طلاب تونس يقبلون على الدراسة باللغة الإنكليزية

04 سبتمبر 2022
غالبية طلاب تونس يرغبون الدراسة بالإنكليزية (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

تتجه مؤسسات تعليمية خاصة في تونس إلى زيادة الاعتماد على المناهج المقدمة باللغة الإنكليزية في ما يبدو استجابة لحاجة سوق العمل، في حين تحافظ أغلب المناهج الحكومية على كونها باللغة الفرنسية رغم إعلان بعض الكليات استخدام الإنكليزية بداية من السنة الجامعية الجديدة.
وكشفت كلية طب الأسنان الحكومية أخيراً عن منح طلابها إمكانية التسجيل في الدراسة باللغة الإنكليزية بشكل اختياري، وقالت في بيان إنه "بالتوازي مع التدريس باللغة الفرنسية الذي سيبقى متاحا للجميع، فقد تقررت إتاحة أول دفعة من الطلبة الراغبين في متابعة دراستهم لطب الأسنان باللغة الإنكليزية". ودعت الطلبة الجدد إلى تحديد اللغة التي يرغبون في الدراسة بها في استمارة يتم تسليمها إلى شؤون الطلبة.
ويعد تحوّل كلية طب الأسنان نحو الاعتماد التدريجي للإنكليزية في التدريس نقلة نوعية في جامعة حكومية، بينما سبقتها الجامعات الخاصة في هذا المسار، لا سيما المتخصصة في تدريس الإعلام والذكاء الاصطناعي.
ولقي الإعلان استحسانا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ومن طلاب الجامعات الذين طالبوا بتوسعة هذا النوع من المبادرات التي تفتح أفق عمل أرحب للطلاب في مختلف الاختصاصات، في حين طالب تونسيون سلطات بلادهم باعتماد الإنكليزية لغةً ثانيةً في المناهج الدراسية جنبا إلىى جنب مع الفرنسية، وتعميمها في مؤسسات التعليم الحكومي، وفي كل المستويات الدراسية.
ويرى كثير من المختصين أن تسريع الانتقال نحو المناهج الإنكليزية يضمن تكافؤ الفرص بين طلاب المؤسسات الحكومية والخاصة، وتقليص الفجوة التعليمية التي توسعت نتيجة الصعوبات الهيكلية التي يعاني منها التعليم العمومي.
وقال الأكاديمي التونسي سهيل علوي إن "أغلب المراجع العلمية في اختصاصات الطب والإعلام والمالية والذكاء الاصطناعي أصبحت تصدر باللغة الإنكليزية، وهو ما يضطر الطلبة إلى ترجمتها إلى الفرنسية لمساعدتهم على إنجاز أطروحات التخرج، أو نشر المقالات في النشريات العلمية الدولية".
وأضاف الأستاذ الجامعي، لـ"العربي الجديد"، أن "المناهج التعليمية في القطاع الحكومي يجب أن يجرى تطويرها بذات السرعة التي تتطور بها المناهج في القطاع الخاص، والذي يتوسع في اعتماد الإنكليزية لغةَ تدريس أساسية"، معتبراً أن ذلك "يحتاج إلى سياسات عامة، وإمكانيات كبيرة، وتأهيل لإطار التدريس، وهو أمر يحتاج إلى سنوات من أجل تحقيقه".
لكن تونس، البلد المنتمي إلى منظمة الفرانكوفونية، لم تتخذ أي قرار رسمي بشأن التوسع في تدريس الإنكليزية على غرار الجزائر، التي أمر رئيسها عبد المجيد تبون، خلال اجتماع لمجلس الوزراء في يونيو/حزيران الماضي، باعتماد اللغة الإنكليزية بداية من الطور الإبتدائي، مشدداً على ضرورة مراجعة البرامج التعليمية، وأن تكون المراجعة وفق أهداف محددة تعتمد بالأساس على نتائج التعليم التربوي، مع تحديد روزنامة عامين أو ثلاثة لتنفيذها".

تعلم الإنكليزية أصبح مطلوباً في تونس (ياسين قايدي/الأناضول)
تعلم الإنكليزية أصبح مطلوباً في تونس (ياسين قايدي/الأناضول)

وبعيداً عن القرار السياسي الرسمي، أصبح الجيل الجديد من طلاب تونس أكثر انفتاحا على اللغة الإنكليزية، وهم يعتمدون على وسائلهم الخاصة في دعم مكاسبهم من هذه اللغة، بما في ذلك من تلقوا تعليمهم في القطاع الحكومي.
حصلت الشابة التونسية فرح سليم على شهادة البكالوريا هذا العام، واختارت التسجيل في جامعة خاصة لدراسة الإعلام باللغة الإنكليزية، مؤكدة أنها طورت لغتها الإنكليزية بوسائلها الخاصة، مثل الدروس المجانية المتاحة على شبكة الإنترنت. وأضافت الطالبة في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الاهتمام باللغة الفرنسية لدى الشباب يشهد تراجعاً كبيراً، وبات أغلبهم يجيد الإنكليزية، ويحصلون على علامات جيدة فيها مقابل علامات سيئة في الفرنسية. الإنكليزية هي لغة العالم حالياً، وهذا الانفتاح عليها يسمح للطلاب الجدد بالحصول على فرص أكبر في سوق العمل، خصوصاً أن كثيرين ينوون تجربة الهجرة بعد التخرج". وأشارت سليم إلى أن "أفكار الشباب حول الهجرة تغيرت، ووجهتهم الأولى انتقلت من الدول الفرانكوفونية، كما كان الأمر في السابق، نحو دول أميركا الشمالية ودول الخليج العربي، وهي دول  يعتمد أغلبها على الإنكليزية".
ولما كانت تونس بلداً مؤسساً لمنظمة الفرانكوفونية مع السنغال، والنيجر، وكمبوديا، وعضواً ناشطاً في المنظمة الدولية، فإنها تولي المشروع الفرانكوفوني اهتماماً متواصلاً، وتستعد البلاد لاحتضان القمة الفرانكوفونية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لتوثيق الروابط التي تعود إلى فترة حكم "البايات" قبل الاحتلال الفرنسي.

ورغم أن العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، فإنّ اللغة الفرنسية ظلت أكثر من 3 عقود بعد الاستقلال لغة المخاطبات الرسمية داخل الإدارات الحكومية، قبل اتخاذ قرار تعريب الإدارة في عام 1993، غير أن تطبيق قرار التعريب دخل حيز التنفيذ فعلياً في أواخر 1999، لتقطع تونس بذلك مع تقاليد فرانكفونية واصلت العمل بها بعد حصولها على الاستقلال قبل أكثر من ستين عاماً.
ومُنع، بمقتضى قرار التعريب، اعتماد أيّ لغة أجنبية في مراسلات الإدارة مع المواطنين التونسيين، كما حُظر استعمال أي لغة أجنبية في المعاملات الداخلية الخاصة بالإدارة، كتحرير المناشير والقرارات والمذكرات والتقارير، ونفذت السلطات حينها حملة واسعة لإجبار التجار وأصحاب المؤسسات على تعريب اللافتات، لكنّ هذه الحملة لم تدم سوى بضعة أيام قبل أن تشهد فتوراً.

المساهمون