تثير عمليات القتل المتزايدة قلقاً كبيراً في المجتمع السويدي، على المستويين التشريعي والحكومي. فخلال نحو 10 أيام قتل 7 أشخاص بالرصاص في السويد، في أعنف عمليات انتقام متبادلة بين عصابات الجريمة المنظمة.
آخر الضحايا كانا مراهقين (13 و17 عاماً)، إضافة لتورط صبيين مراهقين في قتل سيدة في الـ 60 من العمر، ما فجر نقاشاً غير مسبوق عن "صراع العصابات"، وسياسات الهجرة والدمج في البلاد.
ونقلت وسائل الإعلام المحلية عن رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية لمنطقة وسط السويد، يالي بولغاريفيوس، أمس الاثنين، أن ما تشهده البلاد من عنف "وضع لم نعشه منذ عام 1945، فهذه أوقات خطيرة في البلاد".
تحتل السويد مرتبة متقدمة على مستوى الجريمة المنظمة والقتل بالرصاص والتفجيرات على المستوى الإقليمي في إسكندنافيا وأوروبا
وتحتل السويد مرتبة متقدمة على مستوى الجريمة المنظمة والقتل بالرصاص والتفجيرات على المستوى الإقليمي في إسكندنافيا وأوروبا. ففي العام الماضي على سبيل المثال لقي 63 مواطناً مصرعهم بإطلاق الرصاص، بينما لم تشهد الجارة الدنمارك سوى 8 عمليات قتل. وعلى تلك الخلفية دعا وزير العدل، غونار سترومر، من حكومة يمين الوسط برئاسة أولف كريسترسون، إلى اجتماعات أزمة استثنائية لمناقشة الوضع والتدابير التي يمكن اتخاذها في مواجهة العنف.
ومع أن حكومة استوكهولم الحالية المحافظة برئاسة كريسترسون، ويسار الوسط السابقة برئاسة ماغدالينا أندرسون، اتخذت جملة من الإجراءات لضبط الوضع الأمني، بما في ذلك مكافحة تجنيد الأطفال والشباب من العصابات المنظمة، إلا أن "مجلس مكافحة الجريمة" يرى أنه يجري تجنيد المزيد من المراهقين في حروب العصابات.
وتتقاتل مجموعات مختلفة على أسواق المخدرات في المجتمع السويدي، الذي يعاني من أزمة "تشكل منعزلات عرقية"، كما تصف رئيسة الحكومة السابقة أندرسون، داعية إلى سياسات جدية لتفكيك "المجتمعات الموازية"، وبالاستفادة مما سمته "النموذج الدنماركي".
وكانت كوبنهاغن قد انتهجت في السنوات الأخيرة سياسات متشددة في مجال منع ما تطلق عليه "الغيتوهات" في ضواحي المدن الدنماركية، بتوزيع السكان الذين ينحدرون من أصول مهاجرة، وتفكيك مجمعات سكنية بنيت في ستينيات القرن الماضي لأجل "سياسات دمج شامل في المجتمع". وتشديد قوانين العقوبات، وتفكيك وحظر عصابات، مثل عصابة "الولاء للعائلة" (وتشمل العشرات من أصول مهاجرة)، التي عادت مؤخراً إلى دوامة عنف مع عصابة "الروك" الدنماركية (هيلز أنجليز).
وتصب موجة العنف الأخيرة في السويد في مصلحة التيارات المتشددة الداعية لتعديلات صارمة في قوانين العقوبات، واتخاذ المحاكم قرارات بحل العصابات التي تنشط في الضواحي، وتأمين الحصول على شهادات سرية، بعد أن عانت السلطات كثيراً من غياب الشهود، بسبب الخوف من عمليات انتقام المجموعات المسلحة، والتي تستخدم عبوات ناسفة في ترهيب بعض السكان.
ويرأس وزير العدل السويدي، غونار سترومر، اجتماعات اليوم الثلاثاء، مع "مجلس مكافحة الجريمة المنظمة"، والذي يضم رئيس الشرطة الوطنية ومسؤول الإدارة التنفيذية فيها، إلى جانب النائب العام والمديرية العامة للجمارك، إذ تتزايد عمليات تهريب المخدرات إلى البلد. ويتعاون المجلس مع البلديات والوكالات الاجتماعية وإدارات المدارس على مستوى البلد، حيث يتشارك الجميع في الاجتماعات الطارئة، بعد تفاقم عمليات القتل وإطلاق النار بصورة شبه يومية.
30 عصابة تدار من الخارج
وتشير التقارير الشرطية والإعلامية في استوكهولم إلى أن بعض متزعمي العصابات "يقومون باتصالاتهم من تركيا، ودول أخرى يختبئون فيها خشية الملاحقة في السويد". وكانت سلطات أنقرة قد اعتقلت أخيراً بعض حاملي الجنسية السويدية، ممن تربطهم استوكهولم بعالم الجريمة المنظمة.
وتقدر أرقام رسمية أمنية أن نحو 30 عصابة إجرامية يشتبه بسيطرتها على العالم السفلي للجرائم المرتبطة بالمخدرات وأسواق أخرى ممنوعة، تدار من الخارج.
وأشار تقرير للتلفزة الرسمية السويدية، "أس في تي"، إلى أن السلطات تحاول "جلب المختبئين في الخارج لأجل محاكمتهم في الوطن"، وفقاً لما قال رئيس الشرطة الوطنية أندرس ثورنبرغ.
عصابة "فوكستروت"
وتعد عصابة "فوكستروت" إحدى أهم العصابات التي يشتبه بمسؤوليتها عن أخطر عمليات القتل. ووفقاً للتقارير الصحافية في استوكهولم فإن ما يجري هو "قيام المسؤول في العصابة، يدعى راو مجيد، ويحمل اسم (الثعلب الكردي)، بإصدار أوامره من تركيا التي فرّ إليها (أوقف في تركيا ويحمل جنسية مزدوجة)". وتطالب السلطات السويدية أنقرة بتسليمه من أجل ملاحقته أمام محاكمها وهو على لائحة الإنتربول.
وتربط السلطات الأمنية العصابات المحلية بعصابات أخرى على المستوى الأوروبي، مثل ألمانيا التي تنتشر أيضاً فيها ما يسمى "عصابات العشائر". ويذهب مسؤول جهاز الشرطة السويدية ثورنبرغ إلى الكشف عن أن الشرطة وضعت خريطة تفصيلية لـ30 عصابة، والتي "تدار من مجرمين رئيسيين يختبئون في الخارج، مثل تركيا والصومال والعراق والمكسيك، وهم ممن جرت إدانتهم بمحاولات القتل وغسل الأموال وجرائم خطيرة تتعلق بالأسلحة".
ويعترف المسؤول الأمني اليوم أن "20 شخصاً مطلوبين دولياً هم من يسيطرون عن بعد، ويعطون أوامر القتل والتهريب، ونحاول جاهدين محاكمتهم وطنياً أو الطلب من السلطات الأخرى توقيفهم من أجل محاكمتهم".
وتصف السلطات العنف الأخير بأنه أصبح "أكثر خطورة وتطرفاً"، وذلك بعد الكشف عن أن العصابات باتت تستهدف أفراد عائلات بعضهم البعض، حيث قتلت أخيراً والدة أحد أفراد العصابات وهي في الستين من عمرها، بالإضافة إلى استهداف مباشر بالرصاص والمتفجرات لمساكن أسر المتنافسين في عالم الجريمة.
وتخشى السلطات من انفلات حصر أعضاء العصابات بعد ملاحظة مدير شرطتها ومجلس مكافحة الجريمة المنظمة أن العصابات تقوم يومياً بتجنيد 3 شبان جدد في المتوسط، ويشمل ذلك الأطفال دون الثامنة عشر.
من جانبه، يجد رئيس الحكومة كريسترسون نفسه تحت ضغوط شديدة لاتخاذ إجراءات بوجه دورة العنف الجديدة. ونقلت وكالة الأنباء السويدية، "أن بي تي"، عن كريسترسون قوله، الاثنين، إنه "عندما يُقتل الأطفال بالرصاص وتتعرّض الأمهات لهجوم، ويصاب أبرياء لا علاقة لهم بأعمال العصابات الانتقامية فأعتقد أنه جرى تجاوز حدود جديدة".
وبانتظار أن تسفر الاجتماعات الطارئة على المستويات الحكومية والأمنية عن إجراءات وقرارات محددة خلال الأسبوع الحالي، بينما تستمر دورة العنف دون توقف على مدار الساعة تقريباً، كما تطغى أخبار العنف على النشرات الإخبارية، وتتصدر الصحف والمواقع. فبالكاد لا يمر وقت قصير دون أن يكون هناك خبر عن استهداف مجمع سكني أو أشخاص بالرصاص، ومطاردة الشرطة لجناة مسلحين بأسلحة رشاشة.