بدءاً من اليوم، سيتوجب على الموظفين الحكوميين في المغرب إبراز شهادة اللقاح المضاد لكوفيد-19 قبل دخول مقار عملهم، الأمر الذي يثير جدالاً كبيراً في البلاد، وخصوصاً أن البعض ما زال يرفض إجبارية التحصين وسط أزمة كورونا.
أثارَ قرار الحكومة المغربية إلزام جميع الموظفين إبراز شهادة اللقاح أو جواز التلقيح قبل دخول مقرات عملهم جدلاً واسعاً وسط العاملين في القطاع العام والاتحادات العمالية، بعدما شرعت مختلف الوزارات في نشر مذكرات داخلية تؤكد فيها اتخاذ إجراءات قانونية بحق الممتنعين عن الحصول على اللقاحات المضادة لكوفيد-19.
وبات موظفو المغرب مهددين بعقوبات إدارية تصل إلى حد الطرد من وظائفهم من جراء القرار الحكومي الذي يبدأ تنفيذه اليوم الإثنين (باستثناء الترخيص المؤقت للموظفين الذين لم يستكملوا بعد تحصينهم)، بعدما وجّهت مختلف الوزارات مذكرات داخلية إلى موظفيها والعاملين فيها تؤكّد اعتماد مقاربة احترازية لدخول مقرات العمل في المؤسسات الحكومية، تجبر إبراز شهادة اللقاح.
وتُطالب المذكرات كافة العاملين، الذين لم يحصلوا على اللقاحات بعد، التعجيل في أخذ جرعتهم الأولى أو الثانية أو الثالثة التعزيزية، وذلك خلال مدة أقصاها سبعة أيام. وتضمنت أن جميع العاملين بالوزارات الذين لم يمتثلوا لهذه الإجراءات سيمنعون، بعد انقضاء مدة السبعة أيام، من الدخول إلى مقار عملهم، كما سيعتبر أنهم يتعمدون الانقطاع عن العمل، وبالتالي سيتم اتخاذ الإجراءات الجاري العمل بها في هذا الصدد بحقهم طبقاً للمقتضيات القانونية.
وتقول الحكومة إن الهدف من شهادة اللقاح هو حث الموظفين على تلقيه لحمايتهم وحماية زملائهم. يعتبر الاتحاد النقابي للموظفين، التابع للاتحاد المغربي للشغل، أن إلزام الموظفين إظهار شهادة اللقاح قبل دخول مقرات عملهم "لا يستند إلى أي أساس تشريعي، ويخالف النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية"، محذراً من أن تطبيقه سيؤدي إلى طرد الموظفين الرافضين للقاحات من أسلاك الوظيفة العمومية.
ويقول الاتحاد، الذي يمثل الموظفين العموميين، في بيان، إن هذا التوجه الذي تعتزم الحكومة تطبيقه "سيفتح المجال لمنع دخول مقرات العمل بشكل تعسفي واتخاذ إجراءات غير قانونية تحت ذريعة الانقطاع المتعمد عن العمل قد تصل إلى الاقتطاع من الأجور والطرد، وبالتالي الحذف النهائي من أسلاك وأطر الوظيفة العمومية". ويؤكد أن "التحصين ضد فيروس كورونا الجديد عملية اختيارية محض، ولذلك يرفض اعتبار غير الملقحين مصدر خطر على الصحة العامة داخل المرافق العمومية على اعتبار أن كل الدراسات والتقارير العلمية الصادرة عن الهيئات المختصة لم تثبت هذه المزاعم بل وتفندها". ويلفت إلى أن "حماية صحة الموظفين لا تمر عبر فرض جواز اللقاح وتوظيفه لاتخاذ تدابير وقرارات تعسفية في حقهم، بل من خلال عمل الحكومة على تحسين ظروف العمل وتوفير بيئة عمل آمنة، وبالتالي التسريع بالإفراج عن عدد من مشاريع القوانين والتعويض عن حوادث الشغل بالإدارات العمومية".
وتنص المادة 3 من قانون رقم 2.20.292 على إمكانية إصدار الحكومة تدابير تقتضيها حالة الطوارئ الصحية يمكن أن تخالف الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. ويثير توجه الحكومة نحو إقرار إلزامية شهادة اللقاح على الموظفين في القطاع العام كتدبير لمكافحة تفشي فيروس كورونا الجديد جدالاً كبيراً بين مؤيد ورافض له في المغرب. ويقول الموظف في قطاع النقل والتجهيز في المغرب أحمد الحسناوي إن المغرب مثله مثل باقي دول العالم يعيش ظروفاً خاصة جداً بسبب انتشار فيروس كورونا الجديد، وأن من حق الحكومة أن تتخذ، في إطار حالة الطوارئ الصحية، أي قرار تراه مناسباً للحد من تفشي الفيروس. ويوضح في حديث لـ "العربي الجديد" أنه يتعين على الجميع الالتزام بقرارات الدولة في هذا المجال أو يعزل نفسه في بيته، كما أن على النقابات إظهار وطنيتها وحث أعضائها على وجوب أخذ اللقاحات.
في المقابل، يسأل الموظف في وزارة العدل مصطفى حيمي عن الفائدة من التحصين ومن شهادة اللقاح، ما دام الملقح يصاب بالفيروس وينقل العدوى، مبدياً استغرابه من قرار الحكومة فرض إجبارية شهادة اللقاح في المؤسسات الحكومية في وقت أصبحت العديد من الدول تعتبر كوفيد-19 مرضاً موسمياً كالإنفلونزا يجب التعايش معه. ويرى أن "التحصين يجب أن يكون اختيارياً".
من جهته، ينتقد الأمين العام للمنظمة الديمقراطية للشغل علي لطفي القرار الحكومي، مشيراً إلى أن المذكرة حملت لغة التهديد والوعيد بمنع الموظفين من دخول الإدارة والاقتطاع من رواتبهم، موضحاً أنه بعد التنبيه بالالتحاق بالعمل بالشروط نفسها؛ أي جواز اللقاح بعد 7 أيام لمن يستجيب، سيتم التشطيب عليه واتخاذ قرار الطرد في حقه من أسلاك الوظيفة من دون حقه في الدفاع عن نفسه أمام المجلس التأديبي. ويلفت لطفي إلى أن المذكرة تتنافى مع الأخلاق الإدارية واحترام كرامة الموظفين والموظفات، علماً أنه لم يصدر بعد أي قرار حكومي إلزامي للتحصين. ويقول لـ "العربي الجديد" إن هذا القرار يتطلب إصدار قانون واضح يصادق عليه البرلمان، على اعتبار أن الحكومة حين ستقرر إجبارية التحصين ستأخذ على عاتقها أيضاً المسؤولية الكاملة في تعويض المصابين بمضاعفات جانبية خطيرة أو الوفاة بسبب التحصين. ويوضح أنه يتعين عليها في هذه الحالة تحمل نفقات العلاج وتخصيص تعويضات للمصابين بأضرار وأعراض جانبية خطيرة أو الوفاة بسبب التحصين.
ويقول إنّ الحكومة لم تقر بإجبارية التحصين، ما يعني أنه اختياري وليس إلزامياً. لكنها في المقابل، تضع قيوداً على حرية الاختيار، على الرغم من أنها لم تصدر أي مرسوم تؤكد فيه مسؤوليتها عن الأضرار الجانبية الخطيرة والوفاة الناجمة عن التحصين، مبدياً استغرابه من كون الحكومة المغربية تدعو إلى أن تشمل شهادة اللقاح الجرعة التعزيزية، وتعتبرها شرطاً لدخول بعض الإدارات الحكومية، إلا أنها كانت مرنة في التعامل مع الرافضين، وخصوصاً بعد الاحتجاجات الاجتماعية. يتابع: "من الأفضل التواصل والإقناع بمبررات علمية من قبل أصحاب الاختصاص وبمسؤولية علمية، وليس إطلاق الكلام على عواهنه من منظور سياسي صرف يفتقد للمصداقية، وبلغة التهديد والوعيد، ومنعه من دخول الإدارة واعتباره في حالة تعمد الانقطاع عن العمل".
وكان بيان حكومي قد أعلن، إثر لقاء عقد مؤخراً وجمع رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش مع الاتحادات العمالية وعدد من الوزراء، أن الأول شدّد على أهمية دور الاتحادات العمالية في عملية "التحسيس بضرورة انخراط الموظفين والمستخدمين في استكمال مسار التحصين، وتعزيزه بالجرعة الثالثة"، من أجل حماية صحة المواطنين وتحقيق المناعة الجماعية.