عادت حالة الاحتقان مجدداً إلى قطاع الصيدلة في المغرب بالتزامن مع تصعيد الخطوات الاحتجاجية التي وصل صداها إلى قاعات المحاكم، فيما تلقي الأزمة بظلالها على العديد من الصيدليات التي باتت على حافة الإفلاس.
أدى تسريب نص قرار سابق لوزير الصحة المغربي، خالد آيت الطالب، إلى تأجيج غضب صيادلة المغرب، واعتراض تنظيماتهم المهنية، إذ يدعو القرار المختبرات إلى توزيع الأدوية على جمعيات المنفعة العامة، والجماعات الترابية (البلديات، والمجالس الجهوية). والقرار الذي يعود تاريخه إلى 19 مارس/ آذار من العام الماضي، جرى تداوله أخيراً بشكل واسع في البلاد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليزيد من حنق الصيادلة الذين يعيشون منذ عدة أشهر حالة احتقان بسبب ما يعتبرونه "سياسة لامبالاة الوزارة بأوضاع الصيدليات المتدهورة".
وكان لافتاً نقل "كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب" (اتحاد عمالي) معركتها مع وزارة الصحة إلى القضاء، إذ تقدمت بطعن أمام محكمة النقض من أجل إلغاء دورية وزير الصحة التي تقضي بتوزيع الأدوية على جمعيات المنفعة العامة والجماعات الترابية. يقول رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، محمد الحبابي، إنه "في الوقت الذي تترافع فيه الهيئات الممثلة للمهنيين أمام القضاء ضد جمعيات تتاجر في الأدوية في السوق السوداء بشكل غير مشروع بدعوى العمل الخيري، فوجئ الفاعلون في قطاع الصيدلة بإصدار وزير الصحة دورية بشكل سري لمختبرات الأدوية لمأسسة الفوضى، وشرعنة بيع الأدوية في السوق السوداء خارج القنوات المحددة بمقتضى القانون".
ويوضح الحبابي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "سماح الوزارة الوصية على قطاع الصحة بتوزيع الأدوية على جمعيات المنفعة العامة والجماعات الترابية هو مخالفة صريحة للقانون رقم 17.04، وهو بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة، الذي حدد بشكل صريح الجهات المخول لها شراء الأدوية، وتوزيعها على المواطنين، لما في ذلك من خطورة على الصحة، وفتح الباب على مصراعيه بشكل فوضوي للإتجار بالأدوية". يضيف رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب أن "القانون يحصر حيازة الأدوية بغرض صرفها للعموم على صيادلة الصيدليات دون غيرهم، وما أقدم عليه الوزير هو خرق للقانون، وتعريض صحة المواطنين للخطر، إذ إن الجمعيات والجماعات الترابية غير قادرة على توفير ظروف تخزين الأدوية وفق متطلبات تقتضيها طبيعتها، ما يجعل تلك الأدوية معرضة للتلف، وعندها قد تتحول إلى قنبلة موقوتة تهدد صحة جميع المواطنين".
ويؤكد الحبابي أنه فضلاً عن كون ترخيص وزارة الصحة للجمعيات ذات المنفعة العامة والجماعات الترابية فيه تجاوز للقانون، ولاختصاصات الصيدليات في صرف الأدوية، فإنه "إجراء شارد غير ممأسس، وتم بدون تنسيق مع الهيئة الوطنية للصيادلة، والمفترض استشارتها في كل السياسات المتعلقة بالقطاع". ويبدي الحبابي استغرابه من إصدار وزارة الصحة لتلك الدورية الخاصة، ويقول: "فوجئنا بعد سنة من إصدار تلك الدورية بتسريبها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في حين أنّ من المفروض بموجب القانون استشارة هيئات الصيادلة في السياسات المتعلقة بالأدوية، لكن الوزير اختار أن يكون الأمر سرياً، وأن يطلع فقط 3 مصنعين للأدوية على القرار، ما يثير أكثر من علامة استفهام بشأن دواعي صدور القرار في ذلك التوقيت".
ويتابع الحبابي: "صحيح أن القانون يمنح للحكومة، بشكل استثنائي، في حالة الكوارث الطبيعية، توزيع الأدوية على جمعيات المنفعة العامة والجماعات الترابية، لكن هذا الأمر لا ينطبق على حالة الطوارئ الصحية المفروضة، ما يدعو إلى التساؤل إن كان قرار الوزير هدفه تغذية الأجندات السياسية الانتخابية، ولاسيما أن المملكة مقبلة على استحقاقات انتخابية خلال الشهور المقبلة، ما سيجعل من الجماعات الترابية منصات لحملات دعاية انتخابية سابقة لأوانها". ويشدد الحبابي على أن الفيدرالية اختارت اللجوء إلى القضاء الإداري ضد الوزارة من أجل إسقاط تلك الدورية، وأن ذلك حصل بعد استشارات قانونية، وقراءة متأنية للنصوص القانونية ذات الصلة.
وتأتي الجولة الجديدة من الصراع بين الوزارة وفيدرالية نقابات الصيادلة في وقت كان يُنتظر فيه إجراءات حكومية تقررها وزارة الصحة لدعم الصيدليات التي بات قسماً كبيراً منها على وشك إعلان إفلاسه، وتفعيل إجراءات من شأنها الدفع بالاستقرار الاقتصادي في قطاع الأدوية المغربي. وحسب إحصائيات تنظيمات نقابية، فإن ثلث الصيادلة المغاربة باتوا "على عتبة الإفلاس"، وإن ثلثاً آخر "يتخبط في صعوبات مالية"، إذ لا يستطيعون سداد ديونهم، وخاصة لشركات توزيع الأدوية والمستحضرات الطبية. تجدر الإشارة إلى أنه في مطلع فبراير/ شباط الماضي، طالبت الكونفدرالية وزير الصحة بتنظيم انتخابات مجالس الصيادلة لإنهاء الجمود التنظيمي لمجلسي الصيادلة في الشمال والجنوب منذ 2017. وقد تعذّر على "العربي الجديد" الحصول على تعقيب من وزارة الصحة، رغم المحاولات المتكررة لذلك.