تسعى حكومة الوحدة الوطنية الليبية إلى رفع كفاءة قطاع الصحة في البلاد بعد الانهيار الكبير الذي شهده خلال السنوات الماضية، وتشمل أهداف الحكومة دعم توطين العلاج، في حين يتساءل أطباء عن إمكان نجاح جهودها في ظل استمرار الصراع السياسي.
وأخيراً، نظمت الحكومة مؤتمراً لدعم توطين العلاج في الداخل، وتعهد رئيسها عبد الحميد الدبيبة خلاله بتكثيف الجهود، وتسخير الإمكانات المطلوبة لتطوير الخدمات الطبية، وتوطين العلاج، وتحسين تجهيز المرافق الصحية. وأشار إلى أن "جهاز دعم وتطوير الخدمات العلاجية" الذي أسسته الحكومة في عام 2021، ساهم في إنشاء 49 مرفقاً طبياً، وصيانة 40 مرفقاً آخرين، وتنفيذ 500 عملية زرع قرنية، و300 عملية لجراحة القلب المفتوح، و15 عملية لزرع كلى، وأن وزارة الصحة بدأت تنفيذ المرحلة الأولى من الاستراتيجية الوطنية للكشف المبكر عن سرطان الثدي، وأن السلطات ستلزم كل النساء بإجراء الكشف السنوي الخاص بسرطان الثدي، والذي ستحدد مواعيده من خلال تطبيق إلكتروني.
وليست هذه المرة الأولى التي تتحدث فيها الحكومة الليبية عن عزمها رفع كفاءة المنظومة الصحية وتطوير المراكز والكوادر. وتؤكد الطبيبة فتحية الهرامة، لـ"العربي الجديد"، أنه "جرى تنظيم الكثير من الدورات التخصصية للأطباء الليبيين في مختلف المجالات، والتنسيق مع جهات ومراكز طبية في خارج البلاد للإفادة من خبراتها في دعم قطاع الصحة الليبي".
وتضيف: "زارت فرق متخصصة من جهاز دعم وتطوير الخدمات العلاجية مدينة بنغازي، كما نفذت فرق تابعة لمستشفى العيون جولات في المناطق والمدن، وأجرت عمليات ناجحة، وتولت فرق في تخصصات أخرى تنفيذ مهمات صحية". لكنها تستدرك بأن "الجهود الحكومية المبذولة قد تواجه صعوبات، بسبب أهداف لأطراف سياسية أخرى"، وتضيف أنه "بالتزامن مع إطلاق عملية الكشف المبكر عن سرطان الثدي، طالب نواب خلال جلسة برلمانية، بوقف تدفق أموال النفط التي اتهموا حكومة الوحدة الوطنية باستثمارها لخدمة مصالحها السياسية، وتحدثوا عن أن مواطنين يتصلون بهم للشكوى من عجزهم عن تلقي العلاج من السرطان وأمراض مستعصية أخرى، ويطلبون المساعدة".
وطالب رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب، عيسى العريبي، بإصدار قرار وقف تصدير النفط "حتى توفير التوزيع العادل للثروة"، متهماً حكومة طرابلس بـ"التصرف بأموال النفط بلا عدل"، مضيفاً: "لم نستطع إرسال 20 مصاباً بالسرطان في بنغازي إلى الخارج، في حين يفعل رئيس حكومة الوحدة الوطنية ذلك بقرارات يتخذها كما يحلو له، لأن المكتب الصحي المسؤول عن قرارات التحويل إلى الخارج مقره في طرابلس، ولا يُعقل أن يكون النفط في أرضي، ولا أملك القدرة على إرسال مواطنين إلى العلاج في الخارج".
وتعلق الهرامة على تصريحات العريبي بالقول: "تضع هذه التصريحات عراقيل أمام أي برامج لإصلاح منظومة الصحة، فمجلس النواب لا يعترف بحكومة طرابلس، ولديه حكومة لا يحاسبها، لذا لا شك في أن الأمر يتعلق بوضع عراقيل لتحقيق غايات سياسية، وقد تكون أهداف الحكومة في طرابلس سياسية أيضاً من أجل حشد الدعم الشعبي، والمستفيد والمتضرر في كل الأحوال هو المواطن نفسه".
وبغض النظر عن تأثيرات المصالح الضيّقة للقادة السياسيين، يرى الطبيب البدري الكاسح، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الخطوات التي تهدف إلى إصلاح قطاع الصحة إيجابية، وتستحق الإشادة، لكنها ستسلك طريقاً طويلاً على صعيد التنفيذ. وأنا لا أعتقد أن إطلاق شعار مثل عودة الحياة بتوطين العلاج، ونشر أخبار عن إجراء عمليات في تخصص ما، يكفي لمعالجة الأزمة التي تتعلق بفقدان الإمكانات، سواء على صعيد الكوادر أو إعادة تجهيز المستشفيات المنهارة، كما لا يفيد تنظيم بعض الدورات التخصصية المؤقتة في رفع كفاءة الأطباء، وكذلك إجراء عمليات بسيطة للعيون".
ويعتبر الكاسح أن "أدنى المستلزمات لا تتوفر في مراكز العلاج. وفي كل عام تواجه مراكز التطعيم أزمة غياب الأمصال، وتتوقف عن العمل لأسابيع، كما تتجدد سنوياً معاناة الأطفال المصابين بأورام، وأخيراً وجهت نداءات من الجنوب طالبت بتوفير أمصال خاصة ضد سم العقارب الذي يقضي على أطفال كثيرين سنوياً". ويعلّق الكاسح بأن جهود الحكومة "لا تكفي لإنقاذ منظومة الصحة، بل الإرادة الحقيقية من جانب مديري المراكز الصحية والبلديات الذين يستقبلون الميزانيات الحكومية الممنوحة قبل هدرها أو اختلاسها. والمواطنون يرون أن حقوقهم الأساسية في الحصول على رعاية صحية تتلاشى، من دون فعل أي شيء".