تفيد تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بأن أكثر من 16.7 مليون شخص في سورية في حاجة إلى المساعدات الإنسانية، وذلك في ظل نقص حاد في التمويل، وبنى تحتية متدهورة، زاد من تضررها زلزال السادس من فبراير/ شباط 2023.
ويشير المكتب الأممي إلى أن حجم التمويل لخطة الاستجابة الإنسانية في سورية لم يتجاوز 27.6% من خطة الاستجابة لعام 2024، ما يجعلها الأدنى منذ عام 2021، وتوثق إحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة فرار نحو 510 آلاف شخص من لبنان إلى سورية خلال الفترة الأخيرة، معظمهم من النساء والأطفال، وقد وصل هؤلاء إلى بلد يعاني سكانه أزمة إنسانية متفاقمة تعمقها الاحتياجات المتزايدة، وشح الموارد بالتزامن مع ضعف الاستجابة الإنسانية.
وتؤكد العاملة في المجال الإنساني والإغاثي، ولاء الشامي، المقيمة في مناطق سيطرة النظام السوري، لـ"العربي الجديد"، أن "الحاجة في سورية كبيرة كون أكثر من 90% من السكان بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، خاصة مع قدوم فصل الشتاء الذي تتزايد فيه الاحتياجات، وعلى رأسها المواد الطبية والغذائية، إضافة إلى الملابس ووسائل التدفئة وغيرها من المستلزمات الشتوية كالحرامات والبطانيات".
16.7 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية في سورية
تضيف الشامي: "قد تكون فرصة حصول الوافدين اللبنانيين على المساعدات أكبر من السوريين العائدين من لبنان، والفلسطينيين الهاربين من هناك. لكن في العموم، هناك تلاعب من قبل المنظمات الوسيطة بالكميات الموزعة من المساعدات، خاصة في دمشق والقنيطرة ودرعا والسويداء، حيث تدار عمليات توزيع المساعدات عبر منظمات يترأسها أشخاص مقربون من السلطات. الأمانة السورية للتنمية والهلال الأحمر السوري، هما المنظمتان اللتان تقومان بإدارة الملف غالباً، ودائماً ما تعتمدان سياسات توزيع تلائم التوجهات السياسية، وتهمِّش الفئات الأكثر حاجة في حال كانت توجهاتها معارضة للنظام الحاكم".
وتوضح: "بدأت منظمة (زاوا) الهولندية منذ بداية فصل الخريف في استطلاع احتياجات السكان في السويداء، حيث قامت الأمانة السورية للتنمية بقيادتها إلى قرى شرقي السويداء ذات الغالبية الموالية للنظام، فيما تم إهمال قرى أكثر فقراً ومواطنين أشد حاجة في مناطق أخرى لاعتبارات سياسية".
في السياق، يوضح عبد السلام العلي، وهو نازح مقيم في السويداء، لـ"العربي الجديد": "نزحت من ريف دمشق بعد تدمير بيتي بسبب القصف، والمساعدات كانت تصلنا شهرياً من الهلال الأحمر السوري، ثم أصبحت توزع كل شهرين، وبعدها كل 3 شهور، ثم قللوا كمية المساعدات إلى الثلث تقريباً. كانت الأمور أفضل في السابق، وكانت السلة الغذائية تخفف عني بعض الحمل، لكننا حالياً نكتفي في كثير من الأيام بوجبة واحدة، وهناك مبادرات محلية تساعدنا في الحصول على كميات قليلة من وقود التدفئة التي نحتاج إليها في الشتاء، لكنها لا تسد سوى جزء قليل من حاجة عائلتي".
ويقول مدير مخيم غطاء الرحمة في ريف إدلب، محمد أبو شام، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد تخفيض المساعدات الإنسانية المقدمة لسكان شمالي سورية، أصبح سكان المخيمات يعيشون ظروفاً صعبة، والجميع اليوم بحاجة إلى المواد الغذائية ومواد التدفئة وعوازل للخيام، كما تقلصت المساعدات الطبية، ما انعكس سلباً على الأطفال وأصحاب الأمراض المزمنة. نعتمد في فصل الشتاء على كل ما يمكن استخدامه في إشعال المدافئ، لكن الحياة في المخيمات باتت كارثية".
وحول نقص المساعدات الإنسانية، أكدت الأمم المتحدة في بيان مشترك لمنسق الشؤون الإنسانية في سورية، آدم عبد المولى، والمنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، رامناتن بالكرشنن، أن الأزمة الإنسانية تتعمق وتتسع، وأن اثنين من كل 3 أشخاص بحاجة إلى المساعدات المنقذة للحياة، إضافة إلى كون 16.7 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات في الأصل. وتزامن سوء الأوضاع مع فرار عشرات آلاف الأشخاص من لبنان إلى سورية، و75% من هؤلاء نساء وأطفال. ووفق بيان أممي صدر في 11 أكتوبر/تشرين الأول: "يستضيف معظم الوافدين الجدد أقاربُهم وأصدقاؤهم ضمن مجتمعات محلية تعاني شح الموارد، ويحصل الوافدون على خدمات تقدمها آليات الاستجابة الإنسانية القائمة، والتي تعتبر على حافة الانهيار".
وحث البيان المانحين على زيادة دعم الاستجابة الإنسانية بشكل عاجل، كون كلفة التقاعس هائلة، ومن شأنها أن تتجاوز حد تفاقم المعاناة الإنسانية إلى زعزعة الاستقرار الهش في المنطقة، وتدفق المهاجرين إلى خارجها، كما يمكن أن تؤدي إلى توسيع رقعة الصراع.
تتكرر الانتقادات لمكاتب الأمم المتحدة العاملة في مناطق سيطرة النظام السوري بسبب عدم وصول المساعدات إلى المحتاجين. يقول مصدر في إحدى المنظمات المحلية بمدينة القامشلي في ريف محافظة الحسكة، لـ"العربي الجديد": "هناك مكاتب لمختلف المنظمات الأممية في القامشلي، والعاملون فيها يتقاضون رواتب عالية، ويعيشون حياة مرفهة. نسمع عن مشاريع ومساعدات، لكن ما يصل إلى المحتاجين محدود، ويمكن لأي فاعل خير أن يقدّم أفضل منه. من جانب آخر، يعاني السكان في المجتمع الزراعي سوء الإدارة والفساد والإتاوات، وتشارك السلطات القائمة في نهب المجتمعات المحلية".
يضيف المصدر: "هذه المجتمعات تعمل وتنتج بالفعل لتأمين الاحتياجات الأساسية، لكن الفساد القائم يظل سبباً رئيسياً لزيادة الحاجة، كما أن هناك احتياجات للنازحين في مخيمات شرقي سورية، والمنظمات الأممية لا تقدم شيئاً لهؤلاء النازحين، بل تمنح المساعدات للنظام، وهو من يتحكم في توزيعها، وبالتالي لا يصل إلى المحتاجين سوى القليل منها".