مع اقتراب فصل الشتاء، يشعر معظم سكان شمال غرب سورية بالعجز عن تأمين مواد ومستلزمات التدفئة، في ظل الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات وتدنّي أجور العاملين في المنطقة. إذ لا يتجاوز دخل الفرد 75 دولاراً أميركياً، ما يضطر كثيرون إلى الاستغناء عن معظم احتياجاتهم الضرورية سعياً لتدفئة عائلاتهم.
ويقول محمود حمدون الذي يعمل مدرساً في مدينة إدلب، لـ "العربي الجديد": "يصعب على رب الأسرة تأمين لقمة العيش وبدل إيجار المنزل، ويأتي فصل الشتاء لتزداد الأعباء المادية. لذلك، لا بد أن يعمل أكثر من شخص في الأسرة الواحدة لتأمين مصدر دخل آخر، خصوصاً أن مستلزمات التدفئة وحدها تتطلب راتباً كاملاً بسبب غلاء المحروقات، وقد بلغ سعر ليتر المازوت الأوروبي هذا العام 1938 ليرة تركية (نحو مائة وأربعة دولارات)، وسعر المازوت المكرر 1078 ليرة تركية (نحو 58 دولاراً)، فيما بلغ سعر طن قشر الفستق الحلبي 225 دولاراً أميركياً، وسعر أسطوانة الغاز المنزلي 213 ليرة تركية (نحو 11 دولاراً). كما ارتفع سعر الحطب بنسبة 25 في المائة، مقارنة بالعام الماضي، ليصل إلى 175 دولاراً بعدما كان 140 دولاراً للطن الواحد، وذلك بعد إغلاق المعابر بين مناطق شمالي غرب سورية ومناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد). يضيف أن "الحطب مادة رئيسية للتدفئة في المنطقة، إلا أن المواطن يبحث عن وسائل التدفئة الأقل كلفة".
يشكو معين خضير (57 عاماً)، وهو مهجّر من ريف حماه، عدم استطاعته تأمين وسائل التدفئة هذا العام، بالتزامن مع افتتاح المدارس ومستلزماتها. ويقول لـ "العربي الجديد": "أعيش في بيت عربي شديد البرودة وغير معزول، وأدفع بدل إيجار قيمته 40 دولاراً في الشهر، في بلدة دير حسان شمالي إدلب، ولا أدري إن كنت سأتمكن هذا العام من تأمين الحطب لتدفئة أطفالي، بعدما وصل سعر الحطب إلى 175 دولاراً للطن الواحد، علماً أنني لا أتقاضى أكثر من 50 ليرة تركية (نحو دولارين ونصف الدولار) في اليوم. فإما تأمين الطعام لأولادي أو توفير مواد التدفئة. في كل عام، يكون الوضع أسوأ من العام الذي قبله، خصوصاً بعد ارتفاع بدلات إيجار البيوت في ظل موجة الغلاء التي تشهدها المنطقة".
أما محمد أرمنازي الذي يسكن في بيت مؤلف من غرفة واحدة ومطبخ صغير برفقة زوجته وثلاثة أطفال يعانون من الربو والتهاب القصبات المزمن، فيقول لـ "العربي الجديد": "ما إن يقترب فصل الشتاء حتى ترتفع أسعار مواد التدفئة والحطب بشكل يومي، ولا أعرف هذا العام الوسيلة التي سنلجأ إليها للتدفئة. العام الماضي تعرّض أطفالي لنوبات اختناق لمرات عدة يومياً، بسبب رائحة احتراق الحطب والنايلون والأحذية والملابس البالية التي كنا نضعها في المدفأة بدلاً من استخدام المازوت كونها أقل كلفة، على الرغم من إدراكنا مدى تأثيرها على صحة أطفالنا. إلا أنها كانت الوسيلة الوحيدة المتاحة لدينا".
يتابع: "خلال العام الماضي، نُقل أطفالي الثلاثة إلى المستشفى وخضعوا لجلسات الرذاذة في المستشفى بشكل يومي ولعدة مرات، بالإضافة إلى حصولهم على حقن للتعافي من الربو. لذلك، قد لا أستخدم الحطب هذا العام وأكرر مأساة العام الماضي، لكنني لا أدري ما إذا كنت سأستطيع تأمين كلفة نوع آخر من المحروقات يكون أقل كلفة وأخف ضرراً".
بدوره، يقول طبيب الأطفال أحمد زياد حمدان الذي يعمل لدى منظمة "سامز" الطبية، لـ "العربي الجديد"، إنه "مع دخول فصل الخريف، يصاب الأطفال في الشمال السوري الواقع تحت سيطرة المعارضة بأمراض تنفسية متكررة وشديدة، يساهم في زيادتها النزوح المتكرر بالدرجة الأولى، والوضع الاقتصادي السيئ جداً، وعدم قدرة الأهالي على تأمين التدفئة الضرورية خلال فصل الشتاء، واستخدام وسائل التدفئة البديلة التي تتمثل في الفحم الحجري أو بقايا البلاستيك والنفايات التي تؤدي إلى اشتعال غير كامل ينتج عنه غاز أول أوكسيد الكربون الضار جداً، الأمر الذي يزيد من الأمراض التنفسية لدى الأطفال".
يضيف حمدان أن "نصف سكان منطقة شمالي غرب سورية يعيشون في مخيمات لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة، فهي لا تقي من حر الصيف وبرد الشتاء، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة إصابة الأطفال بالأمراض التنفسية والصدرية. وللأسف، ما من حلول غير الملابس والأغطية إذا لم يتوفر المازوت بسبب سعره المرتفع. إلا أن الفقر مستشرٍ وقد لا يتوفر لدى الناس سعر الطعام أو الملابس".
ويشير حمدان إلى أنه في فصل الشتاء يصاب أكثر من 90 في المائة من الأطفال بأمراض تنفسية. وخلال العام الماضي، احتاج الكثير من الأطفال للاستشفاء بسبب موجة البرد الشديدة، خصوصاً الرضع ما دون الثلاثة أشهر. والأطفال في هذا العمر لا يتحملون البرد، لذلك كانت غرف العناية المركزة ممتلئة". يضيف: "عالمياً، كانت نسبة الوفيات بين الأطفال بسبب البرد واحد في المائة تقريباً"، ويتوقع أن ترتفع النسبة إلى 3 في المائة هذا العام، إلا أن المستشفيات غير قادرة على استيعاب أعداد كبيرة.
ويكشف فريق "منسقو استجابة سورية" في تقرير نشره على صفحته على "فيسبوك" أن العديد من الأسر ستكون عاجزة عن تأمين مواد التدفئة لفصل الشتاء المقبل في شمال غربي سورية، بعد ارتفاع أسعار مواد التدفئة بنسبة 25 في المائة بالمقارنة مع العام الماضي، علماً أن 79 في المائة من العائلات لا يتجاوز دخلها 50 دولاراً شهرياً، مبيناً أن نحو 92 في المائة من العائلات غير قادرة على تأمين مواد التدفئة للشتاء المقبل، 78 في المائة منهم من النازحين.
وبحسب التقرير، تسعى 61 في المائة من العائلات إلى تخفيض احتياجاتها الأساسية في محاولة لتأمين التدفئة لهذا العام.
ويطالب الفريق، المنظمات الإنسانية والأممية، ببدء تجهيز مشاريع الشتاء وتلافي فجوات التمويل الكبيرة الموجودة حالياً لتأمين الدعم اللازم لأكثر من 1.8 مليون مدني في المخيمات.