يتجدّد الجدال حول تنفيذ عقوبة الإعدام في مصر بعدما استغاثت أم بالقاضي في محكمة الجنايات بالمنصورة لتخفيف عقوبة الإعدام عن ابنها، الذي قتل شقيقته بسبب خلاف على الميراث وحكم عليه بالسجن المؤبد، بدلاً من إحالة أوراقه إلى المفتي تمهيداً لإعدامه.
واستند القاضي في تخفيف حكمه إلى نص المادة 17 من قانون العقوبات المصري، التي تجيز في مواد الجنايات فقط "إذا اقتضت أحوال الجريمة ورأفة القضاة تبديل العقوبة بتوقيع عقوبة السجن المؤبد أو المشدد بدلاً من عقوبة الإعدام المقررة في المادة 230 من القانون". البعض لم يستسغ إصدار حكم الإعدام على قاتل شقيقته، بعد تنازل الأم عن حقها المدني في الدعوى باعتبارها والدة الضحية والجاني، أما البعض الآخر، فقد أصر على موقفه المناهض لعقوبة الإعدام في كافة الجرائم كونها عقوبة تسلب الحياة لا الحرية.
ومصر ليست من الدول العربية التي تستند إلى عفو أهل الضحية عن الجاني لتخفيف عقوبته أو ما يعرف بـ"تنازل أصحاب الدم"، بل إن الشريعة الإسلامية هي مصدر السلطات في الدستور. وعليه، فمصر من الدول المطبقة لأحكام الإعدام.
واللافت أن هذا الجدل تجدد مع نشر مقطع مصور من جلسة النطق بالحكم بحق قاتل شقيقته بعدما أمره القاضي بتقبيل قدم أمه، لكنه لم يتجدد حين أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرها السنوي حول عقوبة الإعدام في العالم، والذي أفاد بأن أربعاً من أصل الدول الخمس الأولى المنفذة للإعدامات في العالم هي من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ إذ استأثرت إيران (246+)، ومصر (107+)، والعراق (45+)، والسعودية (27)، بنسبة 88 في المائة من كافة عمليات الإعدام المبلّغ عنها عالمياً في 2020، من دون احتساب الصين التي يُعتقد بأنها تعدم آلاف الأشخاص كل عام، ما يجعلها الدولة الأكثر تنفيذاً للإعدامات في العالم.
هذه المرتبة التي احتلتها مصر، جاءت من خلال أحكام صادرة عن محاكم استثنائية ومحاكمات شابتها كثير من المخالفات للقواعد الدنيا لإجراءات المحاكمة العادلة، كالتحقيق مع المتهمين من دون حضور محام، وتعرضهم لمعاملة سيئة، وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب، وانتهاكات أخرى عديدة. وارتفع عدد الإعدامات في مصر أكثر من ثلاثة أضعاف من 32 في 2019 إلى 107 في 2020، متجاوزة بذلك السعودية، لتصبح مصر ثالث دولة أكثر تنفيذاً للإعدامات في العام الماضي.
وبالعودة إلى جدال تنفيذ حكم الإعدام في مصر، فإن الخلاف حول هذه القضية ليس جديداً، وقد بدأ عند إصدار العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 1966، والذي دعا إلى الحد من عقوبة الإعدام، وقصرها على أشد الجرائم قساوة وإحاطتها بأشد الضمانات. وعام 1989، ألحقت بالعهد وثيقة اختيارية، وهي البرتوكول الثاني الملحق بالعهد للدول التي توافق على حظر عقوبة الإعدام. ومنذ ذلك الوقت، تصاعدت الدعوة الدولية لمناهضة عقوبة الإعدام.
ولا يقتصر الأمر على كونه مجرد جدال فقهي أو فلسفي حول عقوبة الإعدام، إذ دخل حيز التنفيذ بعد استجابة العديد من الدول وإلغائها عقوبة الإعدام، حتى وصل عدد الدول التي ألغت عقوبة الإعدام في القانون والممارسة إلى أكثر من ثلثي دول العالم البالغ عددها 198 دولة، منها دول ألغت العقوبة بالنسبة لجميع الجرائم، وبلغ عددها 108 حتى عام 2020. وهناك دول ألغت عقوبة الإعدام بالنسبة للجرائم العادية، كالجرائم المنصوص عليها في القانون العسكري أو الجرائم التي ترتكب في ظروف استثنائية، كأوقات الحرب والكوارث مثلاً، وبلغ عددها 9 دول.
وهناك الدول التي تنص تشريعاتها على تطبيق عقوبة الإعدام على عدد معين من الجرائم، ولكنها لا تطبق هذه العقوبة من الناحية العملية، إذ تمتنع عـن تنفيذ الأحكام الصادرة بعقوبة الإعدام، وقد بلغ عدد هذه الدول 142 دولة. ومن بين هذه الدول الجزائر والمغرب اللتان تمتنعان عن تنفيذ الأحكام الصادرة بعقوبة الإعدام منذ عام 1992، وتونس التي تمتنع عن تنفيذ عقوبة الإعدام منذ عام 1991، بالإضافة إلى موريتانيا ومالي.
أما الدول التي تبقي على عقوبة الإعدام، فهي تلك التي تنص في تشريعاتها على تقرير عقوبة الإعدام كجزاء لارتكاب جرائم معينة، وتنفذ الأحكام الصادرة بها. وبلغ عدد هذه الدول 56 دولة، وتدخل مصر ضمن هذه الدول.
وتعتبر منظمة العفو الدولية في دعوتها لإلغاء عقوبة الإعدام في العالم، أنها انتهاك لحقوق الإنسان، وعلى وجه الخصوص الحق في الحياة والحق في عدم التعرض للتعذيب، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية أو المهينة. وكلا الحقين يكفلهما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الأمم المتحدة في 1948.
وتستند منظمة العفو الدولية في مناهضة عقوبة الإعدام إلى أن هذه العقوبة لا رجعة فيها وقد تقع أخطاء في الأحكام. فالإعدام نهائي ولا يمكن تداركه، كما أن عقوبة الإعدام لا تردع الجريمة. فالبلدان التي تنفذ عقوبة الإعدام تنظر إليها على أنها وسيلة لردع الناس عن ارتكاب الجرائم. وغالباً ما تستخدم في إطار أنظمة العدالة المنحرفة.
وكما منظمة العفو الدولية، تتبنى منظمات حقوقية مصرية الخطاب نفسه، وتطالب الحكومة المصرية والجهات المعنية في كل مناسبة بإعادة النظر في العقوبة وكيفية استخدامها ووقف أو تعطيل الانتهاكات المصاحبة للقضايا التي يحكم فيها بالإعدام، وبشكل عام من أجل وقف هذا التصاعد المتسارع في توقيع عقوبة الإعدام، ومن ضمنها تعليق العمل فوراً بعقوبة الإعدام، ولو بصورة مؤقتة إلى حين فتح نقاش مجتمعي موسع حول إلغاء العقوبة بالكامل، وإعادة النظر في قوانين العقوبات والإرهاب والمخدرات والأحكام العسكرية لتقليل عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، على ألا تطبق تلك العقوبة إلا على الجرائم الأشد خطراً وفي أضيق نطاق. كما تطالب بتعديل قانون المنشآت الحيوية على ألا يحال المدنيون المتهمون بجرائم معاقب عليها بالإعدام إلى أي محكمة استثنائية أو عسكرية، وإعادة النظر في قانون الإجراءات الجنائية، وسد الثغرات الموجودة فيه والتي تخل بحقوق المتهم الأساسية، وخصوصاً الحق في المحاكمة العادلة المنصفة، ومنها: التمثيل القانوني وحق الدفاع ليصبح متسقاً مع نصوص الدستور المصري، وتحديداً تعديل المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية التي تعطي للمحقق الحق في أن يبدأ التحقيق من دون محامٍ في حالات التلبس أو بسبب الخوف من ضياع الأدلة.
تعذيب وإخفاء قسري
صدر بحق ما لا يقل عن 23 شخصاً من أصل الـ 107 أشخاص الذين أُعدموا في مصر حكم بالإعدام في حالات تتعلق بالعنف السياسي، إثر محاكمات بالغة الجور شابتها "اعترافات" قسرية وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومن ضمنها التعذيب، وحالات الإخفاء القسري. وارتفعت عمليات الإعدام في مصر في أعقاب حادث أمني وقع في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي له صلة بسجناء ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام في سجن العقرب.