تتفاقم مأسي السوريين يوماً بعد آخر مع كل تغيير يطرأ على خارطة السيطرة العسكرية في الميدان، تبعاً للتوافقات الدولية وعلى رأسها الأميركية الروسية، التي تسقط من اهتمامها مصير المدنيين وأي واقع يعانون، مثل السنوات الست الماضية، خصوصا إذا كانت المنطقة تخضع لسيطرة تنظيم "داعش".
هذا ما يواجهه أهالي ناحية عقيربات في ريف حماة الشرقي، التي تعيش حصاراً يكاد يكون مطبقاً من القوات النظامية والمليشيات الإيرانية والموالية المدعومة روسيا عبر الطيران الحربي وقواتها الخاصة، ما يعني مزيداً من تدهور الوضع الإنساني إلى حدّ كارثي.
وتقع ناحية عقيربات، التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي منذ نهاية 2013، شرق مدينة السلمية في ريف حماة الشرقي، وتضم نحو 75 قرية وبلدة أبرزها عقيربات أبو حنايا، وسوحا، وأبو دالي، وأبو حكفة، وأبو الفشافيش، وبستان صبيح، ودكيلة، وحمادي العمر، والحانوتة، وهداج، وجني العلباوي، وجب الأبيض (بيوض)، وجب دكيلة، وغيرها.
وبدأت العمليات العسكرية ترتفع وتيرتها منذ شهر مايو/أيار الماضي، خصوصا عقب هجوم التنظيم على قريتي عقارب الصافية، والمبعوجة شرق السلمية.
وقال رئيس المجلس المحلي لناحية عقيربات، أحمد الحموي، في حديث مع "العربي الجديد"، "إن العقيربات تقع في وسط الخريطة السورية، وتعد صلة وصل بين شمال سورية وجنوبها، كما أنها بوابة البادية السورية، وتطل على طريق الرقة السلمية، وهي بذلك تعد بموقعها الهام عقدة مواصلات"، لافتا إلى أنها "من النواحي الكبيرة وتضم 75 قرية وبلدة، وكان يسكنها أكثر من 70 ألف نسمة عام 2011".
وذكر أن "أهالي ناحية عقيربات في غالبيتهم الساحقة من الفقراء، مصادر رزقهم الرئيسة هي الزراعة وتربية الأغنام، رغم معاناتهم من نقص المياه الشديد، وهي مناطق مهمشة اقتصاديا وثقافيا، وتحولوا عقب 2012 إلى طبقة من المعدومين بسبب العمليات العسكرية، بعد فصل الموظفين من وظائفهم، وأصبحت الحركة بين المناطق خطرة أمنيا، حتى الطلاب انقطعوا عن مدارسهم وجامعاتهم".
وأفاد ذات المصدر أن "عقيربات شهدت معارك عدة كانت تتبدل السيطرة فيها بين مختلف الجهات، إذ طردت القوات النظامية منها لأول مرة في الشهر الرابع من عام 2012، ثم استعادت السيطرة عليها في الشهر العاشر من العام ذاته، لتحتفظ بها حتى الشهر الرابع من عام 2013، بعد سيطرة الفصائل المسلحة المعارضة، لكن في الشهر السابع من العام ذاته عاد النظام وفرض سيطرته عليها نحو شهر تقريبا، ثم المعارضة، إلى أن سيطر تنظيم داعش عليها في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013، واستمرت سيطرته إلى اليوم".
وعن علاقة أهالي عقيربات بالنظام قبل عام 2011، قال رئيس المجلس المحلي: "لم يكن هناك خلاف على مسألة بعينها، وكانت طبيعة المجتمع العشائرية لا تسمح بهذا الصدام، وكان النظام يرضيهم بقضايا بسيطة ليحافظ على علاقة طيبة مع المنطقة، في حين كان شعور التهميش والإهمال موجودا بالنفوس"، مبينا أن "بداية انخراط الأهالي بالثورة كان انطلاقا من الغيرة على المناطق التي تتعرض للعنف، تحت ما يسمى محليا حمية وفزعة لمناطق ثارت وتعرضت لرد عسكري عنيف".
— أبو عبدالرحمن الشامي (@salama_shamee) ١٩ أغسطس، ٢٠١٧ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
وأوضح أن "عقيربات اليوم فيها مدنيون، لكن لا توجد معلومات دقيقة عن أعدادهم، ويعيشون في ظل أوضاع إنسانية غاية في السوء، فسبل الحياة تقطعت بهم، فلا خبز فيها عقب استهداف الأفران، ولا كهرباء منذ عام 2012، ويعتمد الأهالي على مياه الآبار الجوفية، جراء خروج شبكة المياه عن الخدمة، كما يعاني الأهالي من نقص شديد بالمواد الغذائية بعد حصار الرقة، التي كانت السلة التي تغذي المنطقة"، مشيرا إلى أن "الرعاية الصحية معدومة في المنطقة، حيث لا توجد مشاف ولا نقاط طبية".
وقال رئيس المجلس المحلي إن "الآلاف من أهالي عقيربات نزحوا إلى مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية، ومناطق المعارضة في شمال سورية"، لافتا إلى أن "المجلس المحلي، المشكل منذ نحو سنة ونيف بالتعاون مع مجلس المحافظة والحكومة المؤقتة، يبذل الكثير من الجهود التطوعية لرعاية النازحين في مناطق الشمال المحرر إدلب وريف حلب وريف حماة، إلا أن الإمكانات ضعيفة، في ظل غياب الدعم والمنظمات، رغم الكثير من النداءات والمناشدات التي أطلقناها".
وأضاف "نكرر المناشدة لفتح ممرات إنسانية لمن تبقى من مدنيين في المنطقة، والتي لم تجد أذانا صاغية إلى اليوم، نناشد المنظمات مد يد العون للنازحين منهم، وما تزال استجابتها دون المطلوب".
وتابع "وثقنا لدينا أكثر من 1350 عائلة في المناطق المحررة، في حين يوجد أيضا آلاف العائلات في ريف الرقة ومخيم الركبان ومخيم الأزرق في الأردن، وقسم بمناطق درع الفرات، وقسم حاليا بالبراري مجهول المصير ويسكن الخيام".
من جانبه، قال عضو تنسيقية تدمر، خالد الحمصي، لـ"العربي الجديد"، إن "عقيربات من أهم وأقدم مواقع التنظيم وسط سورية، وهي معروفة بأنها عقدة جغرافية بين الوسط والجنوب والشمال، وقريبة من حقول النفط والغاز متل شاعر وجحار والمهر وجزل، لذلك سيطر عليها التنظيم باكرا".
وقدر عدد العائلات فيها حاليا بما لا يقل عن 200 عائلة، يتواجدون بمحيطها لأنها شبه مدمرة. وبيّن أن التنظيم استخدمها لقطع طرق إمداد الثوار من الشمال للجنوب، والتي تنطلق عبرها عملياته باتجاه اثريا وخناصر وصولا لريف حلب الشرقي. فعقيربات هي صمام أمان للتنظيم ولأي جهة تسيطر عليها، في حين قدر عدد مقاتلي التنظيم داخلها بنحو 300 مقاتل.