- الحوادث تعكس استخدام القوة المفرطة والمباشرة ضد الأطفال، حيث تم إطلاق النار على عمرو من مسافة صفر وعلى كريم بينما كان قرب منزله، مما استدعى تدخلات جراحية وعلاج طبيعي مكثف.
- الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال تصنف هذه الأعمال كجرائم حرب وضد الإنسانية، مشيرة إلى استهداف متعمد للأطفال الفلسطينيين وغياب المساءلة، مما يسمح باستمرار الاعتداءات.
لم يكن الطفلان الفلسطينيان عمرو سويدان (17 سنة) من بلدة عزون شرق قلقيلية شمال غربي الضفة الغربية، وكريم شراب (8 سنوات) من بلدة عورتا جنوب نابلس شمالي الضفة، يتخيلان أنهما سيصبحان عاجزين عن المشي، بعد استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي لهما وإصابتهما بالشلل.
عمرو سويدان الطفل البكر لعائلته، أصبح طريح الفراش بلا حراك سوى تحريك رأسه، وهو موجود في أحد مستشفيات مدينة نابلس، بعد أن أصيب بعيار ناري حي في رقبته، أطلقه عليه أحد جنود الاحتلال الإسرائيلي بعد ملاحقته خلال اقتحام بلدة عزون شرق قلقيلية، في 13 فبراير/ شباط الماضي، بحسب ما يؤكده والده محمد سويدان، في حديث لـ"العربي الجديد".
يقول محمد سويدان: "إن ابني عمرو وشاباً آخر كانا يستقلان دراجة كهربائية بصدد شراء أغراض للمنزل، ولم يفعلا أي شيء، وتزامن ذلك مع اقتحام قوات الاحتلال لبلدتنا عزون، فهربا، لكن دورية عسكرية إسرائيلية لاحقتهما في شوارع البلدة، وحاولت صدمهما أكثر من مرة إلى أن نجحت بذلك".
جنود الاحتلال يطلقون النار من مسافة صفر
عند سقوطهما استطاع الشاب الفرار من المكان، أما عمرو فقد ضربه جندي إسرائيلي بباب الآلية العسكرية وأسقطه أرضاً مرة ثانية، ليقوم جندي آخر، بإطلاق النار تجاهه من مسافة صفر، فأصابه في رقبته. "لقد كانوا يريدون قتله، لكنه نجا"، بحسب ما يروي والده.
بقي الطفل عمرو سويدان ينزف على الأرض حوالى خمس دقائق، دون أن يسمح جنود الاحتلال لأحد بالاقتراب منه، ويوضح والده أنّ أحد الجنود وضع يده على مكان إصابة عمرو، وحاول التأكد من أنه استشهد، قائلاً له: "مت، مت"، بعد ذلك تمكنت طواقم الإسعاف من نقله إلى مستشفى عزون الحكومي (مستشفى الشهيد عمر القاسم).
حالة صحية صعبة
لصعوبة حالة عمرو سويدان، فإن طواقم الإسعاف نقلته إلى مستشفى درويش نزال الحكومي في مدينة قلقيلية، حيث تبين بعد الفحوصات أن العيار الناري دخل من الجهة الجانبية اليمنى للرقبة وخرج من الجهة اليسرى، ليجري تحويله بعد ذلك إلى مستشفى في نابلس، وهناك تبين أن الإصابة تسببت بكسور في الفقرات العنقية وقطع بالحبل الشوكي، ما أدى لإصابته بشلل رباعي. وتأمل عائلته، وفق والده، أن تتحسن حالته، وأن تجري مساعدتها لعلاج ابنها سواء في فلسطين أو الخارج.
لم يشفع له حرم منزله!
أما الطفل كريم شراب (8 سنوات) فكان يقف قرب منزله في بلدة عورتا، جنوب نابلس، مع عدد من أقربائه، نحو الساعة السادسة من مساء الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 2023، حينما اقتحمت قوات الاحتلال البلدة، وكانت على بعد نحو 15 متراً من كريم، لكن المفاجأة أن ترجل أحد جنود الاحتلال من جيب عسكري وأطلق عياراً نارياً واحداً صوبه، فأصابه في رقبته، وفق شهادة نقلتها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال - فرع فلسطين.
نقل الطفل شراب بواسطة سيارة خاصة إلى مدينة نابلس وكان يرافقه جده، وعند الحاجز العسكري الذي تقيمه قوات الاحتلال على الشارع الواصل بين البلدة ومدينة نابلس، المعروف بـ"حاجز عورتا"، ترجل الجد من السيارة حاملاً حفيده المصاب، وكان يجري تجاه الجنود حتى يتجاوز أزمة السير التي يسببها الحاجز، إلا أن الجنود رفضوا السماح له بالمرور وطلبوا منه وضع الطفل على الأرض، فرفض الاستجابة لهم وواصل سيره حتى ركب سيارة إسعاف على الجانب الآخر من الحاجز.
وصل الطفل شراب إلى مستشفى رفيديا في وضع حرج، وهناك جرت عملية إنعاشه ثم خضع لعمليات جراحية عاجلة عدة، وقد تبين أن الإصابة سببت له شللاً نصفياً سفلياً، وضرراً في أعصاب يده اليسرى، كما تضررت رئته بسبب شظية من الرصاصة أدت إلى صعوبة في عملية التنفس، بعدها نقل الطفل إلى مركز خليل أبو ريا في رام الله لحاجته إلى جلسات علاج طبيعي، وقد طرأ تحسّن على يده اليسرى.
"جريمة حرب"
تؤكد الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، أن جنود الاحتلال الإسرائيلي يتعمدون استهداف المدنيين الفلسطينيين بمن فيهم الأطفال، من مسافة قريبة وصوب الأجزاء العليا من الجسد، بهدف قتلهم أو التسبب بإعاقات دائمة لهم، مستغلين الحماية من المساءلة ضمن سياسة الإفلات من العقاب التي يوفرها الاحتلال لهم، مشيرة إلى أن هذه الجرائم ترتقي إلى مستوى "جريمة حرب" و"جريمة ضد الإنسانية"، وفق نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية.
ويقول مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، عايد أبو قطيش، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن توثيقات الحركة بينت ارتفاع عدد الشهداء الأطفال الذين قتلتهم قوات الاحتلال في الضفة الغربية، بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ووفق أبو قطيش، فقد جرى توثيق استشهاد 111 طفلاً في الضفة الغربية، منذ مطلع العام الجاري، بينما شهد عام 2023 كله استشهاد 121 طفلاً في الضفة. وتشير توثيقات المؤسسات الرسمية إلى استشهاد 13 ألف طفل في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ويؤكد أنه "لا يوجد أي داعٍ لاستهداف الأطفال وقتلهم، لكن غياب المساءلة شكل ضوءاً أخضر لاستهداف الأطفال الفلسطينيين، ما نتج عنه حالات استشهاد أو إصابات بجروح تؤدي لإعاقات، كما حدث مع الطفلين سويدان وشراب، وربما نتج عن استهدافهما استشهادهما"، مشدداً على أنه "لا يوجد التزام لدى الاحتلال بكل المعايير للتعامل مع الأطفال، وأصبح المدنيون هدفاً عسكرياً للاحتلال".