عراقيون قلقون في استقبال رمضان وسط الغلاء وكورونا
قبيل حلول شهر رمضان، راح العراقيون يستعدون لاستقباله من خلال التبضع، وسط أجواء مقلقة بسبب موجة الغلاء التي لحقت بالمواد الغذائية بعد تخفيض الحكومة قيمة الدينار العراقي في مقابل الدولار الأميركي، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا الجديد. وقد تضاعفت الأسعار في الأسواق العراقية، رغم تأكيد الحكومة في أكثر من مناسبة على محاسبة واعتقال كل من يستغل الأزمة الاقتصادية ليتلاعب بالأسعار. لكنّ تلك التحذيرات لم تلقَ آذاناً صاغية لدى التجار، فتواصل الأسعار ارتفاعها، بحسب ما تؤكد مصادر محلية من عموم محافظات البلاد.
وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قد صرّح بأنّ "ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية المصنعة محلياً هو محاولة من أصحاب النفوس الضعيفة وبعض الجشعين من التجار لإرباك الوضع الاجتماعي"، مؤكداً استغلال التجار لإقبال المواطنين على شراء المواد مع اقتراب شهر الصوم". أضاف: "وجّهت تعليمات من وزارة الداخلية والأمن الاقتصادي لاتخاذ إجراءات مناسبة لمنع التلاعب بقوت المواطن اليومي، وكفّ جشع بعض التجار، ومتابعة الأسواق".
ويستورد العراق معظم مواده الغذائية بالدولار الأميركي، ما تسبب في ارتفاع الأسعار بنسبة طفيفة في خلال الفترة السابقة، لكنّ الأسابيع الماضية شهدت ارتفاعاً كبيراً، خصوصاً بأسعار زيوت الطعام والأرزّ والسكر والطحين. في هذا الإطار، يشتكي أبو أحمد من أهالي حي الكرادة وسط بغداد، من "الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية، وتحديداً الحليب والزيت والأجبان التي سجّلت ارتفاعا ملحوظاً أرهق المواطنين خصوصاً وهم يستعدون لشهر رمضان، وذلك من دون مراقبة حكومية واضحة". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "ذلك يأتي مع العلم أنّ مواد غذائية عديدة غير مستوردة ويتم إنتاجها في داخل العراق، كالألبان والملح وبعض أنواع البسكويت. لكنّ التجار استغلوا غياب الرقابة الحكومية، متّجهين إلى رفع معظم المواد الغذائية في الأسواق". ولشهر رمضان في بغداد نكهته وطقوسه الخاصة، بحسب أبو أحمد، "أبرزها شراء الحلويات والفواكه بالإضافة إلى مواد غذائية أخرى. لكن مع الأزمات المتلاحقة، باتت العائلات تفكر جيداً قبل شراء ما تحتاجه من السوق بعد تراجع قيمة الدينار العراقي في مقابل الدولار الأميركي. ولهذه الأسباب فإنّ بعض طقوس رمضان سوف تغيب عن بيوت العراقيين".
من جهته، يشير صاحب متجر في حي اليرموك ببغداد، إلى أنّ "ارتفاع الأسعار أمر تتحمل مسؤوليته الحكومة العراقية والمستوردون من التجار المتعاونين مع الأحزاب والفصائل المسلحة وبعض المسؤولين، وليس أصحاب المتاجر والمحال التي تبيع المواد الغذائية. فالارتفاع الحاصل حالياً هو من التجار المستوردين الذين رفعوا قيمة البضائع بحجة ارتفاع سعر صرف الدولار". يضيف أنّ "السخط الكبير هو على أصحاب المحال الصغيرة، على الرغم من عدم تحملهم أيّ مسؤولية أو ذنب في هذا الإطار". ويوضح لـ"العربي الجديد" مفضلاً عدم الكشف عن هويته، أنّ "الارتفاع أضرّ كثيراً بأصحاب المحال الصغيرة، لأنّهم باتوا غير قادرين على التعاطي مع التجار الذين تسببوا في خسارة المحال والمتاجر العادية. والمشكلة تتواصل مع تراجع القدرة الشرائية لدى المواطن، ما يدفعنا إلى تخفيض الأسعار والقبول بنسبة ربح بسيطة جداً فقط لنواصل العمل". ويلفت صاحب المتجر نفسه إلى أنّ "العراقيين في شهر رمضان يتبضعون بشكلٍ كبير، فهو شهر نعدّه من مواسم الربح الجيدة. لكنّ السنة الحالية لن تكون كسابقاتها بعد تراجع الوضع الاقتصادي واقتصار التبضع على الحاجات الأساسية والضرورية".
ويطالب نواب وكتل سياسية الحكومة بإعادة سعر صرف الدولار الأميركي إلى ما كان عليه سابقاً، بسبب ما خلّفه خفض قيمة الدينار العراقي من انعكاسات سلبية على معيشة المواطن. ويقول عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي جمال كوجر لـ"العربي الجديد" إنّ "الحكومة العراقية التي رضيت أن يكون سعر الدولار الأميركي مرتفعاً قياساً بقيمة الدينار الوطني، عليها حماية ذوي الدخل المحدود والفقراء من جشع التجار وتعاقب المنتفعين من الأزمات"، موضحاً أنّ "ثمّة انفلاتاً في الأسواق، إذ يقوم التجار برفع الأسعار على هواهم. وثمّة تجاوزات كثيرة تحدث، من ضمنها رفع أسعار البضائع من المنتج الوطني مع العلم أنّها لم تتأثر بانخفاض قيمة الدينار".
أمّا السياسي العراقي سعد المطلبي فيلفت إلى أنّ "موازنة عام 2021 لم تلتفت إلى الفقراء، بل خضعت لمزاجية ومصلحة بعض الأحزاب الكبيرة التي حصلت على مكاسب مالية من جرّاء انخفاض قيمة الدينار العراقي. وعلى الرغم من أنّ مناصري تلك الأحزاب بمعظمهم من الطبقة الفقيرة، فإنّ ذلك لم يشفع لهم استغلال أحزاب السلطة لهم والتحكم بمصيرهم". ويؤكد المطلبي لـ"العربي الجديد" أنّ "شكاوى الأهالي من رفع الأسعار تزايدت، خصوصاً أنّ التجار معتادون على رفع أسعارهم قبيل شهر رمضان، علماً أنّ هذه السنة مختلفة على العراقيين بسبب قرار الحكومة رفع سعر صرف الدولار". تجدر الإشارة إلى أنّ السلطات العراقية تبّتت في ديسمبر/ كانون الأول 2020، سعر بيع الدولار الأميركي للمصارف وشركات الصرافة في مقابل 1450 ديناراً عراقياً بدلاً من 1190 ديناراً للدولار الواحد، مبررة ذلك بالعجز في مشروع قانون موازنة 2021.