يُشكّل المقال العلمي عقبة أمام طلّاب الدكتوراه في الجزائر، إذ يُعدّ شرطاً أساسياً لمناقشة الأطروحة والحصول على وظيفة في الجامعة. هكذا، يُتابع طلّاب الدكتوراه في الجزائر المجلات العلمية المصنّفة والمعترف بها، سعياً إلى نشر مقال علمي يساعدهم على مناقشة أطروحاتهم. وقد يتطلّب نشر هذا المقال سنة في أحسن الأحوال نتيجة قلة المجلات المصنفة، والتي تصدر مرتين في العام فقط، في مقابل كثرة أعداد الطلاب. ولا تسمح الجامعات للطلّاب بمناقشة أطروحاتهم قبل قراءة المقال المنشور أو الحصول على وعد بالنشر من قبل المجلة العلمية، أي قبول المقال الذي كتبه طالب الدكتوراه.
والمقال العلمي عبارة عن بحث أكاديمي يطرح فيه الطالب فرضية أو إشكالية علمية، تعتمد منهجية أكاديمية من شأنها إيجاد خيط يربط بين الأفكار المطروحة والنتائج المستخلصة في الدراسة. ويمكن أن يكون لهذا المقال عنصر من عناصر أطروحة الدكتوراه. ويُمكن للطلاب إرسال مقالاتهم من خلال منصة إلكترونية ليكون تاريخ الإرسال موثقاً. ويتم إعلام الطالب بالموافقة على النشر أو يطلب من إجراء تعديلات عليه. كما أن النشر في أي مجلة مصنفة يتضمن تاريخ تسلم المقال مع تاريخ نشره، توخياً للشفافية ومنعاً لأية وساطات ومحسوبية.
وبات نشر المقال العلمي بالنسبة للكثير من الطلاب أصعب من إنجاز الأطروحة نفسها. ويصفه البعض بـ "المعضلة الكبرى" التي تؤخّر مسارهم التعليمي وتعطلهم لبعض الوقت، وخصوصاً بالنسبة لكثيرين أنجزوا أطروحة الدكتوراه وينتظرون موعد المناقشة فقط. هؤلاء يفوتون فرصة المشاركة في مسابقات التوظيف التي تخصصها وزارة التعليم العالي للحاصلين على الدكتوراه في شتى التخصّصات العلمية.
وبسبب ما يصفه الطلاب بـ "الشرط التعجيزي"، تعطّل أكثر من ألف و200 طالب دكتوراه من الذين تمكنوا من إنجاز أطروحاتهم، بسبب عدم تمكّنهم من الحصول على قبول بالنشر في المجلات المصنفة أعلاه. ويقول الطالب والأستاذ في كلية العلوم الاقتصادية في العاصمة الجزائرية وهيب زايدة، لـ "العربي الجديد"، إنه تمكن من التعليم في الجامعة لعدد من الساعات في انتظار قبول مقاله العلمي للنشر في مجلّة محكمة ومصنّفة. ويرى أن هذا الشرط يمثل مشكلة كبرى أمام الطلاب الراغبين في مواصلة جهودهم وإجراء أبحاثهم، لافتاً إلى أن إلغاء شرط المقال يمكن أن يفسح المجال للطلاب بالاستمرار في البحث العلمي والتفوق والاستمرارية. لكن يرفض باحثون وأساتذة جامعيون هذا المقترح، باعتبار أنه يتوجب على الباحث الحقيقي أن يجتهد ويبحث ويكتب وينشر مقالات علمية، فإذا "لم يستطع ذلك، فهو لا يستحق لقب دكتور".
في المقابل، يقول طلاب تحدثت إليهم "العربي الجديد" إن الإشكالية تتعلق بالتوازن بين "العرض والطلب"، وإيجاد حلول لقلة عدد المجلات المصنفة، بالمقارنة مع طلبات النشر من قبل الباحثين. ويقترح هؤلاء أن تتحرّك وزارة التعليم الجزائرية بهدف منح العشرات من المجلات التابعة للكليات والجامعات داخل الجزائر حقّ التصنيف، ما سيساهم في الحد من مشكلة المفاضلة.
بات نشر المقال العلمي بالنسبة للبعض أصعب من إنجاز الأطروحة نفسها
ويرى الأستاذ وليد بوهني في كلية العلوم السياسية أن نشر المقال في الجزائر ليس معياراً لكفاءة الأستاذ الباحث على الإطلاق. ويطالب في حديث لـ "العربي الجديد"، "بتشديد شروط قبول المقالات الجديرة بالنشر، وإعادة النظر في عدد المجلات المحكمة ومحاولة استحداث وتأهيل مجلات أخرى وإعادة النظر في دورية الصدور مع إعطاء الأولوية لطلاب الدكتوراه المقبلين على مناقشة رسائلهم أو إلغاء شرط النشر نهائياً".
هذا الواقع دفع بعض الطلبة إلى التفكير مسبقاً في كتابة المقال العلمي وإرساله للنشر قبل فترة من الانتهاء من رسالة الدكتوراه لكسب الوقت. يشار إلى أنه بالإضافة إلى مشكلة نشر المقال العلمي والبحث وتحضير أطروحة الدكتوراه، يستدعي المسار العلمي لطالب الدكتوراه تحصيل 180 نقطة كرصيد من أجل قبول إيداع الأطروحة في إدارة الجامعة وتمريرها على المجلس العلمي الذي يؤهلها للعرض أمام لجنة علمية للقراءة وبعدها للمناقشة. وتُجمع هذه النقاط من خلال المشاركة في الملتقيات العلمية، ما يعني أنه يتم تقييم كل ملتقى بحسب مستواه الأكاديمي وطبيعته، بالإضافة إلى الأبحاث.
وتقول سلمية بلبحري، الطالبة في جامعة العلوم الاجتماعية والإنسانية في ولاية عنابة، لـ "العربي الجديد"، إن طلاب الدكتوراه يواجهون ثلاثة تحديات كبرى؛ الأول يتمثل في البحث وجمع المادة العلمية للبدء في إنجاز الأطروحة، والثاني يتعلق بالمشاركة في الملتقيات الوطنية الدولية التي بدورها تتطلب جهداً علمياً وبحوثاً لعرضها في تلك الملتقيات، مشيرة إلى أن تحضير أوراق بحثية لمؤتمر ما قد يحتاج أكثر من شهرين لاتمام العمل. والثالث هو نشر مقال علمي في مجلة علمية".
بالأرقام، يواجه أكثر من 2600 طالب دكتوراه في الجزائر مشاكل أكاديمية في ظل الشروط الكثيرة التي تدفع البعض إلى تغيير مساراتهم.