وصلت حمامة بيضاء إلى أعلى منزل الأسيرة الفلسطينية المحررة أمان نافع، زوجة عميد الأسرى الفلسطينيين نائل البرغوثي، في بلدة كوبر، شمال غرب رام الله، وسط الضفة الغربية، فقالت إن لكل شيء معنى، ربما لم يأت هذا الطير بالصدفة، في إشارة إلى الأمل بالإفراج عن زوجها (65 عاماً)، وصاحب أطول مجموع اعتقال في سجون الاحتلال.
أمان نافع نظرت بعد ذلك إلى شجرة مشمش في حديقة المنزل، وقالت إن الذي زرعها هو المناضل عمر البرغوثي (أبو عاصف)، شقيق زوجها، وأكل منها مع شقيقه، لكن بعد وفاة أبو عاصف، وإعادة اعتقال نائل (أبو النور)، يبس ثلثا الشجرة تقريباً، وبقي الثلث، في انتظار خروج (أبو النور).
كلمات أرادت نافع من خلالها القول إن الأمل لم يذهب رغم إتمام زوجها ما مجموعه 42 عاماً في سجون الاحتلال، سنوات تخللها فقط 33 شهراً من الحرية، بعد الإفراج عنه في صفقة تبادل وفاء الأحرار بين حركة حماس والاحتلال، قبل أن يعاد اعتقاله.
هذا العام، وعلى غير العادة، وتماشياً مع الرسالة الصامتة التي أراد نائل إرسالها، قاطعت عائلته، اليوم الثلاثاء، الاعتصام الأسبوعي لمؤسسات الأسرى والذي خصص لقضيته ولقضية الأسرى الأطفال بمناسبة يوم الطفل العالمي، لكن مؤسسات الأسرى وشخصيات فلسطينية قررت تنظيم زيارة إلى منزل البرغوثي، رغم إحجام العائلة عن تنظيم فعالية اعتادت على إقامتها أمام منزل البرغوثي كل عام.
وتعتقد أمان نافع، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن رفض زوجها إرسال رسالة بمناسبة دخوله عاماً جديداً في سجون الاحتلال كما اعتاد واكتفى بالقول: (الصمت أبلغ)، وكأنه يريد أن يقول إننا منذ 42 عاماً نتكلم، ولم يعد هناك كلام آخر، فيما تؤكد نافع أنه "ليس من المعقول أن يبقى أسيرا لـ42 عاماً، وليس معقولاً بقاء كريم وماهر يونس لـ40 عاماً، ويفرج عنهما بعد انتهاء محكوميتهما، فمن المسؤول؟".
وتتابع نافع: "كعائلة قررنا جميعاً عدم التحدث وتنظيم وقفات، أو المشاركة بوقفة اليوم احتجاجا على ما يحدث من ترك نائل والأسرى كل هذه المدة! لكن احتراماً لوجود الزوار فرسالتي أنني أريد أن يفرج عن نائل وكافة الأسرى، لا أريد أن أحمل أحداً المسؤولية، لأن من سيسمعني سيعرف من المسؤول".
رغم ذلك، فقد أعدت نافع قبل وصول الزائرين زاوية خاصة لمقتنيات وصور زوجها التي أخرجها من السجن على مدار عقود، وتفقدت بعض المقتنيات، بينها صورتان، وهو شاب، وأخرى تجمعها به داخل السجن وقد غزا الشيب رأسه.
سرعان ما انتقلت نافع إلى مذياع صغير قديم كان مع نائل بالسجن، وضعت بداخله بطاريات، وحاولت تشغيله، صدرت بعض الأصوات أو "الخشخشات"، فقالت: "لا يزال فيه نفس بعد 42 عاماً، وربما نصلحه بعد خروج نائل من السجن، بالتأكيد هو يريد صاحبه، وهو الذي يستطيع التعامل معه".
كان هذا هو المشهد في منزل البرغوثي، مزيج من احتجاج وغضب، ولكن الأمل لا يتوقف أيضاً بأن لحظة الإفراج عنه ستحصل لا محالة.
من جانبه، قال رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس، لـ"العربي الجديد": "إن رسالة نائل هذا العام بالصمت (بليغة)، بعدما مضى ما يقارب نصف قرن من الزمان على اعتقاله، أظن أن صمته يحمل بعض العتب على قادة الحركة الوطنية، فهو مؤدب إلى حد أنه لا يمنّ على أحد بنضاله وصبره، ولكن وكأنه يقول ما بالكم! وقد اعتادت الحركة الوطنية حسب التسلسل الزمني أن لا يمضي عقد كامل من الزمن دون أن تكون هناك عملية تبادل".
ويعتقد فارس أن البرغوثي لا يفكر بنفسه فقط، وإنما بثلاثمائة أسير دخلوا تصنيف عمداء الأسرى (أي أمضوا أكثر من 20 عاماً داخل سجون الاحتلال)، ويقول فارس: "هذا شيء يستوقفنا لاستخلاص العبر وإعادة ترتيب الأولويات، وليس فقط الحديث عن معاناة الأسرى، بل يجب التفكير بوضع آليات لتحريرهم".
وقد واجه نائل البرغوثي الاعتقال في عام 1978، وقضى 34 عاماً بشكلٍ متواصل، وتحرر عام 2011 ضمن صفقة تبادل "وفاء الأحرار" وكان حتى ذلك الوقت يسمى عميد الأسرى بصفته أقدم أسير فلسطيني، إلا أنّ الاحتلال أعاد اعتقاله ضمن حملة اعتقالات واسعة عام 2014، طاولت العشرات من المحررين في الصفقة، وتبقى اليوم منهم رهن الاعتقال 47 أسيراً.
وأخيرا، عُقدت جلسة لنائل بمحكمة عوفر العسكرية، غرب رام الله، بعدما أعادت المحكمة العليا لها قضية نائل، لكن محكمة عوفر لم تصدر قراراً بشأن المطالبة بإنهاء اعتقاله حتى الآن.
وأمام مقر الصليب الأحمر في مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله، نظم الاعتصام الأسبوعي المساند للأسرى، الذي خصص لذكرى اعتقال نائل، وإسنادًا للأسرى الأطفال بمناسبة اليوم العالمي للطفل. ورفعت في الاعتصام صور الأسرى وبوستر يحمل صورتين لنائل، إحداها وهو فتى، وأخرى حديثة، وقد كتب عليه: "43 عاماً بانتظار الحرية، إلى متى؟".
وحول قضية الأطفال، قال مدير مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات" حلمي الأعرج، لـ"العربي الجديد": "إن الطفل الفلسطيني يعيش واقعاً مريراً، فالاحتلال يستهدف الأسير الطفل كبقية الأسرى، أطفال فلسطين يكبرون والاحتلال مستمر باستهدافهم"، مشيرا إلى أن إدارة سجون الاحتلال تحرم الأسرى الأطفال من التعليم، وتضيق الخناق عليهم.
وبحسب بيانات نادي الأسير الفلسطيني، فإن أكثر من 750 حالة اعتقال سُجلت بين صفوف الأطفال والفتية منذ مطلع العام الجاري، كان من بينهم جرحى تعرضوا لإطلاق نار قبل الاعتقال، وأثناء اعتقالهم، فيما يبلغ عدد الأسرى الأطفال حالياً نحو 160 طفلًا، بينهم ثلاث طفلات.