلية التي تعاني ارتفاعاً في نسبة البطالة. فكانت الانطلاقة الأولى له في عام 2018، من خلال العمل مع صديقه الذي تلقّى التدريب نفسه. يُذكَر أنّ نساءً في الجهة رحنَ يعملنَ من بيوتهنّ في تلوين القطع الخشبية أو صقلها ليتمّ تركيبها في الورش.
وبعد تجربته التي امتدت عامَين من الزمن، قرّر إنشاء ورشته والعمل بمفرده في غرفة صغيرة بمنزله. يحكي أنّه في البداية يرسم أشكالاً مختلفة على ألواح خشبية مسطحة، وهي رسومات يختار بعضها عبر شبكة الإنترنت وقد اطّلع خصوصاً على تصاميم مختلفة من السيارات في الأساس. ثمّ يقوم بقطع الخشب المرسوم ثمّ يعمد إلى ترطّيب القطع ولصقها بعضها ببعض لتكوين هيكل السيارة أو أيّ شيء آخر.
وبعدما انطلق في ورشته، بات السلطاني يُشغّل عدداً من الحرفيين معه، فثمّة من يساعده في قصّ القطع أو في لصقها، وبين من يصمّم بعض السيارات التي تلقى رواجاً كبيراً وسط الأطفال. وهو يصنع في اليوم الواحد نحو عشر سيارات بأشكال وأحجام مختلفة من بقايا الخشب التي يُحضِرها من ورش نجارة وأخرى لصناعة الأثاث بأسعار زهيدة.
وفي ورشته يرصف السلطاني منتجاته بشكل منظّم بحسب النوع والحجم، فباتت تلك الغرفة الصغيرة أشبه بمعرض صغير للسيارات الخشبية. وتختلف ألوان وأحجام ما ينتجه من سيارات بحسب طلبات بعض الزبائن أحياناً. ويشير إلى أنّ ثمّة من يرسل إليه تصاميم عبر مواقع التواصل الاجتماعي لينفّذها لأطفالهم، لا سيّما تصاميم السيارات.
كذلك قد تُطلب منه تصاميم معيّنة في خلال مشاركته في المعارض. وهو كان قد شارك في معارض عديدة في جهات مختلفة، خصوصاً معارض الصناعات التقليدية أو تلك التي تنظّمها وزارة السياحة، علماً أنّها كرّمته في عام 2018. وتمثّل تلك المعارض فرصة لتوفير مداخيل له، لا سيّما أنّه لا يملك محلاً لبيع وعرض ما ينتجه، فيكتفي بتسويق منتجاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويوضح السلطاني أنّ "التصاميم تحتاج إلى الدقة والبحث عن أشكال مختلفة للسيارات، لا سيّما أشكال العربات القديمة التي كانت تُباع في سبعينيات القرن الماضي، نظراً إلى أنّها تلقى رواجاً كبيراً. فهي إمّا تُستخدم للزينة وإمّا يقتنيها بعض الناس كلُعب لأطفالهم، لا سيّما أنّها بسيطة ولا تؤذي صحة الأطفال كما هي الحال مع بعض السيارات البلاستيكية".
تجدر الإشارة إلى أنّ السلطاني يتنقّل في المنطقة على كرسي متحرّك نظراً إلى عدم قدرته على المشي مسافات طويلة. هناك، كلّ الناس يعرفونه ويشجّعونه على عمله، ويثمّنون تعويله على نفسه على الرغم من حالته الصحية. كذلك يساعدونه في الحصول على كلّ المواد الأولية التي يحتاجها في عمله. من جهة أخرى، لم يتلقّ حتى الآن دعماً حقيقياً من أيّ جهة رسمية، بل مجرد وعود بتوفير بعض التجهيزات له أو تقديم دعم مادي ما. لكنّه يأمل أنّ يُمنح دكاناً صغيراً في القرية الحرفية بالجهة، ليعمل فيه ويعرض بضاعته كما بقيّة حرفيّي الجهة.