يقول التونسي كريم الدلهومي لـ"العربي الجديد": "أجّرت قبل أكثر من سنتين الطابق السفلي من منزلي لخمسة مهاجرين من دول جنوب الصحراء، ولم أواجه أي مشكلة معهم، ولم ألاحظ أي تصرف منهم قد يشكل خطراً على سكان المنطقة. وهم ليسوا طلاباً، ويزاولون أعمالاً بسيطة تشمل البناء وورش غسيل السيارات. إنهم ليسوا مزعجين أو مشاغبين، ولا ينفذون أعمالاً غير لائقة أو غير قانونية".
يعيش الدلهومي في منطقة سكرة بالعاصمة تونس، حيث يوجد عشرات من المهاجرين من جنوب الصحراء، وبعضهم أرباب عائلات تضم أطفالاً. يضيف: "يعمل هؤلاء المهاجرون منذ سنوات في التجارة والحلاقة وورش تصليح السيارات والحدادة، ويدفعون إيجارات بيوتهم بانتظام، لذا لم يسبق أن اشتكى أحد من سكان المنطقة من وجودهم، أو من تسببهم في مشاكل مع التونسيين أنفسهم، باستثناء ربما حصول بعض المناوشات بينهم خلال مشاهدة مباريات كرة القدم، أو نشوب بعض الخلافات البسيطة التي لا تخرج من الإطار العادي، وقد تحدث أيضاً بين المواطنين أنفسهم. وأنا لم أرَ شخصياً أي أفعال من قبل هؤلاء المهاجرين ترتقي إلى مستوى الجرائم، أو تتسبب في شغب خطير، والناس يعيشون منذ سنوات بسهولة مع المهاجرين".
وبين آلاف المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء، قدم بعضهم إلى تونس بطرق قانونية، وآخرون عبر عمليات الهجرة السرية في البر أو البحر. ويستمر عددهم في الارتفاع، فيما تقدّر منظمات حقوقية إجمالي عددهم الحالي بـ40 ألفاً يوجد غالبيتهم في المدن الكبرى، على غرار صفاقس وتونس العاصمة وسوسة والمنستير، أي تحديداً في المناطق الساحلية، حيث تنطلق رحلات الهجرة السرّية نحو أوروبا. وبالنسبة إلى غالبيتهم ليست تونس إلا منطقة عبور قد يقيمون فيها بضعة أيام، أو يعملون فيها لأشهر من أجل تأمين تكاليف رحلات الهجرة السرّية عبر قوارب "الحرقة"، كما تسمى في تونس.
وقد أثيرت إشكالية المهاجرين السرّيين مرات عدة في تونس، لا سيما من قبل منظمات وجمعيات تناهض عمليات شبكات الاتجار بالبشر التي يُعتبر المهاجرون السرّيون ضحاياها الأُول، في ظل دفعهم أموالاً طائلة للوجود على "قوارب الموت"، ومحاولة الانتقال منها في رحلات محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا.
وأخيراً تجاوزت أزمة المهاجرين المنظمات والجمعيات إلى الرئيس التونسي قيس سعيد نفسه الذي وصف وجودهم بأنه "مؤامرة تستهدف تغيير التركيبة الديموغرافية للبلاد". ورد نشطاء المجتمع المدني بانتقاد هذه التصريحات بشدة، ودعا عشرات منهم في تظاهرات نظموها في الأسابيع الأخيرة إلى حماية المهاجرين من أي خطاب محرّض وأي اعتداءات، وطالبوا أيضاً برد الاعتبار لهم، ونبذ خطاب العنصرية ضدهم.
يقول عبد الحميد معمر، الذي يمكث وسط حي يعيش فيه عشرات من المهاجرين، في منطقة أريانة لـ"العربي الجديد": "زاد عدد المهاجرين، لكن أياً من السكان لم يشكُ من تسببهم في مشاكل". يتابع: "يتغير عددهم باستمرار في الحي الذي أسكن فيه، خصوصاً أن بعضهم ينجحون في الهجرة إلى أوروبا، في حين قد يستقبل بعضهم لفترات عدداً من أقاربهم وأصدقاء من الوافدين الجدد الذين يبحثون عن فرص عمل لتأمين تكاليف الهجرة إلى أوروبا. والأهم أنهم لا يؤمّنون ثمن هجرتهم عبر عمليات غير شرعية، بل يعملون في مهن عدة، رغم أن أجورهم تكون متدنية مقارنة بما يتقاضاه التونسيون. وهذه المهن تكون بسيطة غالباً، بينها المهن في المقاهي والمطاعم. وعموماً اعتدنا وجود هؤلاء المهاجرين بيننا، ولم نعد نستغرب هذا الأمر، خصوصاً أن مشكلة الهجرة السرّية تشمل العالم لكه، وليست في تونس وحدها".
ويخبر عبد الحميد أنه يؤجر بيته لعدد من المهاجرين منذ أكثر من أربع سنوات، ويشدد على أنه لا يهتم بعددهم أو جنسياتهم، بل فقط بالحصول على إيجار البيت بانتظام.
ويعلّق على حوادث ارتكاب المهاجرين أعمالاً إجرامية بالقول: "هذا أمر نادر جداً، ولا يمكن في أي حال أن يؤدي إلى محاسبة الجميع على ذنب ارتكبه شخص واحد أو اثنان، علماً أن المهاجرين يدركون أن أي مشكلة قد تؤدي إلى ترحيلهم، في حين يتمسّكون بفكرة أن وجودهم مؤقت زمنياً قبل تنفيذهم رحلات الهجرة التي يريدونها في الأساس إلى إحدى الدول الأوروبية".
وتؤكد منظمات الدفاع عن حقوق المهاجرين، أن تونس "تمثل نقطة لعبور المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، والذين يعملون فيها لتأمين ثمن الهجرة غير النظامية نحو السواحل الأوروبية، خاصة إيطاليا".
ومؤخراً قالت 20 منظمة حقوقية تونسية إن الخطاب العنصري ضد المهاجرين من جنوب الصحراء يتنامى، وحذّرت من احتمال تسببه في اعتداءات قد تطاول عدداً كبيراً منهم.