شهدت الأشهر الماضية تخلي عدد كبير من النساء الصينيات عن الأسماء المتحيزة جنسياً، والتي عكست، خلال فترة تطبيق سياسة الطفل الواحد التي أقرت في نهاية سبعينيات القرن الماضي واستمرت حتى عام 2015، رغبة الآباء في أن يكون طفلهم الوحيد ذكراً. حينها دأبت الأسر الصينية التي لم ترزق بمولود ذكر على تسمية الإناث بأسماء ذكورية، ما تسبب في وقت لاحق بحرج لملايين الفتيات في مجتمع ذكوري.
يرى خبراء أن خطوة تخلي النساء عن الأسماء الذكورية التي نتجت عن تسهيل السلطات القيود والقوانين الخاصة بتغيير الأسماء قانونياً، عكست زيادة الوعي بقضايا النوع في المجتمع، علماً أن الصين كانت قد أقرّت، مطلع العام الماضي، أول قانون مدني يسمح للبالغين باختيار أسمائهم طالما أن الكلمات المستخدمة ليست ضد القيم الاجتماعية الأساسية.
تقول جاو ويه ليانغ (28 عاماً)، التي غيّرت اسمها أخيراً لـ"العربي الجديد": "ولدت عام 1994 من أسرة قروية فرضت عليها سياسة الطفل الواحد. انتظر أبي أن يكون مولوده الأول ذكراً، وكذلك أمي، لكنني قدمت إلى الحياة، وكنت أنثى، فقرر والدي أن يسميني جاو مع إيماءة دي دي التي تبشّر بمولود ذكر. وأنا لم أفهم معنى اسمي إلا حين دخلت المدرسة الابتدائية، إذ لاحظت تعليقات الطلاب في كل مرة ينطق المعلم اسمي أمامهم، ما تسبب في إحراج شديد لي جعلني أشعر بأنني لا أمثل نفسي، وأنني مجرد بشارة لأخ سيأتي من بعدي. واستمرت حالات التنمر وزاد حجم الاستهزاء بي في المرحلة الجامعية، ولم أكن أعلم كيف أتصرف وماذا أفعل حتى سمعت في العام الماضي أن السلطات أقرّت تشريعاً جديداً يسمح بتغيير الفتيات أسماءهن بشكل قانوني في السجلات المدنية، وفق شروط محددة، فلم أتردد في الذهاب إلى الجهات المختصة لفعل ذلك، حتى أنني لم أخبر والديّ بهذه الرغبة، لأنني شعرت بأنهم أيضاً لم يهتموا بمشاعري حين قرروا أن يمنحوني هذا الاسم قبل 28 عاماً. وقد اخترت اسم جاو مع إيماءة ويه ليانغ التي تعني التلويح للقمر، بدلاً من الإيماءة للأخ الأصغر".
وشاعت في الصين خلال العقود الماضية أسماء مركبة تشير إلى رغبة الأسر في إنجاب طفل ذكر، مثل "آي دي دي"، التي تعني أحب الأخ الأصغر، و"ينغ دي دي" (مرحباً بالأخ الأصغر)، و"يا نان" (الثاني فقط رجل). وقد تسببت هذه الأسماء في إحراج كبير للفتيات في محيطهن الاجتماعي، وعانت بعضهن من مشاكل نفسية مثل الاكتئاب والشعور بالدونية وعدم القبول في المجتمع.
وبحسب السجلات المدنية الصينية، جرت تسمية نحو 50 ألف فتاة بأسماء ذكورية خلال العقد الماضي، ونحو 82 في المائة من تلك الفتيات ينتسبن إلى أسر الطفل الواحد، بينما تنتمي 18 في المائة منهن إلى أسر تمكنت من إنجاب أكثر من طفل.
تأثير المرأة اليوم
وتعلّق الباحثة الاجتماعية في معهد "غوانغ دونغ" تانغ لي بالقول "العربي الجديد": "تعكس الثورة التصحيحية الخاصة بأسماء الإناث وعياً عاماً بمسألة المساواة والعدالة الاجتماعية بين الجنسين، وهي مؤشر إلى رغبة المرأة الصينية في تحدي القواعد والتقاليد التي تكرّس ذكورية المجتمع، وتشريع السلطات لقوانين جديدة في هذا الشأن هو استجابة لقوة وتأثير شخصية المرأة التي لم تعد الكائن المستكين الذي ينتظر الزوج في المنزل طوال اليوم لتقديم فروض الولاء والطاعة، وتضيف: "لا يعقل في القرن الواحد والعشرين أن تبقى هذه الأسماء التمييزية سارية وملتصقة بالمرأة التي تعمل وتنتج وتزاحم الرجل في كل ميادين ومعتركات الحياة".
وتلفت إلى أن "انتشار ظاهرة الأسماء المركبة التي تشير إلى رغبة العائلات في إنجاب طفل ذكر، لا علاقة لها بسياسة الطفل الواحد بقدر ارتباطها بذكورية المجتمع الصيني. وهذه الأسماء كانت متداولة على نطاق واسع في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ما يؤكد أن الأسر تفضل الذكور على الإناث بغض النظر عن عدد الأطفال المسموح بإنجابهم"، وأرجعت ذلك إلى التقاليد الصينية القديمة التي تكرّس سلوكيات، مثل عدم توريث الأنثى اسم عائلتها، لأنها ستتبع عائلة زوجها، وكذلك إلى الاعتقاد السائد بأن الذكر يمثل حماية وضمانة لأبويه على صعيد المساعدة في العمل وإعالة الأسرة ورعاية المسنين، في حين أن الأنثى ستغادر إلى الأبد بمجرد أن يتقدم رجل لخطبتها.
إلى ذلك، شهدت الصين مع بداية عصر الإصلاح والانفتاح طفرة في مجال دخول المرأة إلى قطاع العمل والإنتاج بعدما ظلت لعقود طويلة حبيسة المنزل، ما أعاد صياغة العديد من المفاهيم التي كانت سائدة في المجتمع الذكوري، فباتت المرأة أكثر استقلالية، ورفضت الخضوع لسلطة الرجل، وتعتقد الكثيرات منهن بأنهن لسن أقل من الرجال، ما دمن قادرات على ممارسة الأعمال نفسها وتحقيق هامش كبير من الاستقلالية المالية. وترجم ذلك ببروز ظواهر جديدة في المجتمع، أبرزها العزوف عن الزواج والإنجاب، وهي مشكلة باتت تؤرق السلطات الصينية.