تكافح المرأة الصينية لتأمين التوازن المطلوب بين واجبات عملها وكونها أمّاً مسؤولة عن رعاية أبنائها، وفيما تتطلب الوظيفة العمل لفترات طويلة يومياً، تجد الأم نفسها مجهدة وغير قادرة على القيام بواجبات الأمومة تجاه أطفالها في نهاية يوم عمل شاق وطويل.
وأظهر استطلاع للرأي حديث أجراه مركز "داشن" للصحة النفسية في العاصمة بكين في يونيو/ حزيران الماضي، أن نسبة 54 في المائة من الزوجات يفضلن التمسك بالوظائف مع تنفيذ مهام الأمومة في الوقت ذاته، بينما أيدت نسبة 37 في المائة الاحتفاظ بالوظيفة على حساب أي شيء آخر، وأعلنت نسبة 11 في المائة الاستعداد للتخلي عن الوظائف لرعاية الأطفال، لكنها اعترفت بصعوبة تحقيق ذلك في الوقت الراهن بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، خصوصاً في المدن الكبرى والمناطق الحضرية.
وأظهر الاستطلاع أن 86 في المائة من شريحة الدراسة التي شملت 2500 زوجة عاملة يعملن 12 ساعة يومياً بين الوظيفة والمنزل، وأن 15 في المائة منهن فقط يتمتعن بيوم راحة واحد في عطلة نهاية الأسبوع، في حين تعتني بقية الزوجات بأطفالهن حتى في الإجازات الأسبوعية، ويتابعن المهام المنزلية من دون أدنى مساعدة من الزوج.
تقول لي ليانغ (34 سنة)، وهي أم لطفلين تعمل في شركة تسويق بمدينة ووهان (وسط)، لـ "العربي الجديد": "أعمل منذ نحو 5 سنوات بلا توقف، 12 ساعة يومياً، وزوجي يعمل في مدينة أخرى، ولا يأتي إلا خلال الإجازات الموسمية، وأمي تساعدني في متابعة ورعاية طفليّ الاثنين، إذ ترسل الطفل الأكبر (6 سنوات) إلى المدرسة، وأخيه الأصغر إلى روضة مجاورة، ثم تعود لإعداد الطعام لهما قبل أن يعود أحدهما عند الظهيرة، والآخر عصراً. بعد عودتي مساءً تكون أمي مجهدة، فيبدأ دوري في تجهيز العشاء وغسل الأطباق وكي الملابس، ومتابعة الواجبات الدراسية، ويستمر ذلك حتى التاسعة ليلاً".
تضيف: "أشعر في كثير من الأحيان بأنني غير قادرة على الوقوف على قدمي من شدة الإرهاق، كما أحسّ بالذنب تجاه أمي، فهي تقضي معظم الوقت وحيدة، كما أنها تعاني من أمراض تستدعي مراجعة طبية دورية، وهي دائماً تعاتبني لعدم الاتصال بها، فأجد نفسي مضطرة إلى الاعتذار، فأحياناً تمر ساعات لا أستطيع فيها الرد على مكالماتي الخاصة".
من جهتها، توضح جين يانغ، وهي موظفة وأم لطفل في الثالثة من العمر تقيم في العاصمة بكين، أن يومها يبدأ عند الساعة السادسة صباحاً حين تعد الفطور لزوجها قبل أن يذهب إلى العمل، ثم تصطحب طفلها إلى الحضانة، وتكمل طريقها إلى مكان عملها. وعند الخامسة والنصف مساءً تغادر العمل، وتذهب إلى الحضانة لاستلام الطفل، ثم تعود إلى المنزل لإعداد طعام العشاء قبل عودة الزوج.
وتقول لـ"العربي الجديد": "أفضّل أن أتولى الحضانة بنفسي بدلاً من إحضار مدبرة منزل، وأشعر بالذنب لأنني لا أستطيع قضاء وقت أطول مع ابني، وفكرت مرات أن أترك الوظيفة وأتفرغ لرعايته، لكن راتب زوجي لا يكفي لسد احتياجات الأسرة. زوجي لا يساعدني في مهام المنزل، ويقول دائماً إنه مجهد، وأشعر أنني أعمل مثل آلة لا تتوقف ليلاً نهاراً، وفي بعض اللحظات أشعر بندم لأنني أنجبت من دون تخطيط مسبق، إذ أعتقد أن طفلي يدفع ثمن قرار خاطئ في ظروف اجتماعية واقتصادية سيئة".
ويقول الباحث الاجتماعي، لو شياو جيه، لـ"العربي الجديد": "تحقيق التوازن بين العمل والأسرة والحياة الشخصية مشكلة يواجهها جيل كامل يعاني من عدم الاستقرار والانضباط. من المهم تأكيد أن قرار التمسك بالوظيفة أو التفرغ لرعاية الأطفال خيار شخصي يجب ألا يلقى على عاتق المجتمع كله، لكن المشكلة تكمن في التقديرات الخاطئة للأفراد، فكل شخص يريد أن تكون حياته مثالية، ويتجاهل واقع أن أي قرار في الحياة يتطلب مقايضات".
يتابع: "لو قررت الزوجة التضحية بالوظيفة من أجل أبنائها، وظل الزوج على رأس عمله، هل ستموت جوعاً؟ وهل ستجد الأسرة نفسها في الشارع؟ الإجابة ببساطة: لا، لكن ما يحدث هو تضخيم المخاوف من فقدان العمل، وفي بعض الأحيان تكون الأنا عاملاً أساسياً في اتخاذ قرارات خاطئة، والمطلوب هو إعادة التقييم، ووضع الأبناء فوق كل اعتبار، فلا يصح ترك الطفل بحجة تأمين مستقبله من خلال العمل، وقضاء معظم الوقت خارج المنزل في سن يحتاج فيه الطفل إلى رعاية مكثفة، بشكل يساهم في تدمير مستقبله، وحرمانه من أهم عوامل البناء وصقل الشخصية، والمتمثل في دفء الأسرة، والشعور بالأمان في كنف الوالدين. يسمح تفكير الزوجين بهذه الطريقة بتصويب قرارات كثيرة، وإعادة النظر في مسلّمات كثيرة منتشرة في المجتمع الصيني".