استمع إلى الملخص
- يواجه السكان تحديات اقتصادية مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، حيث تصل تكلفة بعض الخضروات إلى 60 دولاراً للكيلوغرام، مما يؤدي إلى الاعتماد على المساعدات الإغاثية وانتشار سوء التغذية بين الأطفال وكبار السن.
- الأطعمة المعلبة تحتوي على مواد حافظة ودهون مهدرجة، مما يسبب مشكلات صحية خطيرة، ويستخدم الاحتلال سياسة التجويع لمعاقبة السكان، مما يزيد من معاناتهم ويهدد حياتهم.
لا يجد سكان محافظتي غزة والشمال سبيلاً لسد جوعهم وجوع أطفالهم سوى تناول أطعمة مُعلبة تقدمها منظمات دولية في إطار مساعداتٍ إنسانيةً واغاثية طارئة أو يشترونها في ظل تفشي حالة المجاعة جراء حرب الإبادة
تعرض الأسواق الباقية في محافظتي غزة والشمال أصناف أطعمة مُعلبة محدودة، مثل سمك التونة والفول والحمص والفاصولياء والبازلَّاء واللحوم المُهدرجة، في وقت تفتقر إلى كل أصناف الخضروات والفواكه واللحوم الطازجة الحمراء والبيضاء.
ويفرض الاحتلال حصاراً مشدداً على قطاع غزة، خصوصاً محافظتي غزة والشمال، ويستمر في إغلاق المعابر الحدودية، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية بكميات وفيرة، ما يهدد حياة نحو نصف مليون فلسطيني يوجَدون في المحافظتين. ويسمح الاحتلال بإدخال أصناف قليلة من الخضروات مثل البطاطس والطماطم (البندورة) والباذنجان خلال فترات متباعدة. ويحصل ذلك بالتنسيق مع عدد محدود من التجار، وتباع السلع بأسعار مبالغة قد تناهز 60 دولاراً لكيلوغرام واحد من كل صنف. وبالطبع تفوق هذه التكلفة قدرة المواطنين الذين يعانون أوضاعاً اقتصادية متردية.
يقصد أحمد عليان (34 عاماً) في شكل شبه يومي أسواقاً في مدينة غزة لشراء احتياجات عائلته، ويأمل في أن يجد أصنافاً جديدة من الخضروات والفواكه، لكنه يُصاب بإحباط سريعاً حين يجد أن السوق يمتلئ بمُعلبات فقط.
يقول عليان الذي يُعيل أسرة من ستة أفراد لـ"العربي الجديد": "أضطر إلى شراء أطعمة مُعلبة لمحاولة مسك رمق أطفالي في ظل عدم توفر أصناف بديلة، علماً أن أسعارها مرتفعة أيضاً".
ومع إشراقة كل صباح لا يجد عليان أمامه سوى مُعلبات قليلة من الفول والحمص مع قليل من الخبز لتناول طعام الإفطار نتيجة انعدام وجود الأجبان والألبان التي كان يعتاد تناولها مع أطفاله في الصباح.
ويوضح عليان الذي نزح إلى مخيم الشاطئ غربي غزة، أن "وجبة الغداء كما الإفطار تخلو من أصناف الخضروات واللحوم، إذ يقتصر الطعام على أصناف أخرى محدودة مثل سمك التونة أو لحم الدجاج المُعلب، وأنا أعلم أنها تحتوي على مواد حافظة لها انعكاسات سلبية على صحة الإنسان عند تناولها باستمرار". يُضيف: "أصيب قبل فترة أحد أطفالي بانتفاخات في مختلف أنحاء جسمه، وشخّص طبيب سبب تردي حالته الصحية بتناول طعام المُعلبات".
ولا يختلف حال أبو فادي جمعة (63 عاماً) الذي يُقيم في حي الشيخ رضوان شمال غربي مدينة غزة، إذ تعتمد عائلته التي تضم أربعة أفراد على تناول أطعمة مُعلبات في شكل أساسي منذ أكثر من 14 شهراً، في ظل عدم توفر بدائل. ويقول لـ"العربي الجديد": "خيارات الأطعمة شبه معدومة لدى عائلتي، نتيجة عدم توفر أي أصناف من الخضار والأجبان والألبان اللازمة لوجبتي الفطور والغداء، واقتصارها على مُعلبات وأرغفة خبز".
يضيف: "يزداد خوفي على أبنائي، خصوصاً الأطفال، من تناولهم أطعمة مُعلبات جاهزة يومياً، وأضطر في بعض الأحيان إلى تناول أرغفة خبز لمحاولة الخروج من الواقع المألوف الذي أواجهه منذ بداية العدوان".
ويعتمد جمعة في شكل أساسي على تلقي مساعدات الإغاثة بين فترة وأخرى بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها في ظل توقفه عن العمل منذ اندلاع حرب الإبادة. ويوضح أنه في حال تأخر تسلّمه مساعدات يضطر إلى تناول أرغفة خبز من دون إضافة شيء إليها أو مع قليل من الزعتر الذي ارتفع سعره بشكل مبالغ أيضاً. ويقول: "سئمنا من الواقع الذي نعيشه منذ أكثر من 14 شهراً، ويزعجنا ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة التي تدخل إلى شمال القطاع فنحن لا نستطيع شراءها بالأسعار الجنونية".
ويقول الفلسطينيون إنّ استمرار منع سلطات الاحتلال إدخال مساعدات الإغاثة إلى محافظتي غزة والشمال يندرج ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى خلق حالة مجاعة لدى المواطنين، وهذه وسيلة أخرى لقتل الفلسطينيين تُضاف إلى الاستهداف والقتل المتعمد والمباشر، وعقاباً لهم على رفضهم الخروج إلى المناطق الوسطى والجنوبية.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي بدأ عملية عسكرية برية في قطاع غزة في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأغلق معبري كرم أبو سالم جنوبي القطاع، وبيت حانون "إيرز" شمالي القطاع اللذين يمثلان شريان حياة السكان، ومنع إدخال مساعدات الاغاثة وتلك الطارئة والخضار والفواكه.
ولا يزال الإغلاق مستمراً ما أدخل محافظتي غزة وشمال القطاع في حالة مجاعة أدت إلى تفشي أمراض سوء التغذية بين المواطنين خصوصاً الأطفال وكبار السن، ووفاة أكثر من 40 طفلاً وفق وزارة الصحة في غزة.
من جهته، يقول محمد داوود (44 عاماً) المصاب بسرطان في منطقة الحلق، لـ"العربي الجديد"، إنه اعتاد على تناول الأطعمة المُعلبة يومياً في ظل انعدام أصناف اللحوم والخضروات والفواكه في مدينة غزة، ما عرّضه لمتاعب صحية كبيرة، وأضاف أمراضاً جديدة إلى أفراد في عائلته.
يتابع: "تحتاج أجسام الناس في غزة إلى تغذية صحية سليمة متنوعة تشمل الخضروات لتقوية المناعة لديهم، وأنا مُصاب بسرطان في منطقة الحلق، وقلّة الطعام الصحي زادت تردي حالتي الصحية".
ويشير إلى أن انعدام الأطعمة التي تحتوي على فيتامينات وبروتينات وغيرها من المواد المفيدة للجسم جعله أكثر عرضة للإصابة بمشكلات صحية مثل ضيق التنفس والهُزال الشديد، إلى جانب المعاناة من ضعف في المناعة والصفائح الدموية.
ولا يستطيع كثيرون في قطاع غزة شراء الخضار والفواكه واللحوم المجمّدة إذا توفرت في الأسواق خلال فترات متباعدة نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية التي يعيشونها، وفي ظل غياب الدعم المادي للأسر النازحة التي فقدت مدخراتها وكل أموالها منذ بدء حرب الإبادة.
ويؤكد الطبيب بسام أبو ناصر، المتخصص في الأمراض الباطنية والصدرية، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن سكان غزة يعتمدون بالكامل على تناول أطعمة المُعلبات، سواء البقوليات أو اللحوم وحتى الشوربة (الحساء)، وهذا أمر سيئ جداً، لكنهم مُجبرون على فعل ذلك بسبب انقطاع السلة الغذائية عنهم طوال فترة العدوان، والتي تمد الجسم بكل احتياجاته من لحوم وخضروات وفواكه. وهناك أضرار صحية من أوعية النحاس أو الألومينيوم التي تُحفظ فيها الأطعمة المُعلبة، ومن الطلاء الداخلي الذي يستخدم لحمايتها من الصدأ. أيضاً يسخّن غالبية المواطنين هذه الأواني ما يفقدها التماسك الداخلي، ويجعل المواد داخلها تتحلل وتدخل في المأكولات".
ويشرح أن أطعمة المُعلبات هي لحوم مُهدرجة تحتوي على نسبة عالية من الدهون وتعتبر غير مغذية للجسم، أو بقوليات لا تحتوي على فيتامينات، وجميعها أصبحت المصدر الأساسي للتغذية، في حين يحتاج الجسم إلى فيتامينات وحديد ومغنيسيوم توجد جميعها في اللحوم الطازجة غير المتوفرة مُطلقاً في محافظتي غزة والشمال".
يضيف: "تنعدم الفيتامينات التي تدخل أجسام سكان محافظتي غزة والشمال، ما ينعكس على صحتهم، خصوصاً أنهم يتناولون الأطعمة المُعلبة منذ أكثر من عام. وأكثر الفئات تضرراً هم الأطفال والنساء الحوامل وأصحاب الأمراض المزمنة لأنها تُقلل من مناعة أجسامهم".
وتركز إسرائيل في حرب التجويع على محافظتي غزة والشمال بهدف معاقبة المدنيين الذين رفضوا منذ بداية الحرب تنفيذ أوامرها بالخروج إلى المحافظتين الوسطى والجنوبية. ولم تنجح قوات الاحتلال إلا أخيراً في تفريغ جزء من محافظة الشمال من السكان، وتعمل لمواصلة ذلك في إطار ما يُعرف بخطة الجنرالات لمعاقبة سكان الشمال، وجعل المنطقة غير قابلة للسكن الآدمي حتى بعد انتهاء الحرب.